الفصل الثامن والأربعين | كالبشر

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

إفصاح: "اللهم رحمتك أرجو، أصلح لي شأني كله، ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين، لا إله إلا أنت".

إفصاح آخر "إنها حياة كالماء ليس لها لون ولا شكل ولا تستطيع أن تمسكها بيديك". إحسان عبد القدوس

مساحة لذكر الله

****************************************

الفصل الثامن والاربعون 



غالبًا عندما أغرق في نومٍ عميق بعد مجهودٍ ضخم تراودني أحلامٌ كثيرة وغريبة ومتداخلة بشكلٍ بشع ومثير للريبة، أحلامٌ لا بداية ولا نهاية لها، أتساءل… كيف يمكن لعقلي أن يصنع شيئًا بهذا الغباء بينما أحصل على أعلى المعدلات الدراسية؟

لكن هذه المرة لم يكن حلمي غبيًا، أو متداخلًا أو غير منطقي… حلمي كان مريحًا، وعلي القول إنني اعتدت الأحلام كثيرًا، في الواقع... أنا أنتظر الحلم عندما أخلد للنوم!

عندما قلت إن حلمي هذه المرة لا يبدو غير منطقي ربما لم أعنِها حرفيًا! فأنا في هذه اللحظة أجلس حول طاولةٍ خشبية على أرض تغطيها أوراق شجرة الكرز، أحتسي الشاي الأخضر مع رجلٍ أراه للمرة الأولى في حياتي.

ذو شاربٍ تم تهذيبه فوق شفتيه وذقنٍ شبه حليقة، أعين سوداء ضيقة وتلمع عندما تنظر لشيءٍ معين لمدةٍ طويلة، شعره الأسود كان مثبتًا للخلف ومجموعًا في عقدةٍ صغيرة في نهاية رأسه، كانت تميزه آثارٌ لجرح قديم فوق شفتيه جعلتها تشبه شفة الأرنب.

وبجواره تمامًا يجلس جولديان، البطل الأسطوري للحرب قديمًا بابتسامةٍ واسعة، يداه متشابكتان خلف رأسه، وخصلاتٌ ذات لونٍ أشقر غامق سقطت فوق وجهه والباقي مجموعٌ في عقدةٍ متراخية في نهاية رأسه.

حسنًا، انسوا ما قلته سابقًا، هذا الحلم يعتبر أحد أغرب أحلامي.

و... أجل! أنا مدركةٌ أنني أحلم في هذه اللحظة ولكني مع ذلك أشعر بالاسترخاء، ومن الجيد عدم الشعور بالألم يحطم جسدك حتى ولو كان لمدةٍ وجيزة.

"تبدين هادئة جدًا" رفعت عيني نحو الرجل الذي تحدث قبل أن يرفع كأس الشاي الأخضر ويرتشف منه القليل. "أحاول أن أكون كذلك، الواقع الذي أعيش فيه ليس بهذا الهدوء؛ لذلك أحاول استغلال اللحظة ليس إلا" أجبت وأعطيته ابتسامةً صغيرة في النهاية قبل أن أستغل اللحظة وأرتشف من كوب الشاي الأخضر المصنوع من الرخام البارد.

التفت الرجل إلى السيد جولديان الذي جلس بطريقةٍ عشوائية مبتسمًا وهو ينظر نحوي بعينه الزرقاء الضاحكة وقال: "انظر كيف تتعامل بحكمة، أيها الأهوج".

دحرج السيد جولديان عينيه وهتف بصوتٍ ذي نبرةٍ عالية: "يا رجل، كل شخصٍ يملك طريقته الخاصة، المهم هو ما يوجد بالداخل هنا" قال وهو يضرب صدره الأيسر بقبضته، والتفت نحوي يطلب الدعم قائلًا: "أليس كذلك؟".

أومأت دون تعقيب وبدلت عيني بينهما.

أخذت نفسًا ونظرت للرجل المجهول بالنسبة لي وحاولت السؤال دون إهانة: "أنا أعلم من يكون السيد جولديان مسبقًا، لكني لا أعلم من أنت أو… من تكون؟" سألت بترددٍ في النهاية مسببةً تجمد الرجل وهو ينظر لكوب الشاي الخاص به.

ثوانٍ من الصمت أنهاها انفجار السيد جولديان ضاحكًا ممسكًا بمعدته، ضرب ظهر الرجل الآخر بينما يقول بين ضحكاته: "إنها تعرفني ولكن لا تعرف من أنت، هذا... يا رجل! هذا حقًا مذهل".

استمر السيد جولديان في الضحك واستمررت في النظر نحوهما أنتظر إجابة.

السيد المجهول ألقى نظرةً حادة ومتجهمة نحو السيد جولديان الذي لم يهتم وحاول مسح دموع ضحكه والتنفس جيدًا.

نظف السيد المجهول حلقة وكان من الواضح أنه يتجاهل السيد جولديان بصعوبةٍ وقال: "أظن أنكِ لم تري صورةً لي من قبل، لكن لا بد من أنكِ سمعتِ عني، أنا السيد شارفالين جاكري هاندر، سررت بلقائك أخيرًا".

فتحت فمي وأغلقته عدة مرات، لا أعلم هل من الجيد إخباره أني لم أسمع باسمه قط أم أتظاهر -فقط- بمعرفته وأومئ حتى أتمكن من الاستيقاظ.

الاثنان نظرا نحوي وكأنهما ينتظران جوابًا ما، ابتلعت وأنا أبدل عيني بينهما أحاول إيجاد الطريقة المناسبة في إخبار الرجل أنني ما زلت لم أتعرف عليه، تنهدت ووجهت عيني نحو كوب الشاي الصغير وتمتمت: "أعتذر، لكني لم أسمع اسمك من قبل".

الاثنان صمتا ونظرا نحوي، وكانت ثوانٍ قبل أن ينفجر السيد جولديان ضاحكًا مجددًا وبشكلٍ أقوى دفعه لفقدان اتزانه والوقوع من فوق كرسيه.

السيد المدعو بهاندر نظر للفراغ ببرودٍ وبدا كشخص يحاول اتخاذ قرار إن كان عليه قتل السيد جولديان أم لا، مع العلم أنه ميت وأنا فقط أصنع حلمًا غريبًا جدًا، لكني أتفاعل معه على أي حال.

"إنها حتى لا تعرف أسمك... إلهي! إنها أكبر صفعةٍ في وجه غرورك وافتخارك بذاتك… لا يمكنني التوقف عن الضحك!" تمسك السيد جولديان بالطاولة وحاول النهوض فوق كرسيه قبل أن يربت على ظهر السيد هاندر ويقول ساخرًا: "لا بأس، لا بأس، لا تحزن لأجل هذا، أيها الحكيم الكبير".

عقدت حاجبي عندما لمعت الجملة في عقلي وكررتها بتساؤل: "الحكيم الكبير؟". الاثنان نظرا نحوي باستغرابٍ مما دفعني للتفسير متمتمة: "سمعت هذا من قبل!". حاولت التذكر أين سمعت ومن سمعت يقول هذه الجملة قبل أن أصفق وأهتف عندما تذكرت:

"كاليسيو قالها عندما نجحت في فتح المكتبة، أن الحكيم الكبير اختار عائلته لحماية المــ..." توقفت عندما أدركت من الشخص الجالس أمامي، اتسعت عيناي بصدمةٍ وأنا أنظر نحوه بينما قد وضع هو ابتسامة رضى عندما لاحظ ذهولي وإدراكي.

"أنت... أنت من صنع المكتبة؟"

أومأ برأسه كإجابةٍ ووضع كوب الشاي الخاص به فوق الطاولة. "هذا مستحيل" تمتمت ونظرت حولي قبل أن أعيد نظري نحوهما.

أنا أقوم باختلاق كل هذا! لكن ليس من المنطقي أن أختلق اسمًا وشكلًا لشخصٍ لم أره سابقًا! هذا كثير... كثيرًا جدًا.

"أنت لم تقومي باختلاقي"

رفعت رأسي نحوه بسرعة، إما أنه يقرأ أفكاري أم أنه من السهل توقع ما أفكر فيه جدًا في هذه اللحظة.

"إنها مشوشةٌ بالكامل بسببك، أيها العجوز! توقف عن العبث" قال السيد جولديان ثم نظر نحوي وقال: "نحن لسنا حلمًا، لا تقلقِي". رفعت حاجبي وسألت: "إذًا أنا ميتة؟". ضحك السيد جولديان قائلًا: "تعجبني هذه الفتاة حقًا..." توقف عن الضحك وترك ابتسامةً صغيرة على ثغره وأردف: "لا، لستِ كذلك، أنتِ نائمةٌ فقط".

نظر للسيد هاندر وقال: "هذا هو الحكيم الأكبر وأكثر المعمرين في هذه الحياة، إنه متمسكٌ بالحياة بشكلٍ مضحك، لكنه ميتٌ الآن، لا تقلقِي، لن يزعجكِ عندما تستيقظين".

في الواقع هذا جعلني أكثر تشوشًا من قبل، وهذا ما لاحظة السيد هاندر الذي ربت على كتف السيد جولديان وتولى هو مهمة الشرح.

"استمعي لي جيدًا، أيتها الصغيرة. عندما نموت فهذه تعني النهاية! يتحلل الجسد وتغادر الروح، ولكننا نترك شيئًا ما خلفنا دائمًا… أثر، ذكريات، إرث… كلها بقايا تتجمع ونولد نحن منها، دائمًا ما يترك المغادرون خلفهم أثرًا منهم لأن أفئدتهم معلقةٌ بالمكان الذي تركوه".

ملت للأمام باهتمام وتركيزٍ بالكامل لما يقول، بينما السيد هاندر أراح ظهره للخلف مبتسمًا وأردف: "أنا لست حيًا ولا هذا الأهوج، أنا مجرد طاقةٍ كانت تحيط جسدي الحقيقي. أنا لست الحكيم الكبير ولست صانع المكتبة؛ فهذا الرجل قد مات منذ مدةٍ طويلة، أنا مجرد إرثٍ باقٍ، ولا يبصرنا إلا الساعي وراء الحقيقة، إلا شخصًا يملك شيئٍا مميزًا...".

صمت لثوانٍ لأكمل أنا مبتسمة: "شخصًا يملك قوةً روحية كبيرة! فهي تمكنه من رؤية خبايا لا يمكن لشخصٍ آخر رؤيتها" اقتبست حديث الشبح إليف وأنا أستعيد المحادثة التي دارت بيننا من قبل في الغابة.

ارتفع حاجبا السيد هاندر، ولكنه أومأ برضى وإعجاب. "يبدو أنكِ تتعلمين أسرع مما ظننت" تمتم ونظر لسيد جولديان بطرف عينه "عكس البعض".

ضحك السيد جولديان وقال: "أنت فقط غيور، أيها العجوز". التفت السيد جولديان نحوي ممازحًا: "كان عليكِ رؤية هذا العجوز عندما كان حيًا، لقد كان إزعاجًا حقيقيًا للجميع". حرك السيد هاندر رأسه بيأسٍ من مزاح السيد جولديان المستمر وتجاهله.

" كلما ازدادت قوة واستيعاب الشخص روحيًا وجسديًا كنا قادرين على الحديث والتواصل معه، أنتِ تبصرين جزءً صغيرًا لا يمكن تجزئته من هذا العالم، وما لا تبصرينه أعظم من أن يدركه عقل"

تنهد براحة ونظر حوله قبل أن يعلق: "ولكن علي الاعتراف، بالرغم من أنكِ تبدين في فوضى نفسية، فإنكِ تعلمين كيف تلجئين لمكانٍ مريح داخل وعيك الخاص".

نظرت للمكان حولنا وكررت باستغراب: "داخل وعيي؟". أوما السيد هاندر وقال: "نحن في منطقة اللا وعي التي تلجئين لها حتى تشعري بالهدوء، في الغالب هذا المكان هو ذكرى منسيةٌ داخل عقلك، ولكنها تجلب لكِ شعور الراحة... مكانٌ جميل".

تمتم في النهاية قبل أن يعيد تركيزه معي ويقول: "أتعلمين سبب وجودنا هنا؟ لماذا قد نرغب في التواصل معكِ، أيتها الصغيرة؟".

نظر الاثنان نحوي في انتظار الإجابة، فركت يدي ونظرت بعيدًا أفكر في ملايين الأسباب التي تستعدي هذا اللقاء الغريب.

في النهاية تنهدت ومسحت عنقي بتوتر قبل أن أرفع عيني نحوهما قائلة: "أنا أفسد الأمر، صحيح؟". اتسعت عينا السيد جولديان ولوح بيده بسرعةٍ هاتفًا: "على الإطلاق! توقفي عن تأنيب نفسك والتفكير بهذه الطريقة، أنت تقومين بعملٍ أروع بكثيرٍ حتى مما فعلته أنا!".

لم أمنع نفسي من الضحك ساخرة وحركت رأسي رافضة الفكرة، نظرة السيد هاندر الثابتة أخبرتني أنه ينتظر الجواب الصحيح...

لمَ هذان الاثنان هنا إن لم أكن أفسد الأمر إذًا؟

ربما ليست المملكة ما أقوم بإفسادها! قضمت شفتي وتحاشيت النظر نحوهما وتمتمت بضيق: "لأنني مشوشة بشكلٍ سيء". لم يكن سؤالًا، أنا أفسد نفسي مع الوقت، وهذا صحيحٌ بشكلٍ مرعب، لا أعلم متى علي التوقف ومتى علي المبادرة، أشعر بالرعب من كل تلك المسؤولية... اللعنة! أنا حقًا كتلةٌ من الفوضى.

"عندما كان الفلاحون يعملون في الحقل بلا راحةٍ أو ثمن يقابل جهودهم كانوا منقادين خلف الراعي الذي رباهم على أن الغاية من وجودهم هي العمل، كلما عمل الفلاح أكثر منحه الراعي مكانًا للبقاء والعيش فيه، فلا حياة خارج الحقل لأن الهواء مسموم. عندما توقف الفلاح ورفع رأسه عن الحقل ليرى رؤوس الجميع منبطحةً للأسفل نظر للسماء، وعندما لمح الطيور أصابه التشوش والاستغراب، وأخذ يفكر: ألم يكن الهواء خارج الحقل مسمومًا؟ لمَ على الفلاح العمل دون مقابل وعلى الراعي الصراخ فيأخذ مقابل؟ وعندما تساءل الفلاح قامت الثورة"

 قال السيد هاندر قبل أن يشير إلى رأسه قائلًا: "عندما يبدأ هذا في التساؤل..." أشار نحو صدره قائلًا: "يتغير شيءٌ ما داخل هذا! وحينها -فقط- تسيرين عكس القطيع. لا يعني اختلافك أنكِ العيب؛ فربما النظام بالكامل معيوب وأنت نطفة التطور، وهذا ما يجعل التشوش جيدٌ في هذه الحالة، لا يجب أن يكون سيئًا".

مال السيد جولديان مربتًا على كتفي وابتسم ابتسامةً مشجعة وأعقب على حديث السيد هاندر قائلًا: "كل شخصٍ مهما كان قويًا يحتاج دائمًا إلى وقتٍ للتفكير، لقد كنت مثلك تمامًا وربما أكثر حماقة، كنت أتخبط بين القوة التي أملكها وبين القدرات التي يجب أن أصل لها، ودائمًا ما كنت أفكر أن هناك حدود وهناك مستحيل، لكن...".

ابتسامته أصبحت صغيرةً وواثقة، ونظر حوله قبل أن يعيد نظره إلي قائلًا: "دعيني أخبركِ سرًا صغيرًا مكنني من إيقاف حربٍ بين الممالك كلها، إنها تلك اللحظة التي بدأت أحقق فيها المستحيل... عندما تبدئين بتحقيق المستحيل ستتغير حياتك بالكامل".

أومأ السيد هاندر موافقًا وقال: "أيتها الصغيرة، مشكلتك أنكِ تضعين دائمًا الحدود لنفسك، وعذرك الوحيد أنكِ بشرية! أنتِ لا تملكين فكرةً عما استطاع البشر فعله قبل أن يتخلوا عن نزاع القوة هذا".

لحظة! مـ… ماذا؟

نهضت على قدمي ولم أستطع كبت دهشتي وأنا أصرخ: "هل رأيت البشر من قبل؟".

كانت تلك المرة الأولى التي يضحك فيها السيد هاندر منذ بداية هذا اللقاء الغريب، وعندما لاحظ أني بدأت أضيع بالكامل من شعوري بالدهشة قال بكل راحة: "رأيت البشر؟ لقد عشت بينكم وتعلمت منكم الكثير، دائمًا ما كان يدهشني كيف لمخلوقات مثلكم أن تملك في جعبتها هذا الكم من التناقض والعناد والإصرار".

بت أراهن أني أبدو كالبلهاء بفيهٍ مفتوح وأعين لم تطرف لدقائق.

حاولت تدارك موقفي الأحمق وجلست ببطءٍ وما زلت في محاولةٍ لاستيعاب الأمر "إذا كنت تعلمت من البشر وعشت بينهم، لماذا يظن الجميع أننا مجرد حمقى؟ لمَ وجودنا بالكامل أسطورة؟ ولمَ نحن البشر لا نعلم عنكم شيئًا حتى؟".

ابتسامته الواسعة انكمشت حتى أصبحت صغيرة وبسيطة، ونظر بعيدًا وكأنه يرى ذكرى ليست سعيدة بالكامل "لأن هذا كان اختياركم، قررتم قطع الصلات بيننا بالكامل وحرقتم أي دليلٍ قد يدل على وجودنا".

مال للأمام قليلًا ولمعت عيناه بنظرة القط الذي التقط فأرًا وحبسه في زاوية، وبنبرةٍ واثقة قال: "دعيني أخبركِ بأسطورةٍ أخرى عن أبناء جنسكم، يُقال إن قديمًا قبل قرونٍ من الزمن على الأرض لم يكن البشر سوى كائنات بدائية تنام في العراء وتعيش حياةً بطريقةٍ فطرية يُعدم منها الذكاء، ومع مرور الوقت بدأ الإنسان في التطور وتطور معه ذكائه أيضًا، ومرة بعد مرة تطور البشر حتى وصلوا لما هم عليه الآن من تقدمٍ واستعمار للأرض... النهاية".

أبديت رد فعل مشوش لما سمعت وهذا دفعني لإغلاق عيني لثوانٍ أحاول ترتيب أفكاري، ثم نظرت نحوه في شكٍ قبل أن أقول: "في الواقع هذه ليست أسطورة! لقد قمت بسرد تاريخ التطور البشري في صورة مبسطة!".

عاد بظهره للخلف مستريحًا على كرسيه كما كان ولم يكبت القهقهة التي كانت تسخر مني بكل تأكيد، أو هذا ما رأيته انا!

"البشر هم البشر، ما زلتم أكثر الشعوب التي أستمتع بالحديث عنها ومعها"

تمتم وهو ينظر لأصابعه النحيلة المرتاحة فوق الطاولة مبتسمًا، ولكنه عاد بتركيزه نحوي عندما لاحظ أنني بدأت أشك في حكمته العظيمة.

"أخبريني، أيتها الصغير… أتقولين إنكم تطورتم وتاريخكم يسرد عملية تطوركم من مخلوقاتٍ بدائية شبيهة بالوحوش إلى بشر؟" رفع حاجبًا، وأجبت بنبرةٍ شبه تهكمية: "لم أكن لأصف الأمر بهذه الطريقة تمامًا، ولكنه ما أعرفه عن بدايتنا".

"إذًا أخبريني؛ لمَ توقفتم عن التطور؟ حسب الأسطورة التي ما زال يتناقلها البشر عن أنفسهم أن عقلهم تطور مع مرور الوقت كعملية استجابةٍ للمتغيرات والرغبة في البقاء على قيد الحياة، إن كان التطور عمليةً تلقائية تحدث ليتكيف البشري مع نظامه الذي يتغير وليتأقلم مع الخطر الذي يهدد حياته؛ فلمَ توقف البشر عن التطور؟ هناك الكثير من المشاكل التي تهدد حياة كوكبكم، أليس كذلك؟ لماذا لم يتطور البشر للتكيف وهزيمة هذه المخاطر؟"

فركت كفي يدي ببعضهما وحاولت البحث عن أي تعليلٍ بين كل الكتب التي قمت بدراستها وقراءتها سابقًا، فتحت فمي وأغلقته أكثر من مرة أحاول قول شيءٍ ما، ولكن في الواقع ذاكرتي القوية لم تتذكر تعليلًا واحدًا يمكنني ذكره، بل وعلى العكس بدأت أشعر بالفضول تجاه مقصد الحكيم.

 هنا بدا السيد هايدر كشخصٍ مستمتع بالكامل وهو يقود دفة هذا الحديث، وقال بنبرة مسرحيةٍ روائية يمتع نفسه بنظراتي الفضولية: "أخبرتك منذ البداية، أيتها الصغيرة… إنها مجرد أسطورة تناقلها البشر، وكي تصبح الأسطورة حقيقة عليها أن تصبح علميةً بدلائل وهمية حتى يصدقها البشر، ولكن...".

يده المرتاحة بدأت تتحرك وأصابعه تنقر الطاولة الخشبية بوتيرةٍ متسلسلة وأردف: "كيف يمكن لمخلوقٍ بدائي أن يصنع هذا الكم الهائل من الهندسة المعمارية المتقدمة والتي لم يتمكن المخلوق المتطور من اكتشاف أسرارها بعد؟ على كوكبكم هناك مئات الآثار التي اندثرت مع مرور الوقت لم يتمكن عقلكم المتطور من تحليلها ومعرفة أسرار بنائها، لأن البشر قديمًا استخدموا ما لم يتمكن البشر اليوم من استخدامه لأنهم أصبحوا محدودي البصيرة".

صمت لوهلةٍ واحترمت هذا الصمت على الرغم من رغبتي في سماع المزيد، أردت سماع المزيد ومعرفة الكثير، هذا الرجل لن يكذب، وعمره يساوي عشرة أضعاف عمري تقريبًا، وهذه نسخةٌ من طاقةٍ ظلت على وجه الكوكب وعاشت بعد عشرة أضعاف العمر الحقيقي لهذا الرجل.

التاريخ صادق، ومن يكتب التاريخ كاذب.

هذه الجملة كانت تتردد للمرة الثانية داخل عقلي وتثبت أن هذا الرجل لم يحفر كلماته عبثًا على بوابة المكتبة، إنه يعرف الكثير... أكثر من أي شخص آخر.

"أخبريني؛ لماذا تستطيعين التحكم في أربعة عناصر؟"

رفعت كتفي وأجبت وكأن الأمر بديهي: "لأنني ابنة التوبازيوس؟". رفع حاجبًا وأشار إلى السيد جولديان قائلًا: "وهو كان ابنًا للتوبازيوس، ولكنه لم يتحكم بأربعة عناصر!".

اتسعت عيني بصدمةٍ ونظرت نحو السيد جولديان الذي أومأ بابتسامةٍ ضخمة ورفع ثلاثة أصابع أمام وجهي وقال: "تحكمت بثلاثةٍ فقط، حتى أني أتقنت الثالث بصعوبةٍ بالغة، وكلما استخدمته كان يدمر جسدي ويضعفه". حركت رأسي نافية وقلت: "لكن الكثير أخبرني أنك تمكنت من التحكم بأربعة!". ضحك وحرك يده بلا مبالاةٍ قائلًا: "سيقولون الكثير وستسمعين الكثير، لكن أنا أخبركِ بما حدث، كنت أتحكم بعنصر الأرض والماء، أتقنت النار بصعوبةٍ وكان استخدامه يدمر قوتي".

بدلت نظري بينهم بحيرة قبل أن أنظر لكفي يدي بصمت، لقد أتقنت أربعة! ولا واحد منهم يؤذيني عند استخدامه! وبالرغم من صعوبة التعلم وخطورة ما مررت به مع أتريوس حتى أتمكن من استخدام العناصر الأربعة فقد تمكنت منها!

"كنا نطلق عليكم اسم (الكينجي) التي تعني في لغتكِ: المتأقلمون. لا يهم مقدار الضرر الذي يلحق بكم ولا تهم مقدار القوة التي تحصلون عليها، كنتم تتأقلمون مع كل شيءٍ دون أن تبذلوا مجهودًا، ولأنكم تتأقلمون مع كل شيء لم تعجبكم فكرة التباين في القوة بين كل كوكبٍ وآخر، فبينما كنا نفرض قواعد ودرجات حتى نصبح الأفضل كان البشر يؤمنون بأن كل كوكبٍ مميز بطريقةٍ مختلفة عن الآخر، وحينها كنتم ترسلون أبناءكم للتعلم في كل كوكب مدةً معينة، ولأنكم تتأقلمون في أي بيئةٍ بسرعة كنتم تكتسبون مهارات كل كوكبٍ تعيشون فيه لفترة"

توقف السيد هاندر عندما لاحظ أنني في حاجةٍ لدقيقة حتى أستوعب ما يقول.

مشكلتي في هذه اللحظة أنني أقارن بين البشر الذين يخبرني عنهم السيد هاندر والبشر الذين أعيش بينهم! ما الذي أصاب بني جنسنا لننحدر إلى هذا المستوى؟

رفعت رأسي نحو السيد هاندر وقلت بنبرةٍ يملأها الاستنكار: "لم نعد ما تقول عنه! البشر الآن يقتلون بعضهم لأجل القوة، بل أن الجنون قد وصل بنا لاختراع أسلحةٍ قادرة على الفتك بالكوكب كاملًا لنثبت قوتنا. أعتذر لتخيب ظنك، ولكننا أصبحنا مختلفين".

ابتسم السيد هاندر ولم يبدُ متفاجئًا على الإطلاق "تمامًا كما توقع حكماء البشر قديمًا...". تناول كوب الشاي الخاص به الذي امتلأ وحده مرةً أخرى، وارتشف منه القليل بينما يتثاءب السيد جولديان وينهض ليدور حولنا ويعبث بأوراق الكرز بقدمه.

وضع السيد هاندر كوبه وأردف بهدوء: "انفصالكم عنا كان نتيجة رؤيا أو ربما نبوءةٍ تنبأ بها حكيمكم الأكبر، رأى أن البشر سيصابون بجنون العظمة، وهذا الجنون سيؤدي بهم للنهاية في أيامٍ معدودة، أصاب الحكيم الذعر وما زلت أتذكر وكأنه الأمس، كان قرارًا لا رجعة فيه… كلما أبعد الحكماء القوة عن أيدي الأجيال القادمة كان قضائهم على بعضهم يستغرق وقتًا أطول وربما لن يتمكنوا من قتل بعضهم وإنهاء حياتهم، تم إحراق جميع الكتيبات والإرشادات التي كانت مناهج تُدرس للبشر، منعتم استخدام القوة وتدريسها في أي مكان وقررتم هدم أي شيءٍ يدل على وجود قوةٍ يمكن اكتسابها بالتدريب، وفي النهاية قررتم قطع الصلات بيننا في يومٍ أقل ما يمكنني القول عنه أنه مشؤوم، وآخر ما قاله حكيمكم قبل أن يختفي عن الوجود كان: لن تضع التوبازيوس قوتها بين يدي الأجيال القادمة من البشر، أجيال يغلفها الطمع".

لم أكن أعلم ما رد الفعل المناسب لهذا سوى أنني التقطت كوبي في محاولةٍ بائسة لترطيب حلقي الجاف، ربما علي أن أغضب مثلًا لقرار الحكماء ومنعنا الكامل من استعمال القوة التي تعلمناها، ولكن… لقد كان الصواب!

نحن نقتل أنفسنا بالأسلحة النووية، لا يمكنني تخيل ما يمكن أن نفعل إن كانت بين أيدينا قوة العناصر أو السحر أو حتى الظلام! لهلكت البشرية منذ زمن... لقد كان الحكيم محقًا.

"ما يريد هذا الحكيم إيصاله، أيتها الشابة… هو أنه بالرغم من أن البشر حرموا من القوة التي كانوا يتقنونها فمن المستحيل أن يحرموا من الميزة التي تولد معهم؛ التأقلم"

السيد جولديان الذي وقف خلفي واضعًا يده حول كتفي قال بنبرةٍ متحمسة وكأنه ينتظر دوره ليلخص كل ما قاله الحكيم.

أومأ السيد هاندر موافقًا وأنهى كوب الشاي الخاص به، رفعه أمام وجهي وقال: "انظري جيدًا إلى هذا الكوب، يوجد له حدٌ معين يمكن أن يُملأ بالشاي، ولكن إن ملأته بأكثر مما يتحمل سينسكب الشاي إلى الخارج".

كان الكأس يمتلئ وحده حتى آخره قبل أن ينسكب من أطرافه، التقطت السيد هاندر طبقًا زجاجيًا صغيرًا كان موضوعًا فوق الطاولة وأغلق به كوب الشاي وقال: "وإن أغلقته بإحكامٍ حتى يصبح بلا منفذٍ لانسكاب الشاي واستمررتِ بزيادته؛ ماذا قد يحدث؟".

راقبت الكوب الذي بدأت أصوات تصدع تصدر منه قبل أن تبدأ التشققات ملء جداره لينكسر وينفجر متحطمًا وينسكب الشاي فوق الطاولة الخشبية.

"لا يمكن للوعاء أن يتحمل فوق قدرته، وهذا ما حدث مع متحكم الظلال جانغو في معركتكِ الأخيرة، ما فعلته مع ذلك الرجل كان تصرفًا تلقائيًا بالرغم من أنكِ لم تفكري به قبل أن تفعليه، جسدك كان يدرك أن القوة التي يحملها داخله لا يمكن لجسد جانغو أن يتحملها؛ لذلك انفجر ما أن حملته فوق طاقته، ولكن أنت..."

أشار نحوي بإصبعه وأكمل: "أنتِ بشرية، وعاؤك مختلف، لن ينفجر، بل يتأقلم… مهما كان مقدار القوة التي تنسكب داخل جسدك فإنه سيتأقلم وسيأخذ شكل تلك القوة دون أن ينفجر. مشكلتكِ، أيتها الصغيرة… أنكِ تتعلمين بمنهج الحدود، جميع من تحاولي التعلم منهم يملكون حدودًا؛ لذلك يتعلمون تبعًا لحدودهم، ولكنك لا تملكين أي حدود. عليكِ التوقف عن التعلم كإلترانيوسية وابدئي التعلم كالبشر؛ فهم وحدهم من كان بإمكانهم التأقلم".

ما حدث مع جانغو! في الواقع لم أفكر في الأمر كثيرًا، قمت بفعله فقط! لكني لسببٍ ما كنت متأكدةً أن القوة التي تتدفق خلال جسدي لن تتدفق في جسد جانغو بالطريقة نفسها.

وما الذي يعنيه التعلم كالبشر؟ كيف يمكنني معرفة كيف كان البشر يتعلمون منذ قرونٍ مضت؟

"هذا العجوز قال شيئًا واحد علق في ذهني..." نظرت نحو السيد جولديان الذي سحب كرسيه ووضعه بجواري ليجلس فوقه ويردف: "الحكيم الذي رأى النبوءة قال أن التوبازيوس لن تعطي قوتها لجيلٍ يغلفه الطمع! لكن التوبازيوس منحتكِ قوتها دونًا عن مليارات البشر، عليكِ أن تكوني متأكدةً من أنكِ مميزةٌ عن باقي أبناء جلدتك ليتم منحك هذه القوة بعد أن حرمتم منها لقرون، ولا أظن أن التوبازيوس كانت لتعطي فتاةً عديمة المسؤولية كل هذه القوة! عليكِ فقط وضع بعض الإيمان بنفسك".

لم أتمكن من منع ابتسامتي، ولا أعلم إن كان سببها حديثه أم ابتسامته المعدية!

نهض من مكانه قبل أن يبعثر شعري واتسعت ابتسامته وقال بنبرةٍ واثقة: "أنتِ لها يا فتاة، ولو كنت حيًا لأخبرتكِ أني أضع كامل إيماني بك".

التفت حول الطاولة وتحرك مبتعدًا، وحينها لاحظت أن السيد هاندر قد نهض منذ مدةٍ وكان يسير مبتعدًا أيضًا، نهضت واقفةً بسرعة وصرخت في محاولةٍ لإيقافهما: "لـ... لحظة، انتظرا! ما الذي تعنيه بالتعلم كالبشر؟ كيف يمكنني حتى معرفة طريقة البشر في التعلم؟".

ضحكات السيد جولديان وصلتني وصوته وهو يلوح كان آخر ما سمعته قبل أن يختفي كلاهما "أخبركِ العجوز أنه عاش بين البشر! ابحثي في إرث العجوز".

ألقيت بجسدي فوق الكرسي الخشبي وزفرت بمللٍ قبل أن ألتقط كوب الشاي الخاص بي وأشربه كله. رائع! والآن هناك المزيد من الألغاز التي علي حلها.

نظرت للمكان الفارغ من حولي، الحكيم محق، إنه حقًا يشعرني بالراحة لسببٍ ما، لكن أين رأيت هذا المكان من قبل؟ لا توجد أماكن مليئةٌ بأوراق شجرة الكرز على أرض، أماكن زرتها أنا على ما أتذكر.

عيني التقطت شجرة الكرز الضخمة التي تبعد عني مسافةً بسيطة…

أتذكر حلمًا!

فتى وفتاة... كانت الفتاة تزعج الفتى باستمرار، وبالرغم من أنه كان متضايقًا فإن هناك ابتسامةٌ صغيرة بالكاد تلحظ على ثغره حاول إخفائها.

تثاءبت بينما رغبة قوية في النوم بدأت تراودني. تبًا، أنا نائمةٌ ولكني أشعر بالنعاس في حلمي!

وضعت رأسي فوق الطاولة الخشبية وعيني معلقةٌ بشجرة الكرز الضخمة، الفتى والفتاة... كانا هناك يومًا ما!

كانا حقيقيان لدرجة أنه بإمكاني رؤيتهما يقفان هناك، ابتسامة الفتاة تملأ وجهها والفتى يراقب حركتها المستمرة حوله بملامح يحاول جعلها منزعجةً ولكنه يبدو سعيدًا بوجودها.

تثاءبت مجددًا وهذه المرة كان جفناي أثقل من أن أقوم بفتحهما؛ لذلك استسلمت للنوم.

لا أعلم بالضبط كم مر على إغلاق عيني داخل حلمي، ولكن بدا الأمر بالنسبة لي كثوانٍ! ما أن أغلقت عيني انتهى الحلم.

وعندما فتحت عيني هذه المرة كانت الحياة الواقعية هي ما تنتظرني.

صوت غناء مخلوقات الغابة الصغيرة كان كمسكنٍ للأعصاب بينما تتسلل أشعة الشمس من بين الستائر التي انسدلت بنعومةٍ تغطي النافذة.

أحببت الصباح وأشعة الشمس وغناء الغابة في هذه اللحظة، وكأن الواقع يمكنه أن يكون بجمال الحلم أحيانًا وربما أجمل!

لكن جمال الواقع لا يستمر سوى لدقائق صغيرة قبل أن تذكرني آلام جسدي أنه واقع، لا يجب أن أنتظر الكثير منه.

الألم لم يكن قويًا أكثر من كونه ألمًا ناتجًا عن النوم لفتراتٍ طويلة وبعض الكدمات التي تشير إلى إصاباتٍ تعافت وبقي أثرها.

نهضت ببطءٍ وعيني جالت على أثاث غرفتي البسيطة، غرفتي! رائع، لقد أصبح هذا منزلي وهذه غرفتي الآن. هل سأتمكن من العودة يومًا إلى غرفتي الحقيقية حتى؟

ابتسمت بسخريةٍ لأفكاري التشاؤمية وقد فتحت عيني للتو وتبدو الأجواء هادئةً ومبهجة هذا الصباح.

حاولت الاعتدال فوق السرير ونظرت إلى الطاولة بجواري وكنت شاكرةً لكأس الماء الممتلئة والباردة، التقطتها وابتلعت ما فيها كله قبل أن أعيدها مكانها.

أبعدت الغطاء عن جسدي، ولكني أعدته بسرعةٍ عندما وجدت جسدي مجردًا من الملابس سوى ملابس خفيفة!

نظرت لجسدي مجددًا ولاحظت أنني مغطاةٌ بالضمادات في كل مكان، ذراعي اليمنى ومعصمي الأيسر، كعب قدمي وركبتي اليمنى وفخذي الأيسر، وجزئي العلوي كان مغطى بالكامل بالضمادات. أصبحت أعلم الآن لما كنت أشعر بأن جسدي محطمٌ بعد المعركة…

المعركة!

لحظة، منذ متى وأنا نائمة؟ ماذا حدث بعد المعركة؟ النبلاء، سكان الحدود، الأميرة… ماذا عن البقية؟ هل هم بخير؟

كيف وصلت إلى هنا في المقام الأول؟ كل ما أتذكره أنني كنت أتجادل مع يوجين بين فوضى المقاتلين، ثم... لا أتذكر بالضبط ما حدث بعدها.

تنهدت قبل أن أنهض وأبعدت الغطاء عني، أخذت أول بنطالٍ وقعت يدي عليه وارتديته.

توقفت أمام النافذة وأزحت الستائر ليقتحم الضوء الغرفة كاملة قبل أن أفتح النوافذ، نظرت للحديقة حول المنزل قبل أن أرفع رأسي للسماء الصافية والشمس تتوسطها.

وكأن شيئًا لم يحدث!

وكأن المعركة كانت مجرد حلمٍ أيضًا، لكن ما يثبت واقعيتها تلك الضمادات البائسة حول جسدي.

تنهدت واتجهت نحو المرحاض، أشعر بأن رائحتي هي أكثر الأشياء التي أود التخلص منها في هذه اللحظة، منذ متى لم أحظَ بحمام؟

السؤال الأكثر أهمية: كم المدة التي استغرقتها في النوم؟

أغلقت باب المرحاض وملأت حوض الاستحمام بالماء الدافئ، نزعت الضمادات عن جسدي بالكامل ولم يكن هذا خيارًا جيدًا، خاصةً أمام المرآة.

تجمدت وأنا أرى جسدي قد تحول لخريطةٍ من الكدمات الزرقاء في كل مكان، آثار لجروحٍ وندوب بدأت تختفي وبعضها ما زال واضحًا و... ما هذا؟

أوه! إنها آثار مخالب مستذئب.

رائع، بدأت أشبه خزانة الزينة القبيحة الموجودة في منزلنا، ربما أنا أكثر قبحًا منها.

لعنت والتفت متجاهلةً النظر بتمعنٍ لخصلات شعري التي تحولت إلى عش طائرٍ بامتياز، أشفقت على المرآة.

غطست داخل المياه بالكامل أكتم أنفاسي، أحاول إرخاء عضلات جسدي المتيبسة بسبب النوم لفترةٍ طويلة والتي ما زلت أجهلها.

بالحديث عن الأشياء التي أجهلها؛ أين يوجين؟ من المفترض أن يكون الأحمق حولي حتى لا يتسبب في المتاعب!

وبذكر المتاعب، ماذا عن أتريوس؟ هل اهتم و...

لحظة، ما الذي أفعله؟

فتحت عيني في هذه اللحظة ونهضت جالسة وأخذت نفسًا قويًا عندما أدركت ما أفعله، أنا حرفيًا أبدو كمراهقةٍ معجبة كما يقول يوجين.

إنه الفضول فقط، لا غير.

أجل، دائمًا ما كان الفضول.

حاولت تجاهل بعض الحقائق التي تحاول القفز صارخةً أمام وجهي وأغلقت عيني في محاولة الاسترخاء مجددًا، ولكن كيف؟ هل يمكنني أن أحظى بذهنٍ صافٍ ولو لدقائق؟ عوضًا عن الراحة أخذت أفكر في أول ما علي فعله…

وجدت أن (ما علي فعله) كان عنوانًا لقائمةٍ ضخمة وممتلئة بالمهام التي لا آخر لها، وأولها هي معرفة المدة التي فقدت الوعي فيها حتى لا أصاب بجنون الارتياب.

علي الذهاب للقصر الملكي والاطمئنان على جميع المصابين من سكان الحدود، وعلي إجراء حديثٍ مع النبلاء حتى لا يجن جنونهم بسبب كمية السكان القادمين من المقاطعات إلى أراضيهم، وعلي الذهاب للبرج الموجود في مقاطعة هايبر واكتشاف ما كان هؤلاء السفلة يفعلونه بالسكان هناك.

هناك أيضًا ملكة الساحرات التي أتمنى أن الأمر لم ينتهِ بها مقتولةً على يد ثونار، والأهم من كل هذه الأمور: هناك الفتى الإريبوسي والفتاة من الحدود اللذان اتفقت على مقابلتهما.

ماذا عن أتريوس؟ ربما... انسي أمره! ما خطبك، جلنار؟ ركزي.

أجل، سأشغل نفسي هذه الفترة بتفسير حديث الحكيم الأكبر والسيد جولديان... تعلمي كالبشر، شكرًا! كم أن لغزك سهل الحل، ويجب ملاحظة السخرية في طريقتي هنا.

إلهي، هناك المزيد أيضًا! على الخطة التي رسمتها أن تسير وفق ما نريد، لا أملك وقتًا للنوم أكثر.

 نهضت بينما أفرغ الحوض من الماء الذي حال لونه لأحمر غير قاتمٍ نتيجة لبعض الدماء التي جفت مسبقًا حول جسدي وبعض الجروح التي لم تشفَ تمامًا. لطالما كنت أتعامل مع الإصابات والدماء؛ لذلك لم أجد مشكلة في تضميد جسدي مجددًا دون حاجةٍ لمساعدة الطبيبة الملكية كراميل.

بالحديث عن تلك الفتاة؛ أفتقدها نوعًا ما.

ضحكت تلقائيًا عندما تذكرت الفوضى التي تسببت فيها بسبب إعجابها بأتريوس.

ابتسامتي اختفت شيئًا فشيئًا وأغلقت المياه المنسابة فوق جسدي، ثم سحبت منشفةً ضخمة لففتها حولي وقررت تجاهل الشعور الغريب الذي راودني فجأةً عندما تذكرته.

أخرجت ضماداتٍ جديدة من أحد الأدراج وضمدت الجروح التي لم تلتئم بعد، ثم أخذت بنطالًا وسترة عشوائيًا، ورفعت أكمام السترة الزرقاء ذات القماش الخفيف.

لم أخطئ بالاستحمام؛ فهذا حقًا ما كان جسدي في حاجةٍ له.

أنهيت تضفير شعري الرطب وهبطت الدرج للأسفل وهدوء المكان لم يكن مريحًا جدًا في الواقع.

توقفت أنظر للمكان فارغ من أي شخص، ولكن هناك أطباقٌ فارغة على المائدة؛ مما يعني أنهم كانوا هنا وتناولوا الفطور.

زفرت ببعض الضيق من الحيرة التي أعاني منها في هذه اللحظة، يبدو أن وجهتي محدودةٌ في كارولوس، لربما أجد يوجين هناك، وأركون أيضًا في حالة أصبح كارولوس متصالحًا معه.

عندما التفت في نية الخروج من هنا شهقةٌ صغيرة أوقفتني ودفعتني للنظر لصاحبتها التي كانت واقفةً أمامي ممسكةً بسلةٍ مليئة ببعض الفاكهة.

أسقطت واندر السلة من بين يدها وهي تنظر نحوي بصدمة، تبعثرت الفاكهة التي كانت داخلها على الأرضية وقد تدحرجت في المكان، ومنها واحدةٌ تدحرجت نحوي حتى اصطدمت بقدمي لتتوقف عن الحركة.

التقطها وأخذت قضمةً وهذا دفع معدتي للصراخ طلبًا للمزيد. "صباح الخير، واندر!" خرجت نبرتي حائرة بعض الشيء لرد فعلها، وللمرة المئة يعود السؤال ذاته لعقلي، كم ساعةً ظللت نائمة؟

"إلهي العزيز، جلنار! لقد استيقظتِ!" صاحت واتجهت نحوي بسرعةٍ قبل أن تضع يدها على مقدمة رأسي لتزداد ابتسامتها اتساعًا وتقول: "وحرارتكِ عادت طبيعية أيضًا".

رفعت حاجبًا وأنا آخذ قضمةً أخرى من طعامي وسألت باستنكار: "حرارتي؟ ما الذي حدث بحق الله؟ وأين الجميع؟".

"يحاولون الاعتناء بكل ما حدث بعد المعركة، نحن شبه أبطال الآن"

التفت نحو زوندي الذي قال مبتسمًا وأغلق باب المنزل خلفه وأردف: "من المريح حقًا عودتكِ، جلنار، لا أعلم كيف كان بإمكانك الاهتمام بكل شيءٍ في الوقت ذاته". أسند رأسه على كتفي وتذمر مما دفعني للضحك والتربيت على رأسه "لقد انتهت المعركة في الأمس، زوندي، لا تكن كسولًا".

رفع رأسه ونظر نحوي بتعجب، وبدل نظرته بيني وواندر قبل أن يقول: "الأمس! جلنار، لقد كنتِ فاقدة الوعي ليومين، هذا هو صباح اليوم الثالث".

"يـ… يومان!"

كررت بصدمةٍ ليومئ مؤكدًا حديثه، حدقت به لثوانٍ وأنا أحاول ترجمة ما قال، وعندما أدركته صرخت بفزع: "لقد مرت ثلاثة ليالٍ على المعركة؟".

أومأ مجددًا بينما كنت أغرق أنا في نوبةٍ من الهلع، ثلاثة أيام! وأنا فاقدة للوعي؟ ما اللعنة؟ لقد وعدت الأميرة بالاهتمام بكل هذه الفوضى، والنبلاء؟ لا بد من أنهم فعلوا شيئًا ما بسكان الحدود الموجودين على أراضيهم، وماذا عن الناجين؟ أو حتى البرج الموجود في مقاطعة هايبر؟ وملكة الساحرات، من تعامل معها؟ و...

توقفت عندما أمسكت واندر بكتفي وهزتني بقوة، وحينها أدركت أنني كانت أسير في أرجاء المكان وأتمتم كالمجنونة.

"اهدئي، كل شيءٍ على ما يرام!" صاحت في وجهي لأجفل وأنظر نحوها، ولكن شيءٌ آخر قفز لعقلي. "يوجين! أين يوجين؟" تمتمت والتفت أنظر حولي، إنه الوحيد القادر على إخباري بكل ما حدث.

"لقد جنت" سمعت همس زوندي ولاحظت إيماءة واندر وكلُ منهما يحدق بي.

جذبتني واندر وأجلستني فوق الأريكة، ثم جلست بجواري ناظرةً نحوي بحزم وقالت: "لا مزيد من العمل لهذا اليوم". رفعت حاجبًا وما أن فتحت فمي بنية الاعتراض قائلةً إني لم أفعل شيئًا غير الاستلقاء ليومين واجهتني بضربةٍ على رأسي وقالت: "اليوم هو يوم راحتكِ، جلنار، تنفسي قليلًا وتوقفي عن تحمل المسؤولية بالكامل".

نهضت واقفة وصحت: "لا يمكن! هناك كثيرٌ غير منجز بالفعل وقد كنت نائمةً ليومين كاملين، هناك الكثيـ...".

توقفت عندما ربت زوندي على كتفي ودفعني بخفةٍ للجلوس مجددًا، انحنى على إحدى ركبتيه أمامي مبتسمًا وقال بهدوء: "لا يوجد شيءٌ عليكِ فعله اليوم، لقد أنجزنا كل شيء".

فتحت فمي وأغلقته أكثر من مرةٍ في محاولة فهم ما يرمي إليه، ولكنه أردف موضحًا: "اعتنت ثونار بأمر ملكة الساحرات وأشرفت على عودتهم لمملكة الماجي، وبمعجزةٍ ما لم تحاولا قتل بعضهما، وربما الفضل يعود لجوزفين الذي ساعدها وكبح رغبة القتل بين السيدتين".

ضحكته وضحكة واندر جعلت من الصعب كبت ابتسامتي. حسنًا، الساحرات بخير!

"لقد اعتنينا بكل شيء، رومياس وأنا أشرفنا على نقل كافة السكان من المقاطعات إلى أراضي النبلاء وإيجاد منازل مناسبة لهم، كما أن الكثير من العامة فتحوا منازلهم لسكان الحدود، أرتيانو كان المسؤول عن المماطلة مع النبلاء طيلة هذه المدة، وأنتِ تعرفين كم هو ماهرٌ في التلاعب بالألفاظ ضد الجميع"

أومأت ودحرجت عيني وأنا أتذكر استفزازه الدائم لي.

"لافيان وهارليك كانا مسؤولين عن الاطمئنان على المقاتلين والجرحى وأهالي الضحايا، تينر جام وأوكتيفيان يترددان كثيرًا على القصر الملكي لمعرفة كل ما يحدث في هذه الفترة والتعامل مع الأوامر الملكية وما شابه و… حدثت المعجزة…"

نظرت نحوه بتعجبٍ بينما ضحكت واندر وابتسم هو وتابع بنبرةٍ درامية: "تعاون لأول مرةٍ في تاريخ الإلترانيوس كلٌ من السيد أغدراسيل والسيد أتريوس، لقد أخذا العمل الصعب؛ فهما المسؤولان عن الفرقة التي تفتش البرج الموجود في هايبر".

حسنًا، علي الاعتراف بأني متفاجئة! أعني… حقًا أعاني من آثار الصدمة الآن، لقد تعاونا معًا أخيرًا!

"لا تظهري هذه التعبير، لقد لكَمَ كل منهما الآخر عدة مرات، لكن لحسن الحظ لم يتطور الأمر كثيرًا"

أضاف زوندي لحديثه وكاد هذا يدفعني للصياح قائلة: أوه، بالطبع لكَمَا بعضهما... ولكني تمالكت نفسي وزفرت بيأسٍ لسلوكهما الطفولي.

"لكن في النهاية كل شيءٍ بخير، وكل شيءٍ يسير على ما يرام. أتعلمين ما رد فعل الطبيبة الملكية عندما رأت حالتكِ، جلنار؟". حركت رأسي للجهتين بالرغم من توقعي شيئًا مماثلًا لـ: إنها حمقاء، إنها مصابةٌ في كل مكان.

"لقد كانت مذهولة، جسدك بالكامل كان مليئًا بالكسور والكدمات والجروح الضخمة، أغلبها كانت تنزف بشدة، إصاباتك كانت خطيرة بالفعل! وعلى الرغم من ذلك لم تتوقفي عن القتال حتى النهاية، كان عليكِ أخذ قسطٍ كبير من الراحة"

يمكنني تخيل الأمر بالنظر إلى الآثار التي ما تزال موجودة، واندر أخذت دفة الحديث وعاتبتني ببعض الغضب قائلة:

"لقد كانت حرارتك مرتفعةً للغاية وكنتِ تهذين بشكلٍ مثير للقلق، لم تكن المعركة فقط، ولكنك أنهكتِ جسدكِ، لم تحظي بنومٍ كافٍ منذ أيام وأهملتِ بالكامل وجبات طعامك وكنت منغمسةً في الذهاب إلى هنا وهناك والتفكير في حلٍ لكل شيءٍ، جلنار، حتى أن يومين من النوم لا أظنهما كافيين لأجلك"

واو! هذا كثير، هل حقًا نسيت تناول وجبات الطعام؟ تبًا، لقد انغمست كثيرًا في لعبة الملك والعدو.

"لم ألحظ هذا..." تمتمت بدهشةٍ لتجذب واندر انتباهي مجددًا قائلة: "لا عمل اليوم، المملكة كلها تحتفل هذه الليلة والجميع يتجهز لهذا اليوم، كل ما عليكِ فعله هو الراحة ليومٍ آخر والاعتناء بنفسك قليلًا، في النهاية لن تتمكني من إنقاذ أحدٍ بجسدٍ متهالك".

توقفت عند نقطةٍ واحدة وكررتها باستنكار: "احتفال؟". أومأ زوندي مبتسمًا بحماسٍ وقال: "المملكة كانت تحتفل منذ يوم النصر، ولكن اليوم هو يوم الاحتفال الرسمي، الليلة جميع النبلاء والمقاتلين مدعوون لحفلٍ في القصر الملكي، نحن أيضًا مدعوون، وسكان الحدود والعامة سيجتمعون جميعًا على أرض العامة وسيقيمون احتفالًا على طريقتهم الخاصة، الجميع يجهز المملكة للاحتفال".

بالرغم من أن الاحتفال شيءٌ مبهج، ولكن… هل حقًا هذا هو الوقت المناسب؟ لقد بدأنا الحرب للتو وينتظرنا الكثير، أليس الأمر وكأنهم يحتفلون بالنصر مبكرًا؟

بدا وكأن زوندي قرأ ملامح وجهي واستنتج ما أفكر فيه؛ لذلك ربت على كتفي وحرك رأسه للجهتين قائلًا: "أعلم ما تفكرين فيه، وأنتِ محقةٌ ولكن... فكري في جميع المقاتلين والجنود، سكان الحدود وما واجهوه، الأميرة لم تكن تشجع فكرة الاحتفال كثيرًا أيضًا، ولكن إن فكرتِ في الأمر فالجميع في حاجةٍ لشيءٍ يرفع من أرواحهم ومعنوياتهم قليلًا، شيء يذكرهم بأنهم ما زالوا على قيد الحياة".

"هل أصبحت حكيمًا فجأة أم أنك كنت دائمًا بهذه الحكمة وأنا التي لم تلحظ؟" مازحته ليضحك ويقول: "حاولي اكتشاف ذلك بنفسك" غمز في النهاية ونهض متجهًا إلى غرفته ليأخذ حمامًا.

"زوندي"

التفت ينظر نحوي ينتظر سؤالي "هل هناك شيءٌ غريب يحدث حولك هذه الفترة؟ شيءٌ مخيف ربما؟". تجمد لثوانٍ قبل أن ينظر حوله ببعض الحذر ويهمس: "إنه حولنا ولا أظنه يحب أن نتحدث عنه، ما زال يحرك ستائر غرفتي باستمرارٍ ويغير أماكن ملابسي، هل يضايقك أيضًا؟".

أجل، يوجين ما زال بخير.

تنهدت وقلت بينما أدحرج عيني: "لا تملك أدني فكرةٍ عما يفعله معي".

"لا أظنه مؤذٍ، ولكن لا يجب أن نغضبه، لا تقلقِي" همس بحذرٍ قبل أن يصعد لغرفته بترقبٍ أكثر، المسكين لا يدرك أن يوجين لا يمكنه أذية نملة.

أردت الخروج والبحث عنه ولكن تم سحبي على الفور نحو مائدة الطعام من قبل واندر التي أمسكت بمغرفة الطعام وقالت بحزم: "لا خروج قبل أن تتناولِي وجبةً كاملة من الطعام".

لثانيةٍ فقط كان يمكنني رؤية والدتي واقفةً وممسكة بالمغرفة ذاتها وتطلق تهديداتٍ مماثلة، هذا دفعني للابتسام والإيماء براحة "شكرًا على الطعام مقدمًا إذًا". بدت واندر متفاجئةً لرد الفعل المسالم، ربما توقعت تذمرًا أو ما شابه، لكنها ابتسمت باستحسانٍ وربتت على رأسي.

لقد كنت دائمًا طفلةً متذمرة، ولكن الآن... أتمنى فقط إن كان بإمكاني العودة وشكر والدتي على كل وجبة طعام وضعتها أمامي طيلة حياتي.

لأنها تستحق هذا الشكر وأكثر، ولكن يبدو أننا ندرك الحقائق دائمًا بعد فوات الآوان، مع ذلك فلا يمكنني التذمر مجددًا، لقد أعطاني هذا العالم واندر وهي دائمًا ما تشعرني بأن أمي موجودةٌ حولي؛ لذلك علي أن أكون شاكرة.

وضعت رأسي فوق الطاولة وحدقت بالنافذة، وعدت بذاكرتي قليلًا لذلك الحلم أو الرؤيا أو أيًا يكن...

لقد مررت بالكثير من الغرائب التي تؤكد أن هذا ليس وهمًا صنعه عقلي، لقد تحدثت فعليًا مع أثر الحكيم الأكبر والسيد جولديان ومجيئهما ليس عبثًا.

ليس هذا وحسب، علي أيضًا التعامل مع حقيقة أن البشر كانوا من اتخذ قرار الابتعاد ولم يكن الأمر له علاقة بالتوبازيوس، لقد رأى أحد حكماء البشر أننا سندمر بعضنا بطريقةٍ أو بأخرى وأننا سنجلب الهلاك لأنفسنا وليؤخر هذا القدر المحتوم قرر محو القوة التي قد تمكننا من القضاء علينا مبكرًا.

لست فزعةً من حقيقة أن قدرنا المحتوم هو الهلاك! نحن البشر سنموت على أي حال! إن كان موتنا طبيعيًا أو بسبب شجع البشر السرمدي فكلا الطريقتين هي إرادة الإله! من أنا لأعارض؟ في النهاية أليس من الممل البقاء حيًا للأبد؟

المشكلة تكمن في المدة التي سنقتل فيها أنفسنا وإن كان البشر يستعجلون قدرهم أكثر مما ينبغي، ربما نحن أحياءٌ حتى الآن بفضل محو القوة من بين يدي البشرية، ولكن...

هنا يكمن اللغز!

ماهي القوة التي كان البشر يتميزون بها؟ كيف لي أن أتدرب كالبشر إن كنت لا أعلم ما هي قوة البشر؟

أغمضت عيني لثانيةٍ وزفرت بضيق، ربما من الجيد عدم التفكير في الأمر ولو ليومٍ واحد، واندر وزوندي محقان، أنا أهلك نفسي ليس إلا.

اندفع جسدي للخلف بفزعٍ عندما فتحت عيني لأجد أغدراسيل واقفًا بجواري وينظر نحوي برأسٍ شبه مائل بدهشة. "إلهي! أغدراسيل! ألا يمكنك أن تصدر صوتًا؟" أنبته وأنا أحاول التنفس مجددًا، ولكنه ظل يحدق بي ببعض الدهشة.

"هل أنتِ بخير؟" سأل بذهولٍ لأرفع حاجبًا وأرد ساخرة: "كدت أسألك السؤال ذاته، ما خطبك؟ بالطبع أنا... أوه، تقصد مسألة السبات ليومين؟". رفعت كتفي وأردفت: "أنا بخير، لقد استيقظت منذ ساعةٍ تقريبًا وأظن أن الكثير فاتني".

حاول تمالك ملامحه عندما لاحظ محاولتي في كتم ضحكي، وسحب أحد الكراسي حول المائدة وجلس أمامي "هل أنتِ متأكدةٌ من أنكِ لا تعانين من أي ألم؟ لقد كانت حالتك سيئةً جدًا، جلنار، ربما عليكِ أخذ المزيد من الراحة".

حركت رأسي نافيةً بمللٍ وقلت ضاحكة: "إن أخذت المزيد من الراحة سأتحول لمومياء". نظرت لجسدي وتذكرت الضمادات الملتفة حوله لأتمتم: "ربما أصبحت كذلك".

"أنا آسف"

طرفت بدهشة ورفعت رأسي نحو أغدراسيل الذي نظر بعيدًا فجأةً وابتلع وهو يخفض رأسه. "لمَ الاعتذار؟" سألت مستنكرةً ليمسح رقبته وقد لاحظت أنه يقوم بهذه الحركة كثيرًا عندما يكون محرجًا أو يشعر بالذنب!

"أعني… وصولك لهذه الحالة كان خطأنا منذ البداية، لقد ألقينا كل شيءٍ فوق كاهلك فجأة، وكونك بشرية بيننا جعل الأمر أصعب؛ فلم يؤمن بكِ أحدٌ منذ البداية وكان عليك بذل كل هذا الجهد بسببنا، لو أننا فقط تخلينا عن أفكارنا الحمقاء وحاولنا حمل القليل من العبء لما وصلتِ لهذه الحالة الأمـ...".

قاطعته على الفور نافيةً بقوة: "ما الذي تقوله؟ لا يد لك ولا لأي أحدٍ بيننا فيما حدث، أغدراسيل، كما أن...". أوقفني بعنادٍ وقال: "لا، جلنار! استمعي لي، لو أننا لم نتصرف كالأطفال فيما بيننا، لو أننا توقفنا عن رمي الأحكام المسبقة لكنتِ تثقين بنا منذ وقتٍ طويل، لقد استغرق الأمر وقتًا حتى بدأت تشاركينا ما تفكرين به ولا تحاولي حتى النفي...".

بعثر شعره وزفر، أصبح الضيق واضحًا على وجهه وأردف: "هل تنكرين أنكِ منعتِ نفسك من إخبارنا عن الكثير من الأشياء سابقًا لأنك تعرفين أن رد فعلنا سيكون سيئًا؟ لا تحاولي الإنكار، أعلم أنكِ أخفيتِ عنا الكثير ولا ألومك على هذا، جلنار. الذنب ذنبنا، لو لم نتصرف كحمقى لكنتِ وثقتِ بنا".

زممت شفتي ونظرت بعيدًا وأنا أعلم أن الإنكار لن يفيد، هو نوعًا ما محق، أنا لم أخبرهم عن المكتبة وألغازها، ولم أخبرهم عن كارولوس وقد اكتشفوا الأمر صدفة، ولم أخبرهم حتى الآن عن يوجين، أو حتى الشبح العجوز إليف، لأنه من الصعب توقع ردود أفعالهم تجاه هذه الأشياء!

"ما زال بإمكاننا إصلاح الأمر" رفع رأسه نحوي بنظرةٍ متعجبة لأتابع مبتسمةً في المقابل: "لقد مررنا بالكثير معًا وما زال هناك الكثير سنمر به، ما أعنيه هو أن لا خيار آخر سوى الثقة بمجموعة المجانين التي تعيش هنا، أليس كذلك؟".

لم يتمكن من كبتها واستطعت أخيرًا رؤية ابتسامة أغدراسيل. "هذا هو أغدراسيل الذي أعرفه، كما أنكم اهتممتم بكل شيءٍ في أثناء غيابي، أتحتاج ثقةً أكثر من هذه؟"

ضحك ونظر بعيدًا لثوانٍ متمتمًا: "دائمًا ما تتمكنين مني". اقتربت منه وعبثت بشعره ممازحة "لا أحد يمكن أن يتمكن منك سواي". اختفت ابتسامتي عندما رأيت الجرح الطولي الذي على خده الأيسر، أمسكت ذقنه وأملت رأسه للجهة الأخرى وشهقت بصدمة "كيف أصبت بهذا؟".

أعني… لقد كانت حربًا، أعلم ولكن... هل نظرتم لوجهه المثالي؟ كيف تمكن شخصٌ ما من النظر لهذا الوجه وإصابته؟ بالتأكيد يكون شخصًا لا يحترم الجمال حتى.

انتبهت أني لم أحصل على رد فعلٍ حتى مما دفعني لإعادة انتباهي لأغدراسيل المتجمد بينما ينظر نحوي بأعين لا تطرف. "أغدراسيل!" ناديت بتعجبٍ ليجفل ويبتعد عني وقد استعاد وعيه "أعتذر، لقد... كنت أتـ... انسي الأمر".

ما خطب رد الفعل الغريب هذا؟

"هل أنت بخير؟" أومأ وحاول الابتسام وقال بينما يلمس جرحه: "ليس بشيءٍ قوي، سيختفي مع الأيام، لا بد من أني أصبت به في أثناء معركتنا الأخيرة". أومأت بتفهمٍ وشتمت الحقير الذي أصابه داخل عقلي مئة مرة، إنه أكثر نقاءً من أن يتم جرحه.

"أوه، لقد عدت أخيرًا!" التفتنا نحو واندر التي وضعت أطباق الطعام أمامي وأردت حقًا مشاركتهما الحديث، لكن معدتي كانت تتحكم بي بشكلٍ همجي في الواقع.

"مرحبًا، واندر" أومأ لها برأسه لتجلس على الكرسي المقابل لكلينا وتصفع كتفه بخفة. "هذا الشقي يعود في أوقاتٍ متأخرة، حتى أنه أصبح يترك بعض وجباته، انظر إليها كيف تبدو هزيلةً وتكاد تلتهم الطبق، هل تريد أن تصبح مثلها؟".

قالت مشيرةً لي وكدت أعتبرها إهانة، إلا أنها كانت محقةً لدرجةٍ جعلتني ألتفت نحو أغدراسيل بفمٍ شبه محشو لأكرر بتهديد: "هل تريد أن تصبح مثلي؟ صدقني؛ أنت لا تريد لهذا أن يحدث لك".

لم يستطع تمالك نفسه وانفجر ضاحكًا بينما أكملت أنا تناول طعامي.

"إمضاء الوقت مع ذلك المتسكع أتريوس جعل طباعه تلتصق بك"

كدت أغص بالطعام، لقد توقف لثانيةٍ في منتصف حلقي حرفيًا، لكني تمالكت نفسي وابتلعت نصف كأس العصير حتى لا أُفضح أكثر من هذا.

لقد ذكرت اسمه، جلنار... لم تقل إنه ينوي الزواج، ما خطبك؟

وجه أغدراسيل تحول لوجه شخصٍ يحارب حتى لا يقتل نفسه ما أن ذكرت واندر اسم أتريوس. "أوه، أرجوك، واندر! لا شيء يجمعني بهذا الأحمق" رفعت واندر حاجبها وتمتمت: "تعملان معًا الآن! هذا يجمعكما". مسح وجهه وصاح متذمرًا: "واندر!". رفعت يديها مستسلمةً وقالت "لم أذكر شيئًا لا يحدث".

"كان عليكِ رؤية الصراع الذي عانيا منه حتى يتفقا للعمل معًا" قالت واندر ضاحكةً وأضافت ساخرة: "لقد قمنا برهانٍ على المدة التي سيستمران فيها بالعمل معًا قبل أن يقتلا بعضهما". دحرج أغدراسيل عينه وتذمر وهو ينهض: "هاهاها، مضحك جدًا".

في الواقع لقد كان مضحكًا لدرجةٍ دفعتني لترك الطعام والضحك لدقيقةٍ كاملة، بعثر أغدراسيل شعري في محاولةٍ لإغاظتي وهو يمر من خلفي للصعود لغرفته. "تزوج أتريوس، أرجوك!" سخرت صارخةً ليأتيني صوته الصائح في تقزز: "جلنار، تبا! لقد تخيلت الصورة في رأسي، أكاد أتقيأ".

هذه المرة شاركتني واندر نوبة الضحك وتوقفنا بصعوبة.

عندما أنهيت طعامي ونهضت في نية البحث عن يوجين أخبرتني واندر أن البقية في الغالب إما ينهون بعض من مهامهم أو يتجولون للحصول على البعض الراحة فقط.

الخروج من المنزل واستنشاق بعض الهواء المنعش كان شيئًا جميلًا بعد أحداثٍ مدمرة، حتى أني أكاد أشتاق للأيام الهادئة التي عشتها هنا، لحظة! هل هناك أيامٌ هادئة عشتها هنا؟ سؤالٌ يستحق بعض التفكير.

اتجهت نحو مكان كارولوس المفضل موقنةً أني سأجد الشبح الذي أبحث عنه هناك.

لكن أول ما استقبلني كان جسد آركون ذا الفراء البيضاء الذي ركض نحوي قبل أن أرى كارولوس حتى، هناك اثنان آخران لم يقتلا بعضهما، حمدًا لله.

ربت على رأسه مستمتعةً بتحركه المتحمس والمستمر حولي، هذا يجعلني أعيد التفكير في اقتناء قطةٍ عند العودة للأرض، إذا عدت بالطبع.

زئير كارولوس كان ثاني شيءٍ يستقبلني بعد آركون وقد ركض نحوي قبل أن يلقي بثقله علي. "أوه! تهمل يا صاح، أوزانكما مختلفة" قلت ضاحكةً بعد أن أوقعني أرضًا وكنت أعلم أنه سعيد، سعيدٌ جدًا وهذا جعلني أشعر بالامتنان.

ربت على رأسه وحاولت النهوض لأحتضنه. "اشتقت لك أيضًا" همست وأنا أداعب عنقه ولم يبدُ آركون ممانعًا، عكس كارولوس الذي أشعر برغبته في قتل آركون لا تزال موجودة.

لا بأس، سيتأقلمان.

"استيقظتِ!"

التفت نحو الشبح المنشود أخيرًا ولم أستطع إخفاء ابتسامتي. "لسوء حظك فعلت" قلت ساخرةً ليضحك ويتجه نحوي قبل أن يحتضن جسدي بخفة "ظننت أني تخلصت منكِ". ربت على ظهره هامسة: "هذا لطيف".

ابتعد عني ونظر لوجهي عن كثب؛ مما دفعني لرفع حاجبٍ ليجيب عن السؤال الذي لم أنطقه: "أنا فقط أتأكد من أنكِ حقيقةٌ ولم تنضمي لحفلة الأشباح". صفعت كتفه وقلت متذمرة: "لن أموت لمجرد ارتفاع حرارة".

فتح فمه بدهشةٍ وصاح: "حرارة! هل رأيتِ نفسكِ عندما عدتِ من المعركة؟ بالطبع لم تفعلي، كنتِ مشغولةً بالنوم. جلنار، لقد كنت أملك شكًا بأن الدماء داخل جسدك قد انتهت وسنضطر لنقل دماءٍ فضائية لك، ولكن يبدو أن السيدة السحرية يمكنها البقاء دون بعض الدماء".

هذا هو يوجين الذي أعرفه.

"عادةً ما سأنزعج، ولكن... صدق أو لا، لقد اشتقت لهذه السخرية"

رفع كتفيه وقال: "يصعب عدم الاشتياق لي، أنا غير قابلٍ للمقاومة".

أجل، هذا بالتأكيد يوجين الذي أعرفه.

"لقد مضى يومان، لا تهول الأمر"

رفع يده مستسلمًا وقال: "محقة، لكن كان عليكِ رؤية ما حدث في خلال اليومين، أتعرفين من أبطال أحداث هذين اليومين؟". تظاهرت بالتفكير قبل أن أجيب: "أغدراسيل وأتريوس لأنهما يعملان معًا؟".

سقط فكه أرضًا وصاح: "كيف عرفتِ؟ كان من المفترض أن أخبرك بهذا، ثم تشهقين متفاجئة، ثم أخبرك المزيد وأستمتع برؤيتك تدهشين، ثم أضيف بعض التفاصيل التي تجعل القصة أكثر متعةً وأنتِ تصابين بالذهول، ثم...".

كتفت ذراعي وقاطعته بملل: "زوندي وفر الأمر عليك وأخبرني ببساطة". ضيق عينيه وهسهس بغيظ: "ذلك الكائن الأزرق الشاحب، كان علي قتله من الخوف".

"عليك التوقف عن إخافته، بالإضافة إلى أنك شبحٌ وتحيط بك هالةٌ زرقاء أيضًا؛ مما يعني أنك أزرق وشاحب!". دحرج عينيه وتمتم: "أنا أصلي، هو نسخة مقلدة". ربت على كتفه ودفعته للجلوس بالقرب من آركون. "أتعلم؟ من الغريب كوني أستطيع لمسك" قلت ونظرت ليدي فوق كتفه والتي هبطت فجأةً عابرةً من خلال جسده. "هذا أفضل؟" سأل بعد أن جعل نفسه غير قابلٍ للمس مجددًا. "نوعًا ما" تمتمت.

نظر ليده وقال: "أصبح بإمكاني التحكم بالأمر جيدًا في الواقع، أعطاني شعورًا غريبًا في البداية، لكنه يصبح مألوفًا مع الوقت". علي إضافة مساعدة يوجين على التحكم بنفسه إلى قائمة (ما يجب علي فعله) لاحقًا.

"ماذا حدث في أثناء نومي؟"

كتف ذراعيه ونظر نحوي ببرود: "ظننت أن الزومبي خاصتك أخبرك بكل شيء". دحرجت عيني وأجبت: "اسمه زوندي! هذا أولًا، ثانيًا: وجهة نظره ووجهة نظرك مختلفتان، كما أني أتشارك أفكاري معك، لا مع زوندي".

ابتسم ابتسامةً جانبية راضية وتمتم: "هذا يشعرني ببعض الرضا". التفت نحوي بكامل جسده وتحدث ببعض الجدية أخيرًا: "حسنًا، كل شخص من فرقة المنتقمون خاصتك أخذ مهمةً ما مع شريكٍ ما، كل شيءٍ يسير على ما يرام، ولكن الأمر مسالم أكثر هذه الأيام، تعلمين، وكأن الجميع يحاول استيعاب المعركة التي حدثت".

فكر لثوانٍ قبل أن يكمل: "أوه، صحيح! النبلاء وسكان الحدود يكادون يقتلون بعضهم؛ لذلك تولت السيدة الجميلة الأمر وفصلت بينهم، وبأمرٍ من الأميرة كانت هي المسؤولة عن شؤون سكان الحدود الموجودين على أراضي النبلاء، فتم وضعهم في أرضٍ سكنية منفصلة عن النبلاء لتجنب حربٍ أهلية ربما". أوقفته وسألت: "تقصد السيدة كليسثينيس؟". رفع كتفيه وقال بلا مبالاة: "نعم، تلك التي يصعب نطق اسمها، تحتاجين إلى شهادة ماجستير لتتمكني من نطقه".

ما...؟ إنه ليس بهذه الصعوبة! إنه كليسثينيس!

"على أي حال، جميع الفرسان قاموا بعملٍ جيد، ولكن الاثنين المتضادين كالماء والنار كان عملهما مثيرًا للاهتمام أكثر، تعرفين ناطحة السحاب الموجودة في مقاطعة هايبر، إنها طويلةٌ حقًا، ولكن ما يوجد داخلها كان مخيفًا نوعًا ما، أظن أن عليكِ تفحص هذا الأمر بنفسك لأنني تخليت عن محاولة فهم ما يقوله الأهوج وذو الأجنحة لشدة تعقيده…" صمت لثانيةٍ وهو يفكر قبل أن يتمتم: "أو لأنني أكسل من أن أحاول فهمه فقط".

أجل، هذا يبدو كيوجين تمامًا.

"أتعلمين من زارني هذه الفترة؟ ذلك الشبح العجوز، ماذا كان اسمه مجددًا؟" توقف ونظر بعيدًا في محاولةٍ فاشلة للتذكر. "تقصد إليف؟" أومأ على الفور صائحًا: "نعم، هذا هو! لقد جاء إلى هنا يوم الأمس وتحدث قليلًا، ثم تباهى مجددًا بكونه يملك جسدًا يمكنه العودة إليه، ثم اختفى".

مسحت على رأس آركون الذي وضعه فوق قدمي مستلقيًا على الأرضية وانشغلت في محاولة تجميع كل ما يحدث معًا. "ماذا قال لك؟" سألت ليرفع يوجين كتفه مجددًا بعدم اهتمامٍ ويجيب: "لا أعلم! ظل يثرثر عن طريقة الحكماء الغامضين؛ لذلك وفرت على نفسي عناء الإنصات إليه".

رائع! التوبازيوس منحتني أبله كرفيق، يا رجل! أنا هالكة.

"على أي حالٍ أنا لم أبتعد كثيرًا، تعلمين، إن فقدت طريقي هنا سيكون من الصعب العودة، هذه المملكة تحوي الكثير من المتاهات المرعبة؛ لذلك ما زال عليكِ معرفة التفاصيل من أصحابها"

أومأت موافقة "بالفعل، ما زال هناك الكثير". ربت على كتفي وضغط عليه وقال بتحذير: "لكن ليس اليوم، هناك احتفالٌ سخيف ستقيمه الأميرة بسبب الأمور الشكلية الحمقاء؛ لذلك عليكِ الراحة والذهاب، أعني… خذي الأمور برويةٍ أكثر وتجولي قليلًا هنا وهناك، هذا سيفيدك حقًا".

التفكير في الأمر وحده مريح. "هذا ما سأفعله حتى أتجنب تهديدات واندر..." صمت لثانيةٍ أفكر في إخباره وكنت مترددة في هذا. "قولي ما تريدين، جلنار. أنا الكائن الوحيد الذي تقدرين على تبادل الأفكار معه بحرية" قال واثقًا وقد كان محقًا، ما عدا تلك الأفكار الخاصة بأتريوس، مشاركتها مع يوجين فكرةٌ سيئة.

"حسنًا... أتعلم؟ دعنا نؤجل هذا لوقت لاحق" التفكير في أمر ذلك الحلم متعب، من الصعب عدم التفكير فيه، ولكني سأحاول لهذا اليوم على الأقل.

رفع يوجين كتفيه كموافقةٍ ونهض من مكانه ساحبًا ذراعي معه "دعينا نذهب إلى السوق قليلًا، سيساعدك هذا في رفع معنوياتك".

كان يوجين محقًا! الذهاب إلى السوق أفضل ما فعلته لليوم، أخذت آركون ذا الحجم الطبيعي معي، وبالطبع كان من المستحيل أخذ كارولوس، إلا إذا أردت أن أتسبب في فزعٍ بين الناس.

المكان كان مكتظًا أكثر من المعتاد وكان الجميع يبدو... سعيدًا! لأول مرة أرى ضوءً من الفرح في وجوه سكان الحدود، ليس هذا فحسب، كانت الزينة معلقةً في أرجاء المملكة احتفالًا بالنصر الكبير كما يقولون، وكان الجميع يتحدث عن شجاعة الأميرة التي اتخذت موقفًا وأمرت الجميع بالتوجه للأراضي المحتلة من قبل الإريبوس.

ليس هذا فحسب، أحاديث كثيرةٌ منتشرة بين الناس عن فارسٍ يمتطي تنين شفق، البعض يدعم نظريته بأدلة والبعض يكذب، والبعض -فقط- يستمتع بالحكايات دون التعقيب عليها.

أما أنا!

لم أعد مهتمةً بأن يعلم الناس من أكون أو دوري في كل هذا، يكفي أن أرى أثر ما أفعله في حيواتهم البسيطة، شيءٌ ما في هذا يشعرني بالرضا، أنني لست مكتوفة الأيدي وأن بإمكاني تغيير شيءٍ ما هنا، على عكس دوري في حياتي الطبيعية، لم أكن أستطيع حتى رفع صوتي لتغيير حياتي الخاصة.

وجود مخلوقٍ شبيه بالذئاب يمشي بجواري جعلني مصدرًا لجذب الأنظار، لكن آركون كان هادئًا جدًا بطبعه ولم يكن لينفعل إلا في وجود شخصٍ ينوي مهاجمته، وكان من الجيد جعله يرى شيئًا مختلفًا عن حديقة المنزل والغابة التي حولها.

"انظري هنا!" التفت حيث أشار يوجين لمتجر مونيكا، الخياطة، ولكنه كان مكتظًا بالزبائن بشكلٍ مرعب! كان الجميع ينتظر دوره ويبدو يومًا حافلًا لمونيكا.

"لمَ هذا الازدحام؟" سألت يوجين، ربما يملك معلومةً لا أعلم عنها شيئًا، لكن سمعت سؤالي امرأةٌ كانت تقف بجواري تحاول لملمة مشترياتها في أكياسٍ كبيرة، اعتدلت في وقفتها ونظرت نحو الجمع مبتسمةً ويدها على خصرها بتعب "يا فتاة! من لا يعلم عن الاحتفال الضخم الليلة؟ الجميع يحاول الحصول على زي مناسبٍ لهذه الليلة".

أوه! زوندي ذكر شيئًا عن هذا. "ظننت أن الطبقة العليا فقط من ستحتفل به" تمتمت ببعض الاستغراب لتنظر نحوي وأحد حاجبيها مرفوع، بدت غير راضيةٍ نوعًا ما وهي تقول: "لمَ؟ أليس من حقنا الفرح باستعادة أراضينا؟ نحن أيضًا نستحق احتفالًا، أوه! هذا الجيل، كل ما تحلم به الفتيات في عمرك شخصٌ من الطبقة العليا ينتشلها من مكانتها! عارٌ عليكن".

فقط لو تعلم، هذا آخر ما قد أتمناه! أتمنى تعليق رؤوسهم في الواقع، سيكون هذا أسهل بكثير.

"أوه، يا إلهي العزيز! ما هذا الشيء؟" صاحت المرأة بفزعٍ عندما وقعت عينها على آركون الذي لم يبدِ أي اهتمامٍ بخوفها. "إنه صديقي" ربت على رأسه مجيبةً بابتسامة، بدلت عينها بيني وآركون بصدمةٍ وأخذت أكياسها لتهرول بعيدًا عني وهي تتمتم متذمرةً بأن جيلنا جيلٌ كارثي متهور ومثيرٌ للمتاعب.

عرفت الآن لما يحب يوجين السوق، إنه يجد المتعة التي تضحكه دائمًا. "تمالك نفسك حتى لا تموت مجددًا" حذرته ليحاول التوقف عن الضحك، ولكنه بالكاد يمكنه قول كلمةٍ من بين قهقهته.

"تعلمين أن عليكِ الحصول على ثوبٍ من أجل الليلة؟ ثوبٌ لائق بحفلٍ ملكي" عندما قرر يوجين التوقف عن الضحك قال مشيرًا لمتجر مونيكا. "لا، لست مضطرةً لذلك!" صحت باستنكارٍ ليرفع كتفه ويقول: "حتى الساحرة المجنونة تم إجبارها على شراء واحد، اسأليها إن أردتِ التأكد".

نظرت نحوه بشك، أي رداءٍ سيكون مناسب، صحيح؟

لمست السوار وأجريت اتصالًا سريعًا مع ثونار، انتظرت دقائق قبل أن يصلني صوتها صائحًا: "من المضحك الذي يستعمل سوار الأميرة النائمة؟ مقلبك ليس ظريفًا يا هذا!". ابتسمت لصوتها العالي واستطعت التخمين أين هي بسبب صوت الموسيقى الموجود في الخلفية.

"لا أحد يمكنه استعمال سواري سواي، ثونار"

لم أسمع صوتها لثوانٍ وفجأة انفجرت صارخة: "جلنار!". ضحكت وأومأت متناسيةً عدم قدرتها على رؤيتي في هذه اللحظة. "إلهي! لقد استيقظتِ؟" وما زالت تصرخ بانفعال. "حرفيًا عليكم التوقف عن تكرار هذه الجملة كل مرةٍ أتحدث مع أحدكم فيها" قلت مصطنعة الملل.

"تبا يا فتاة! ظننتكِ ستنامين لأسبوع، من الجيد أنكِ بهذه القوة، وإلا اضطررت للتعامل مع حفنة الأغبياء التي  في المنزل وحدي، هل أنتِ في المنزل؟" سؤالها دفعني للنظر حولي بسرعة. "بالنسبة لهذا أردت سؤالك عن شيءٍ ما، هل حقًا على اقتناء ثوبٍ من أجل الليلة؟"

صاحت ثونار وكأنها تذكرت الأمر وقالت: "هل أخبروكِ؟ من الجيد أنكِ استيقظتِ اليوم وإلا فوتِ احتفالات الإلترانيوس! بالطبع عليكِ اقتناء ثوبٍ مبتذل لأجل الحفلة الملكية المبتذلة، تعلمين، أنتِ فارسةٌ وبلا بلا بلا، فقط أي ثوبٍ ذي تفاصيل جيدةٍ يجدي، هل تريدين مني المجيء للمنزل؟ يمكننا حل أمر الثوب سويًا".

نظرت نحو مونيكا التي تصرخ على الزبائن لينتظموا وتبدو في أوج حيويتها "لا، أنا في السوق حاليًا وأعلم الشخص المناسب لهذه المهمة، سأعتمد عليه في هذا".

"السوق! رائع أنتهي من أمر الثوب وتعالي إلى حانة جاندارا، تتذكرينها، صحيح؟ حانة سانت مارينل، سأنتظركِ هناك".

"أتذكر أين هي، سأكون هناك، إلى اللقاء"

أغلقت المكالمة والتفت نحو يوجين الذي وجه نظرة (كنت محقًا في النهاية) نحوي. "لا تتبجح، هيا بنا" تمتمت متذمرةً ولا نية لي في مجاراة سلوكه الطفولي. "كان عليكِ الاستماع ليوجين منذ البداية" قال بنبرةٍ متفاخرة وسبقني نحو المتجر حتى لا يسمع ردي، طفل.

لم أكن مضطرةً للوقوف في الصف، لم تكن نيتي اختراقه ولكن الجميع ابتعد ما أن تحرك آركون في المكان. "أوه، عزيزتي جلنــ... يا إلهي! ما هذا الشيطان؟" لم تكد تنهي مونيكا حديثها حتى صرخت ما أن رأت آركون واختبأت خلف أحد تماثيل العرض.

"إنه أليف، مونيكا! لن يقترب منكِ، لا تقلقِي" قلت ضاحكة واتجهت نحوها أحتضن جسدها بخفة. "كيف تتجولين وهذا الشيء معكِ؟" سألت وهي تنظر نحوه بحذر. "اسمه آركون!" نظرت نحوي بعدم تصديقٍ وصاحت: "وأعطيته اسمًا؟ انظري كيف يتبختر في متجري وكأنه يملكه!" صاحت مشيرةً له قبل أن تأخذ خطوةً بعيدة عنه.

لم أستطع حقًا منع ابتسامتي ونظرت لآركون قائلة: "لمَ لا تجلس هناك حتى أنتهي؟" مسحت على رأسه وأشرت لأحد الأركان بجوار الباب ليتحرك إلى هناك ويجلس بهدوء، كيف يمكن لأحدٍ أن يخاف من آركون بحق الله؟

"تبا يا فتاة! لقد استمع لكِ حقًا!"

رفعت كتفي وقلت: "أخبرتكِ، إنه أليف". التفت نحوها وأردفت: "دعيكِ منه الآن، أريد منكِ خدمة". أمسكت بإحدى بكرات الأقمشة وألقتها نحوي، ثم أنبت قائلة: "تختفين لمدةٍ طويلة وتظهرين الآن وتتصرفين بطبيعية؟ حتى أن واندر كانت تأتي بدونك، ثم أنك تبدين في حالةٍ مزرية وكأن إعصارًا مر من خلالك! أين كنتِ يا فتاة؟".

زممت شفتي لثوانٍ وانتبهت ليوجين الذي يقف خلفها ويحاول ربط إحدى الأقمشة بشكلٍ أحمق، حاولت إبعاد عيني عنه والإجابة عليها "كان هناك عمل علي إنجازه". حاولت الالتفات من حولها وسحب الأحمق قبل أن تنتبه له.

"عمل! أي عملٍ هذا الذي تملكينه؟"

أشرت ليوجين حتى يتوقف ما إن التفتت مونيكا لـ... هل أخرج لسانه لي للتو؟ إلهي، امنحني الصبر.

"يصعب شرح هذه النقطة نوعًا ما، عملٌ معقد" أجبت وتظاهرت بالعبث بأحد التماثيل ما أن التفتت نحوي مجددًا، نظرت لي بأعين ضيقةٍ تحاول رؤية ما أخفيه ربما، لكني ابتسمت بكل براءة.

 "مونيكا، حقًا أحتاجك هذا اليوم"

رفعت حاجبًا وقالت "فيمَ؟". رفعت كتفي وأشرت نحو الملابس من حولي وقلت: "ماذا تظنين؟". اتسعت عيناها وكذلك ابتسامتها وصاحت بسعادة: "أوه، يا لغبائي! اعذريني، بالتأكيد تريدين ثوبًا من أجل الاحتفال، بالرغم من أنني قلقةٌ عليكِ وهذا يزعجني، ولكن لا بأس، سأصنع لكِ أفضل ثوب، كما أنى أملك قياساتكِ مسبقًا".

ابتسمت بينما كانت هي تتفقد لوحةً إكترونية تحوي أسماء وقياسات جميع زبائنها، كانت متحمسةً جدًا وهي تخبرني عن الكثير من الألوان والتصاميم المناسبة لي.

التفت عندما سمعت صوتًا لآركون واتسعت ابتسامتي عندما رأيت فتاةً صغيرة تحاول التربيت عليه، ولكنها تركض مختبئةً كلما تحرك، في النهاية اكتشفت أنه لن يقوم بعضها ونظرت نحوي وهي تتلمس فراءه بينما بقية أصدقائها يشاهدون فقط من بعيد.

فتاةٌ استثنائية.

في الواقع، فكرةٌ ما خطرت لي للتو، شيءٌ استثنائي!

الجميع سيكون موجود في هذه الحفلة، ليس فقط قادة النبلاء، بل كل شخصٍ ذي شأنٍ في هذه المملكة بالتأكيد، وإن كان علي إيصال فكرةٍ عن من يكون الشخص الذي يقودهم فعلي إيصالها بالشكل الصحيح.

النبلاء يصورون للجميع أنهم المتحكمون، ولكن... إن رأى البقية أن النبلاء في موقفٍ حرج في هذه الفترة وهذا بسبب الفرسان! ربما سيعدلون موقفهم ودعمهم ليكون معنا نحن.

ربما المظهر قد يبدو شيئًا لا يذكر، ولكن على العكس، أنا أعلم جيدًا كيف يؤثر المظهر بانطباع الشخص، وأنا سأعطيهم ذلك الانطباع...

انطباعًا يقول إني لم آتِ من أجل الاحتفال كفتاةٍ بسيطة! لا، أنا مقاتلة، وهذا ما سأكونه في كل مكانٍ وزمان، خاصةً بينهم.

"مونيكا، هناك فكرةٌ ما تدور في خلدي، ولا أظن أن هناك خياطةٌ بإمكانها تنفيذ ما أفكر فيه سواك" التفتت نحوي وعينها لمعت بكل حماسٍ وبدا أن مديحي زاد من ثقتها وغرورها بشكلٍ ضخم.

"أعلم أنه تصميمٌ مجنون آخر، ولكن... أنا مونيكا، عزيزتي، يمكنني خياطة أي شيء"

.... 

دفعت باب الحانة لتندفع الموسيقى المختلطة بأصوات الأحاديث العالية إلى الخارج، عيني جالت بين الازدحام تبحث عن الشعر الأصهب. "ها هي هناك" أشار يوجين نحو البار حيث جلست ثونار وحولها مجموعةٌ من الرجال يـ... يلعبون مصارعة الأيدي!

ثونار حقًا تملك طرقها الخاصة للراحة.

اتجهت نحوها وتبعني كلٌ من يوجين وآركون قبل أن أقف خلفها أراقبها تهزم الرجل الجالس أمامها وتضرب بيدها على الطاولة الخشبية بحماسٍ تسأل عن المتنازل التالي.

"ها أنتِ ذا" قلت وأنا أضع يدي على كتفها مما دفعها للالتفات نحوي بسرعةٍ قبل أن تصرخ وهي تلقي بثقلها علي: "جلنار! حمد لله ظننت أنكِ في وضعٍ خطر يا فتاة، من الجيد حقًا عودتكِ".

ربت على ظهرها حتى تبتعد قليلًا وتتوقف عن خنقي والتفت لأجلس بجوارها. "تبدين حيويةً جدًا" قلت مشيرةً بعيني للرجل الذي هزمته للتو في مصارعة الأيدي. "أوه، بكل تأكيد! هذه الأيام لا تكرر، الجميع سعيد، الجميع يحتفل، الجميع يأخذ بعض الراحة والمشروب المجاني، أليس كذلك يا رجال، إنه يوم الاحتفال!".

صرخت في النهاية بصوت أعلى من صوت الجميع وهي ترفع كأس مشروبها عاليًا لتتفاعل معها الغالبية ويصرخون بحماس.

الجميع بالفعل يتمتع بنشاطٍ عالٍ.

"جلنار! أليس كذلك؟" التفت نحو مسؤولة الحانة جاندارا وابتسمت لها وأومأت بخفة: "لقد افتقدناكِ هنا يا فتاة، الجميع سعيد اليوم، سأحضر مشروبكِ المفضل دون أي كحوليات، لا تقلقِي لـ... ما اللعنة؟" صرخت في نهاية الجملة مثيرةً انتباه ثونار لتلتفت خلفها.

آركون تثاءب وبدل عينيه بين جاندارا وثونار التي تفاجأت من وجوده وأخذت حذرها. "لن يقتلك، ثونار!" قلت مستاءةً من رد فعلها لتقول: "قولي هذا لمئات الساحرات اللواتي متن بين فكيه، ما زالت هذه المخلوقات ترعبني في كوابيسي، جلنار! وأنتِ تعاملينه كحيوانٍ أليف!".

رفعت كتفي دلالة على عدم أهمية الأمر. "ما هذا الشيء؟" نظرت نحوه جاندارا بحذرٍ قبل أن توجه نظرها لي وتقول: "أخرجي حيوانكِ الأليف للخارج يا فتاة، لا أريد جثثًا ودماء تلطخ أرجاء حانتي". ربت على رأسه وقلت متذمرة: "إنه أليف، لا يعض حتى!".

كتفت جاندارا ذراعيها وقالت بنبرةٍ حازمة: "حتى وإن كان يجلب الأموال من فمه، لا أهتم، إنه يخيف زبائني، دعيه ينتظر في الخارج". دحرجت عيني ومسحت على رأسه "أعتذر يا صاح، عليك انتظاري خارجًا، اتفقنا؟". زمجر بخفةٍ دون أن يعارض الأمر وسار للخارج وقد بدا منزعجًا من ضوضاء المكان.

"سأرافقه للخارج، لا نية لي في البقاء ضمن حديث الفتيات هذا" قال يوجين وحلق نحو آركون ليخرج كلاهما من المكان.

وضعت جاندارا كأس العصير المفضل لي واستندت على البار أمام كلتينا ووجهت حديثها لي قائلة: "لا بد من أنكِ فخورةٌ بصداقة هذه المجنونة، إنها تعتبر أحد الأبطال الآن، الجميع لا يتحدث سوى عن المعركة التي كانت ثونار جزءً ضخمًا منها".

ابتسمت ونظرت نحو ثونار قائلة: "لقد كانت حقًا جزءً ضخمًا، سمعت أنكِ تعاملتِ مع ملكة الساحرات!". صاحت جاندارا بحماسٍ قائلة: "أجل! أيمكنكِ تخيل هذا؟ هذه المرأة الكارثية حقًا شخصٌ مهم وهي تأتي للشرب في حانتي يا رجل، هذا يجلب لي الكثير من المال".

واو، مثالٌ نموذجي للمرأة العاملة.

"عليكِ أن تكوني فخورةً بمعرفة امرأةٍ كهذه" قالت مشيرة برأسها نحو ثونار، وقبل أن تذهب لزبونٍ آخر صاحت قائلة: "تعلمي من البطلة شيئًا أو اثنين".

التفت نحو ثونار وحينها فقط لاحظت أنها تكتم أنفاسها حتى ذهاب جاندارا وانفجرت ضحكًا، تنهدت وارتشفت من مشروبي منتظرة انتهائها.

"هذا حقًا عالمٌ مجنون" قالت وهي تمسح دموعها وعادت للضحك مجددًا. "ما المضحك لهذا الحد؟" تمتمت بتذمرٍ عندما طالت نوبة ضحكها؛ مما دفعها لمحاولة تمالك نفسها.

"سأخبركِ، انظري… جاندارا لم تكن تنفك عن الحديث عن الشخص الغامض الذي روض تنين الشفق، كما أنها مستعدةٌ لقتل من يقول إن الأمر إشاعة، إنها ترى من ذلك الشخص البطل الغامض لفئة الحدود المغلوب على أمرها، ولكن..." ضحكت مجددًا وأشارت نحوي قائلة: "إنها تتحدث مع بطلها الخفي طيلة الوقت ولا يمكنها حتى التخمين أنه أنتِ".

انفجرت في الضحك مجددًا وفي الواقع... بمجرد التفكير في الأمر ستجده فكاهي. "أعني… يا إلهي، تخيلي كيف سيكون وجهها عندما تعرف أنه أنتِ؟ ليس هذا وحسب، عندما تعرف أنكِ بشرية! هذا سيكون حدث العام"

لم أتمالك نفسي وانفجرت ضحكًا مع ثونار هذه المرة، إنها محقة، الأمر بالفعل مضحكٌ نوعًا ما.

"توقفِي عن الضحك، ثونار! هناك أشياء أهم للحديث عنها" أوقفت نفسها أخيرًا ونظرت نحوي بجدية. "كيف كان الأمر مع ملكة الساحرات؟ لم تسبب المشاكل؟" أسندت ثونار ظهرها للخلف بمللٍ وقالت: "لا، لم تفعل، وإن فعلت لكنت أنهيت أمرها ببساطة". رفعت حاجبًا وقلت محذرة: "ثونار". زفرت متمللةً وقالت: "لا تقلقِي، لم يحدث شيءٌ حقًا، فقط كانت مصرةً على مقابلتكِ شخصيًا قبل الذهاب، لكنها فهمت أن الأمر صعب التحقيق لأنكِ خارج الخدمة تلك الفترة".

هذا غريب! لمَ قد تريد مقابلتي بعد انتهاء الأمر؟

"أجل، تساءلت عن الأمر الذي يدور في خلدك الآن، جلنار، ولكنها كانت متكتمةً جدًا، تلك المتبجحة... انتهى الأمر باتفاقنا على مقابلتها عندما تستعيدين وعيك وتخلصت منها"

وها هو شيءٌ آخر أضيفه لقائمتي الجميلة. "رائع، لكنني حقًا توقعت أن قتالًا ما كان لينشب بينكما" دحرجت ثونار عينيها وقالت: "كان الأمر من دواع سروري، ولكن الأحمق كان يتملقها بلسانه المعسول، وتلك الغبية كانت سعيدةً جدًا بمدحه وتجاهلت كل محاولاتي لإشعال قتالٍ بيننا".

ارتفع حاجباي بدهشة لغضبها غير المبرر "من تقصدين؟". نظرت نحوي بزاوية عينها وأجابت بغضب: "المدلل جوزفين". أوه! تذكرت، زوندي أخبرني أنهما قد ذهبا معًا وجوزفين كان موجودًا تحسبًا لأي أمرٍ أهوج تقوم به ثونار.

يبدو أنه نجح، ولكنه كسب رغبة ثونار في قتله.

"لمَ أنتِ غاضبة؟ تعلمين أنه زير نساء، إنه شيءٌ يسري في دمائه" قلت في محاولةٍ لتهدئة أعصابها، ولكني أجفلت عندما وضعت كوبها على البار بقوةٍ ونظرت نحوي قائلة: "أنتِ محقة، إنه شيءٌ يسري في دمائه بالفعل؛ لذلك ربما علينا فقط تصفيتها منه".

اتسعت عيني وأنا أسمع نبرةً حقيقية هنا، ليست مجرد تهديد، هذا سيء.

"توقفي عن الحديث عن قتل الآخرين دائمًا، من ستقتلين هذه المرة؟" التفتت كلتانا نحو صاحب الصوت… علي الاعتراف بأن هذا الرجل يملك أسوأ حظٍ في العالم.

جوزفين بدل نظره بيننا لثوانٍ قبل أن يستوعب أنني أحدق به ليصرخ بسعادةٍ مبالغٌ بها: "جلنار! لقد استيقظتِ، هذا رائع! كنت أعلم أنكِ ستستعيدين وعيك بسرعة، أنتِ حقًا قوية وإ..." توقف في منتصف حديثه عندما أجفله صوت تحطم الكأس التي كانت بين يدي ثونار.

كانت تقتله ألف مرة بنظراتها، حسنًا، هذا يكفي ستقتل الرجل إن ظل هنا دقيقةً أخرى.

نهضت من مكاني وسحبت جوزفين الذي تجمد في مكانه "أظن أنني أملك عملًا سريعًا لك، جوزفين. استمتعي بوقتكِ، ثونار!".

دفعت جوزفين خارج الحانة على الفور، وما أن أصبحنا في الخارج نظر نحوي قائلًا: "لقد كانت تنظر نحوي وكأنني الشيطان بنفسه؟ ما خطبها؟". دفعت كتفه بخفة وقلت: "ما خطبك أنت؟ لقد كانت تتحدث عن استنزاف دمك بالكامل! ماذا فعلت، جوزفين؟".

اتسعت عيناه وصاح: "أنا الشخص الذي كانت تتحدث عن قتله؟" فتى مسكين، أومأت له كإجابة. "إنها غاضبةٌ بسبب ملكة الساحرات، تبًا! ظننتها تناست الأمر، أعني… ما ذنبي أنا إن كانت تكره المرأة؟ كان علي مغازلتها فقط لتهدأ وتبتعد إلى مملكتها دون ضجة"

أجل، المغازلة تبدو كحلٍ مناسب في حالة جوزفين، الحل الوحيد الذي قد يفكر فيه. "إنها غاضبةٌ لأنك مدحت عدوتها إذًا!" أومأ وأزاح شعره للخلف ببعض الضيق "لن يمر الأمر دون أن أتعرض للإصابات".

تنهد المسكين وقال: "على كل حالٍ لا أريد إشغالكِ بمشاكل هذه المجنونة، لديكِ أشياء أهم للاهتمام بها، كثوب الليلة مثلًا. بالمناسبة؛ أنا متوفرٌ كمرافق في أي وقتٍ تريدين" غمز في نهاية الجملة مما دفعني للضحك. "لا أحتاج مرافقًا، يمكنني تولي أمري بنفسي، ربما عليك دعوة ثونار، لربما يخف غضبها"

نظر نحو باب الحانة ببعض التردد مما دفعني للدهشة قائلة: "أنا مذهولة! جوزفين الذي بإمكانه مرافقة أي امرأة يريد خائفٌ من طلب مرافقة ساحرة؟".

زفر وأشار نحو الحانة "هل تبدو لك كامرأةٍ عادية؟ التعامل معها كالتعامل مع أرضٍ مليئة بالألغام". ربت على ظهره مواسية "إذًا عليك أن تكون ماهرًا لتتعامل مع الألغام، أو فقط عليك أن تكون محظوظًا، عد للداخل ولا تمت، سأذهب أنا؛ فلا أريد أن أكون بينكما، سيكون هذا سيئًا".

نظر نحوي بزاوية عينه وقال بلؤم: "هذا حقًا يساعدني، شكرًا جزيلًا". دفعته بخفةٍ ليذهب ولوحت قائلة: "موتًا سعيدًا، جوزفين!".

انتظرته حتى تأكدت من عودته للداخل، هل علي القلق عليهما؟ لا، سيكون كل شيءٍ بخير، أتمنى.

التفت في نية الذهاب، لكني صرخت فزعةُ عندما وجدت يوجين يقف أمامي مباشرة، انفجر الأحمق ضحكًا وقال: "لقد كنت أقف خلفك طيلة الوقت فقط حتى أشاهد هذا التعبير".

"أنت سخيفٌ جدًا"

رفع كتفه وقال: "العالم له رأي آخر، وإلا لما حولني لشبح، حتى العالم لا يمكنه فراقي". قلدته بسخريةٍ وتحركت نحو آركون مربتةً على رأسه.

"أنا ذاهبةٌ إلى البرج الموجود في مقاطعة هايبر، أنت قادم؟" سألته ليصرخ متذمرًا: "قلنا لا عمل اليوم، جلنار!".

"سآخذ نظرةً صغيرة على المكان، قادم أم لا؟"

زفر بمللٍ وقال: "لا، أفضل البقاء هنا ومشاهدة أجواء الاحتفال هذه، عوضًا عن التجول في برجٍ كانت تُجرى فيه تجارب مقززة".

رفعت كتفي وتمتمت: "كما تريد".

التفت نحو آركون وسألته بلطف: "أتريد المجيء؟". زمجر بخفةٍ ودفع رأسه نحوي، فتى مطيع "سأذهب أنا وآركون إذًا".

بدل يوجين عينه بيني وآركون لثوانٍ "حتى الآن لا أعلم كيف تعرفين ما الذي تفكر فيه هذه المخلوقات، الأمر حقًا مريب". رفعت كتفي وقلت: "أنا فقط... أعرف، من الصعب شرح الأمر، لكنني أفهمهم جيدًا".

عبثت بفراء آركون مستمتعةً بنعومتها وأغمض هو عينه وأصدر خريرًا هادئًا. "أنت تفهمني أيضًا، أيها الناعس، أليس كذلك؟" قلت بينما أداعب رقبته ليدحرج يوجين عينه ويقلدني بطريقةٍ ساخرة.

"أراك الليلة، لا تذهب بعيدًا!" قلت وأنا ألتفت لأبحث عن مكانٍ بعيد عن الجميع، مكان فارغ بشكلٍ أدق، بينما حلق يوجين مستمتعًا بأجواء الاحتفال، وخاصةً الأغاني المنتشرة في كل مكان.

ما إن وجدت مكانًا لا أحد فيه صفرت بقوة، وبالرغم من بعد المسافة بيني وبين كارولوس فإنه حقًا يملك سمعًا خارقًا لأنه استجاب بعد دقيقةٍ فقط وحلق بسرعةٍ نحوي.

لم يضطر للهبوط فوق الأرضية لأنني قفزت فوق ظهره على الفور، وقفز آركون خلفي مستعدًا لقيلولةٍ صغيرة؛ مما دفع كارولوس لإصدار زمجرةٍ متذمرة من وجود آركون.

"عليك التعلم كيف تتأقلم معه، كارولوس" قلت مربتةً عليه وأردفت: "فلنذهب لذلك البرج" أشرت نحو الشيء الوحيد الذي كان يخترق السماء مضاهيًا أرض الوسطاء…

الأمر ما زال يذهلني، النظر إلى أرضٍ تطفو في السماء من الأسفل، لقد كنت أشعر بالفضول عندما جئت إلى هنا لأول مرة، أردت حقًا الذهاب للأعلى ورؤية ما يوجد على هذه الأرض الذي يُمنع أي شخصٍ من الذهاب إليها، إلا فقط أشخاصًا مختارين.

مع الوقت تناسيت الأمر وانشغلت بالكثير، لكن بالنظر لها الآن عاد فضولي من جديد، لا يسمح لي حتى بالتحليق لمستوى قريبٍ منها إلا بتصريحٍ ملكي، حقًا إن الممنوع دائمًا مرغوب، إنها حقيقةٌ لا يمكن إنكارها.

حاولت تجاهل أمر أرض الوسطاء حاليًا بالرغم من إدراكي أن علي الذهاب لها قريبًا جدًا، سأحتاج الذهاب إلى هناك بكل تأكيد.

خفف كارولوس من سرعة تحليقه واقترب من الأرض ليهبط داخل منطقة البرج، هبوطه المفاجئ أفزع الجنود الذين تمت تكلفتهم بحماية المكان ومنع اقتراب أي شخصٍ منه.

المكان بالكامل محاطٌ بأسوارٍ سحرية تعمل بشكلٍ تلقائي لمنع اقتراب أي شخصٍ غير مصرح له الدخول، ويحرس المكان مجموعةٌ من الجنود.

التفوا حول كارولوس بالرغم من أنهم وضعوا مسافةً آمنة بينهم، وكل واحدٍ منهم كان مستعدًا لاستعمال هبته إن تطرق الأمر للعنف.

قفز آركون من فوق ظهر كارولوس وتحركه بهدوءٍ كان مثيرًا للفزع أكثر، وبدا كارولوس مستمتعًا برعبهم ليزمجر بصوتٍ قوي؛ مما دفعني لصفع رأسي بيأسٍ من تصرفات كليهما.

لم يكن صوت كارولوس شيئًا لطيفًا لهم؛ مما دفع أحدهم لتحويل يده بسرعةٍ لكرةٍ من اللهب وإلقائها نحو كارولوس متسرعًا بسبب رعبه.

قفزت من فوق التنين وقبل أن تلمسه النيران وتثير غضبه ويدمر كل شيءٍ تحكمت بها وامتصصت اللهب داخل قبضتي.

"دعنا لا نتهور، لا تريد أن تكون غداءه اليوم" قلت للفتى الذي عاد خطوةً للخلف برعبٍ وصرخ: "كيف فعلتِ هذا؟ من أنت؟".

كان علي إحضار تصريحٍ أو شيءٍ كهذا، تبًا! دائمًا ما أنسى البديهيات.

"لـ… لحظة، أنا أعرفها، إنها مقاتلة" التفت لصاحب الصوت وحاولت تمييز أين رأيته من قبل، ملامحٌ لمراهقٍ في التاسعة عشر ونظرةٌ حازمة بالرغم من لطف ملامحه، رأيت هذا الفتى من قبل.

تقدم نحوي ليصرخ به أحد الجنود الأعلى منه رتبة: "ماذا تفعل، أيها المتدرب؟ الزم وحدتك وانتظر أوامري!". بدا الفتى مرتبكًا فجأة وحاول الشرح لقائده: "لقد كانت تقاتل في صفنا، أيها القائد! لقد أنقذت حياتي، إنها الفتاة التي تروض تنين الشفق، قائد".

اتسعت عينا قائده لدقيقةٍ وهو يبدل نظره بيني وكارولوس الذي بدأ يعشر بالملل؛ لذلك تحرك ناحية قائدهم وانحنى بوجهه ليواجه ملامح القائد المرتعبة. "إن كنت مكانك لما تحركت، أيها القائد، يمكنه ابتلاع رأسك بقضمه" قلت ساخرة، بالطبع لن أسمح لكارولوس بقتل الرجل، ولكن... ما المانع من بعض المتعة؟

التفت للفتى عندما بدأت تتكون صورةٌ في ذهني لمن يكون، لقد أنقذت حياته بالفعل، كان المسكين محاطًا من قبل مجموعةٍ من الأعداء وبدا متحمسًا جدًا عندما ساعدته.

"سعيدٌ بلقائك مجددًا، أيتها المقاتلة! أنا ريتشال فين هروفرل، القوة العسـ..." قاطعته مكملة: "العسكرية الملكية، جندي تحت التدريب! أجل، أتذكر من تكون، ريتشال" في الواقع أشعر بالسعادة لرؤيته حي! بالرغم من ضعفه الواضح فإن الفتى حقًا يتمتع بشجاعة.

"كما أني أتذكر أنني طلبت منك مناداتي بجلنار، فقط جلنار"

اتسعت ابتسامته وأومأ بحماسٍ مبالغ فيه: "إذَا يمكنك منادتي بفين".

"أيتها السيدة، أيمكنكِ إبعاده عني؟" صوتٌ صغير صدر من القائد دفعني للالتفات نحوه لأكتم ضحكتي بصعوبة. يوجين، أنت تفوت متعةً لا يمكن وصفها.

كان الرجل قد فقد لون وجهه وأغمض عينيه بقوةٍ وبالكاد يتنفس، بينما كارولوس ينفث أنفاسه في وجه الرجل ويراقبه عن كثب.

المجموعة كلها متجمدةٌ وأنا أحظى بحوارٍ مع فين هنا.

عضضت شفتي في محاولةٍ فاشلة لمنع ضحكي وصفقت لينتبه لي كارولوس "هذا يكفي يا فتى، تعال إلى هنا". ثوانٍ ظل كارولوس يحدق بالقائد بشراسةٍ قبل أن يلتفت ويتحرك نحوي.

"هذا مذهل" الفتى فين ظل يحملق بكارولوس بدهشةٍ وأخذ خطواتٍ للخلف عندما اقترب مني. "لا بأس، لن يعض أحد" همست للفتى وغمزت ليضحك وينظر لقائده الذي وقع أرضًا، يبدو أن قدمه قد خانته.

اتجهت للقائد موجهةً حديثي له" "أعلم أني لا أملك تصريحًا وهذا غباءٌ مني، لكن إن تحدثت مع أقرب شخصٍ للأميرة يمكنه إخبارك أن بإمكاني الدخول، بالمناسبة؛ أعرف الشخصين المسؤولين هنا".

ابتلع الرجل وحاول إخراج صوته، وعندما فشل تقدم مساعده وتحدث ببعض الحذر وعينه تتبدل بيني وكارولوس يخشى أن يكون في مكان قائده "كيف لي تصديق أنكِ تعرفين المسؤ..." قاطعته قائلة: "انتظر لحظة".

حركت السوار حول يدي وأجريت اتصال فيديو سريعٍ لتتحرك الكاميرا الصغيرة التي أضعها دائمًا في جيبي وترسل فيديو حي مع أغدراسيل الذي أجاب بعد دقيقةٍ من الرنين. "جلنار! أهناك مشكلة؟" سأل على الفور لأجيب: "ليس بالشيء الكبير، أردت الذهاب للبرج، ولكن... تعلم، نسيت أخذ تصريح و... يمكنك تخمين البقية".

"جلنار، ألا يمكنكِ أن تتركي العمل ليومٍ واحد؟" تذمر وكتف ذراعيه ببعض الانزعاج. "سأتفحص الأوضاع فقط وأعود، لكنهم يمنعونني من العبور".

عين أغدراسيل اتجهت لمساعد القائد الذي وضع قبضته على صدره وأحنى رأسه لجزءٍ من ثانية كتحيةٍ عسكرية. "إنها معنا، أيها النقيب دايفن، يمكنك السماح لها بالدخول" كان أغدراسيل غير راضٍ بوجودي هنا بالرغم من كل الحديث عن الراحة وعدم التفكير في الأمور السيئة، ولكن حقًا لا يمكنني منع نفسي.

"توقف عن هذا العبوس، فقط سألقي نظرةً صغيرة وأعود" حاولت مراضاته ليزفر "أنتِ حقًا أعند شخصٍ قابلته" ضحكت ولم أستطع النفي.

أنهيت المكالمة والتفت نحو البرج الذي يبعد عني مسافةً بسيطة. "هل آخذك إلى هناك؟" التفت مبتسمةً لفين الذي يبدو متحمسًا ومعنوياته عالية. "لا، يمكنني الاهتمام بالأمر بنفسي، شكرًا على كل حال. احظَ بيوم احتفالٍ جيد، فين!".

صحت في النهاية ملوحةً له وأنا أبتعد عن تلك المجموعة متجهةً للبرج ليصرخ فين في المقابل: "احظي بيومٍ رائع أنتِ أيضًا، أيتها المقاتلة".

مقاتلة! تبًا، لم أظن يومًا أن شخصَا سيناديني بهذا، يبدو غريبًا ولكنه يدفعني للابتسام.

توقفت أمام البرج العالي أحاول إدراك قمته من هنا، ولكن يبدو الأمر صعبًا، كان من المستحيل رؤية هذا الشيء عندما كان الجدار يحاصر المقاطعات من قبل.

كيف بحق الله تمكنوا من إنشاء مكانٍ كهذا في أقل من عشرة أيام؟

كلُ من كارولوس وآركون وجد متعةً له في مطاردة أحد المخلوقات الزاحفة ومحاولة تناولها عندما أدرك كلاهما أن أمر البرج ممل.

بدأ الاثنان يتفقان وهذا جيد.

تجمدت لثانيةٍ عندما لمحت الجسد الذي خرج من البرج وأخذ خطواتٍ للخلف ونظر لأعلى، حيث قمة البرج التي بالكاد يمكن رؤيتها.

بقيت مكاني دون حراك، فقط أنظر له من الخلف بينما لم ينتبه هو لوجودي حوله، لم أكن أعلم أنه من الممكن أن يكون كافيًا للمرء الوقوف والتحديق بظهر أحدهم!

في هذه اللحظة عندما كنت أنظر لأتريوس الذي بدوره كان ينظر للسماء دون أن يتحرك كنت أتساءل: ما الذي يمكن أن يدور داخل ذهنه؟ فيمَ قد يفكر؟ كل شخصٍ يملك لحظاتٍ من الهدوء تجعله يفكر في أشياء كان يتجنب التفكير فيها.

كنت أتساءل حقًا؛ أي نوعٍ من الأفكار قد تكون خاصة أتريوس؟

يبدو أنني شردت كثيرًا في هذه التساؤلات لدرجة لم أنتبه لأنه التفت إلا عندما بدأ في التحرك نحوي.

"هل أنتِ بخير؟" كان أول شيءٍ قاله ما أن وقف قبالتي، ولكني تحولت لحمقاء في ثانيةٍ ونظرت نحوه بفيهٍ مفتوح. "ها؟" لم أدرك ما قاله لأكون صريحة، وحقًا بدوت غبية.

حدق بي لثوانٍ بحاجبين معقودين قبل أن يستقر كف يده فوق مقدمة رأسي ويتمتم: "حرارتكِ ليست عالية".  طرفت لثوانٍ قبل أن أبعد يده بسرعةٍ متسببة في تشوشه. "أنا بخير" قلت وخرجت كنوعٍ من الهمس، أين يختفي صوتي بحق الله؟

"لا، لستِ بخير، جلنار. لم تكوني قادرة على التنفس ولا على فتح عينك، وجسدك كان مشتعلًا. ما الذي تفعلينه هنا؟ عليك الحصول على بعض الراحة"

ارتفع حاجبي بدهشةٍ وصحت متذمرة: "لقد كنت أرتاح ليومين، أتريوس! أليس بكافٍ؟".

"ما الذي تفعلينه هنا بحقك، جلنار؟"

نظرت للبرج وأشرت نحوه قائلة: "أردت معرفة بعض الأشياء عن هذا الشيء الضخم".

"عودي للمنزل، وانسي أمر كل شيءٍ حدث هنا لفترة"

كتفت ذراعي ونظرت نحوه بعند "توقفوا عن تكرار الشيء ذاته، لن أعود ولن تخبرني بما علي فعله، وإن كنت لا تنوي إخباري عن شيءٍ فيمكنني معرفة ما أريد بنفسي".

تركته واتجهت نحو البرج متجاهلةً انقباض فكه وإغلاق عينيه في محاولة ألا يقوم بتفجيري.

ابتسمت بثقةٍ وأنا أتجه لمدخل البرج، لكن لم تكتمل تلك الثقة لأن جسدي قد ارتفع من فوق الأرضية في ثانيةٍ ليلقي به أتريوس فوق كتفه. "نسيت أن النقاش لا يفيد مع الأطفال" تمتم بينما يتجه نحو كارولوس.

كنت أحاول استيعاب ما يحدث، وعندما أدركت أنه يحملني رأسًا على عقب وأنه ينفذ ما يريد وأنه سيفوز هنا حاولت ركله وصحت بغضب: "أتريوس، أنزلني! ما الذي تظن أنك تفعله بحق الجحيم؟ أنزلني حالًا! لن أعود للمنزل، أتريوس".

لم يكن الصراخ مفيدًا، كأنني شخص يتحدث مع جدار، أتريوس هو أتريوس، سيفعل ما يريده على أي حال. "لمَ تفعل هذا حتى؟ ما الذي سيفيدك عندما أعود للمنزل؟ فقط ستنفذ ما تريد! هذا كل ما يهم؟"

قلت متذمرةً وقد تخليت حقًا عن فكرة مقاومته.

شهقت متفاجئةً عندما رفعني من فوق كتفه ووضعني فوق الأرض مجددًا دون مقدمات، اقترب ممسكًا بمعصمي، وبينما ينظر نحوي بجديةٍ تامة قال: "هل هذا كل ما تظنينه، جلنار؟ نعم، أنا أفعل هذا فقط لتنفيذ ما أريد، هل أنتِ مرتاحة؟ والآن عودي للمنزل وتوقفي عن قتل نفسك".

"ماذا تريد مني أن أظن إذًا؟ أخبرني! ما الذي قد يهمك إن أصبحت بصحةٍ جيدة أم لا؟ أليس ما يهمك أن ينتهي هذا الأمر كله؟". لم أشعر أن صوتي كان مرتفعًا إلا في نهاية جملتي عندما شعرت بحنجرتي تؤلمني، ولكنه صاح في المقابل بشكلٍ لا يمت بصلةٍ لأتريوس ذي الشخصية الباردة:

"ليس هذا ما يهمني! توقفي عن إهمال نفسك، لقد كنتِ في الفراش ليومين، جلنار! كان من الممكن أن تفقدي حياتكِ فجأةً بسبب الإجهاد المبالغ، أو كسروك العديدة، أو حتى فقدانك للكثير من الدماء. يومان، جلنار! كنت تأنين بألمٍ في خلال نومك، يومان كاملان وجروحك لم تتوقف عن النزيف، يومان كل ما تمكنت من فعله فيهما هو محاولة نسيان أنينك في كل مرةٍ تحاول فيها الطبيبة معالجتك، يومان لا أريد تكرارهما"

"ولماذا تهتم؟ ما الذي يدفعك للغضب لهذا الحد؟ إنها حربٌ لعينة، أتريوس! وأنا لست ملاكًا محروسًا، بالطبع كنت لأصاب كما أُصيب الجميع، ماذا كنت تتوقع؟ لمَ يغضبك الأمر لهذا الحد؟"

"لأنني لا أريد الشعور بالعجز مجددًا بينما أفقد شخصًا آخر أهتم لأمره!"

كان كلانا يصرخ! كلانا كان يحاول التقاط أنفاسه، في هذه اللحظة توقف عقلي عن التفكير!

ذلك الشعور المشوش عندما يصمت رأسك لثانية، وتلك الأصوات التي تتحدث دائمًا داخله وتخبرك بما عليك قوله، تصمت، لا شيء، أنت فقط واقفٌ كتمثالٍ لا يحمل أفكارًا...

كنت أنا هذا التمثال لثوانٍ.

كل شيءٍ آخر كان صامتًا وكأنه يراقب عن كثب الجو المكفهر بيننا، حتى آركون وكارولوس، كلاهما استشعر التوتر القائم هنا وهدأت أصواتهما وراقبانا من بعيدٍ في صمت.

أردت قطع هذا الصمت، ولكني لم أملك الشجاعة الكافية لقول ما أريد، ولأول مرةٍ منذ وقت طويلٍ أشعر مجددًا بما كانت جلنار التي تعيش في مانشستر تشعر به.

ذلك الشعور بأن مئات الجمل تجول وتضرب رأسها بعد الصمت المفاجئ، مئات الجمل تقاتل لتخرج، ولكنها تكتفي بحبسها والسكوت.

كان هذا هو الشعور بالجبن.

أن تشعر بأنك عاجزٌ أمام أبسط الأشياء، هذا هو تمامًا الجبن.

بدا أن أتريوس أخذ كفايته من هذا الصمت وأدرك أنه قال أكثر مما يجب؛ لذلك التفت دون كلمةٍ أخرى ليذهب مجددًا، ليهرب ككل مرة، كما كنت أفعل أنا عندما أواجه شيئًا لا أرغب في مواجهته.

أهرب إلى فقاعتي المثالية، هناك لن أضطر لمواجهة مشاكلي، ولن أضطر للوقوف في وجه الأشياء التي أخاف من مواجهتها.

كان بإمكاني ترك أتريوس يذهب.

حينها لن يضطر هو لمواجهة ما يخيفه ولن أضطر أنا للحديث وكسر حاجز الجبن، سأظل أختبئ خلفه كعادتي وكان الأمر لينتهي هنا.

في كل مرةٍ كنت أدرك أن أتريوس أقرب شبيهٍ لروحي، وكأنني أمسك بمرآةٍ تعكسني، ولكن بشكلٍ أكثر قوة وخشونة وصلابة.

في هذه اللحظة تمامًا عرفت أن المكان هنا يحتوي على اثنين من الجبناء، سيفضلان الهرب على المواجهة.

لكنني كنت اكتفيت!

في كل مرةٍ كنت أسمح لأحدهم بإلقاء قنبلةٍ ما في وجهي والذهاب، ولكني اكتفيت حقًا من هذا؛ لذلك اتجهت نحوه وأمسكت معصمه لأمنعه من الذهاب، بدا وكأنه تصلب لثانيةٍ قبل أن يتنفس بقوةٍ في محاولةٍ لتمالك أعصابه ويلتفت لينظر نحوي.

"أنت محق! في وقتٍ كهذا يمكنني الموت في أي ثانية، كان من الممكن أن يتوقف قلبي في اليومين الماضين، أو أن أقتل قبلهما في أثناء قتالنا، يمكنني الموت غدًا أو بعد غد، ونسبة موتي تزداد يومًا بعد الآخر، قد لا أتمكن من العودة لمنزلي أبدًا أو لا أتمكن من قول كلمةٍ أخيرة للأشخاص الذين أهتم لأمرهم، أنا لست خالدة، جميعنا فانيون؛ لذلك..."

حاولت ابتلاع الغصة الضخمة التي تمنع صوتي من الخروج طبيعيًا وقبضتي اشتدت حول معصمه لأقترب أكثر منه "لذلك لا أريد أن أموت هنا دون معرفة ما يحدث بيننا، اتهمني بالجنون كما تريد، لكني على يقين أن شيئًا يحدث بيننا وأنت تشعر به، أتريوس".

لجزءٍ من الثانية تمكنت من رؤية شيءٍ لم أره ولم أظن أنني سأتمكن يومًا من رؤيته داخل أعين أتريوس، لأول مرةٍ رأيت الفزع الذي حاول إخفاءه على الفور، وهذا جعلني على يقينٍ تام من أنه يعلم عما أتحدث.

"ما الذي يحدث بيننا، جلنار؟"

تظاهره بالغباء كان أكثر ما يثير غيظي، ظل كلانا ينظر للآخر لثوانٍ أحاول فيها تمالك نفسي من الصراخ في وجهه، أنا أبذل كل ما في وسعي لهدم ذلك الجدار اللعين بيننا، ولكنه لا يحاول حتى!

 لذلك تخليت عن كل ذرةٍ تصرخ بالتصرف العاقل داخلي، وتركت معصمه لأمسك بمقدمة قميصه وأجذب جسده نحوي بقوة.

وبالرغم من أن قلبي كان الشيء الوحيد الذي يضرب بقوةٍ مؤلمة داخل صدري وكأنه يحذرني تمامًا مما أفعل فإني في هذه النقطة تجاهلته، لا يمكنني التراجع.

لمرةٍ واحدة سأتصرف حسب ما تمليه علي رغباتي وسأنسى أي صوتٍ عاقل داخلي.

لقد اقتربت من الموت مرةً دون أن أعرف ما أريد أو أتجرأ على قول ما أريد، ربما لن أملك فرصةً لمواجهة عائلتي للمرة الأخيرة، لكني أملك الفرصة الآن، مع أتريوس.

كان متفاجئًا لدرجةٍ منعته من الرمش بعينيه حتى، أسندت رأسي لرأسه وقلت بصوتٍ مرتعشٍ بالكاد تمكنت من إخراجه: "أنا أتحدث عن هذا أتريوس، فقداني لأنفاسي في كل مرةٍ تقترب مني، فقداني لعقلي ونبضي الذي يزداد بجنون! ماذا تسمي هذا؟".

يدي كانت تقبض على مقدمة قميصه بقوة، أستمد الشجاعة حتى لا أركض هاربةً في هذه اللحظة، يدي اليمنى استقرت فوق صدره وكان بإمكاني الشعور بنبضاته، أسرع من معدلها الطبيعي بكثير، هذا دفعني للابتسام لثوانٍ.

"أنت تشعر بالشيء ذاته، أتريوس… لذلك تهرب في كل مرةٍ أقترب منك فيها، ولكني اكتفيت، لا أريد الموت قبل أن أعرف ما الذي يحدث بيننا، من المفترض أن تكون أنت الشخص الذي أكره، الشخص الذي لا أهتم إن كان على قيد الحياة أم فارقها، لكن هذا لم يحدث... مهما حاولت لا أتمكن من كراهيتك، لذلك توقف عن محاولة دفعي لكرهك؛ لأنني لن أفعل..."

حاولت التقاط أنفاسي وإلا سينتهي الأمر بي فاقدةً الوعي، نظرته التي تغيرت من الهلعة لأخرى دافئة، نظره لم يفارق وجهي، كان أتريوس مستسلمًا في هذه اللحظة وأنا كنت أتصرف بلا وعي.

وكم تمنيت لو بقيت بلا وعي للأبد لأتمكن من الاقتراب منه دائمًا!

أغمضت عيني وتركت الحديث ينساب من بين شفتي دون حواجز تمنعه؛ لأن تلك -ربما- فرصتي الوحيدة للحديث معه بهذه الشفافية...

"أعلم أنني حمقاء، لم أتمكن يومًا من الشعور بشيءٍ مماثل مع أي شخص، أتريوس. كل ما يحدث حولي هنا أشبه بيومٍ عاصف ورؤيتك في نهاية كل يومٍ أشبه بالشمس الدافئة التي تشرق بعد العاصفة؛ لذلك لا أريد الموت، لا أريد الموت قبل أن أخبرك بهذا، لا أريد الموت قبل أن أعرف كل تلك المشاعر التي تراودني للمرة الأولى في حياتي"

كنت أرتجف، وبالكاد كان يمكن لقدمي أن تحملني، أنا التي بإمكانها القتال أمام مئات المتحولين والوحوش كنت أرتجف وبالكاد أتمكن من الوقوف أمام رجلٍ واحد، لهذا الفتيات في غاية الحمق.

"هذا خاطئ" همس بها لأفتح عيني وأنظر له ليكرر مجددًا: "هذا خاطئ، جلنار. ما كان يجب لهذا أن يحدث، أنت تستحقين ما هو أفضل؛ لذلك توقفي، توقفي عن محاولة معرفة ما تشعرين به وتجاهليه ببساطةٍ لأنك لا تستحقين هذا، فقط تناسي ما تشعرين به حتى تتوقفي عن الشعور به".

غبي… لمَ أنا متورطةٌ مع هذا الغبي؟ لمَ أنتِ معجبةٌ بغبي بحقك، جلنار؟

"أتناسى؟ خاطئ! ما الخاطئ فيما يحدث؟ لن أتوقف عن الشعور بهذا، أتريوس، ولن تتمكن! لتتوقف أنت عن إيهام نفسك بما لن يحدث، لست أنت من سيحدد من أستحق ومن لا أستحق، لمَ بحق الله تحاول وضع ذلك الجدار الضخم بيننا؟".

بدا لوهلةٍ أنني خرجت عن هدوئي مجددًا، ولكني لم أسمح له بالابتعاد، لن أترك قميصه ولن أتوقف عن الحديث حتى ننهي هذا الأمر هنا واليوم.

كان يحاول منع نفسه من قول الكثير وهذا واضحٌ جدًا على وجهه، في كل مرةٍ يحاول إخراج كلمةٍ ما يمنع نفسه بصعوبة "فقط توقفي".

قال قبل أن يمسك بيدي ويبعدها عن قميصه مستعدًا للهرب مجددًا "لن أفعل، لن أتوقف أتريوس، أنت فقط جبان، ستستمر بالهرب لنهاية عمرك، أنت خائف من مشاعرك تجاه فتاةٍ مثلي، أنت تعرف هذا وأنا أعرف هذا. أنا لا أريد ما هو أفضل، أتريوس، أنا أريدك أنت، لمَ لا يحق لي البقاء بجانبك؟"

حسنًا، لنقل إنني في هذه اللحظة حقًا لم أحسب أي حساب لما قد يخرج من فمي ولم أكن أفكر بما قد يترتب على هذه اللحظة، كنت فقط أتحدث وأصرخ، ولم أفكر لثانيةٍ قبل أن أتكلم وتلك ليست جلنار... هذا الرجل وللمرة الألف يفسدني.

جملتي دفعته على التوقف عن المشي والالتفات نحوي وقد بدا مشوشًا ومصدومًا في الحقيقة، مثلي تمامًا، لكنه تقدم نحوي بخطواتٍ سريعة أثارت فزعي، وهذا دفعني لأخذ خطوةٍ للخلف بشكلٍ تلقائي.

"لأنني وحش لعين، لأنك لا تعرفين شيئًا عني وعمن أكون، وفي اللحظة التي سترين فيها أتريوس الحقيقي ستندمين على كل كلمةٍ قلتها في هذه اللحظة؛ لذلك توقفي عن قول ما لا تدركينه"

كان يتنفس بقوةٍ بينما فكه منقبض بشدةٍ لدرجة دفعتني للشك في تحطم أسنانه لقوة ضغطه عليها، لكن كل ذلك كان شيئًا لا يذكر...

لأنني تمكنت للحظةٍ من رؤية ما كان يوجين يتحدث عنه، كنت أظن يوجين يبالغ في حديثه، وأنه فقط حاقدٌ على أتريوس، لكن للحظةٍ كان بإمكاني رؤية تلك الهالة السوداء التي تحدث عنها يوجين، وكأنها شبحٌ يحوم حوله، ولكنها بدت كوهمٍ لسرعة اختفائها، لدرجةٍ جعلتني أشك في قدراتي العقلية.

حاولت تناسي الأمر والتركيز في حديثنا المشتعل هنا، يوجين الأحمق دفعني لحد الهلوسة.

لا أعلم لما، لكن فكرةً ما كانت تطرق رأسي باستمرار والتفكير فيها كان يؤلمني، ولم أتمكن في هذه اللحظة من تخبئتها؛ لذلك قلت له دون تفكير: "هل تكرهني؟".

كنت خائفةً من الإجابة في الواقع، شيءٌ ما كان يدفعني للظن أنه يكرهني ويحاول بشتى الطرق إبعادي عنه، وعندما نطقت تلك الفكرة بدت حقيقةً أكثر من كونها مجرد وهم.

بدت حقيقةً لدرجةٍ جعلت شفتي ترتجف ورغبةٌ في البكاء كانت تراودني، فقط لأنني أظن أنه يكرهني، ما خطبي بحق الجحيم؟

يبدو أن رغبتي في البكاء كانت واضحةً لدرجةٍ جعلت نظرته متفاجئةً وأثارت توتره لثوانٍ.

صمته كان يدفعني للجنون؛ لذلك أخذت نفسًا مرتعشًا وتمتمت بينما ألتفت بنية الرحيل حتى لا أحرج نفسي أكثر: "لا عليك، انسَ الأمر".

يده أمسكت بمرفقي بسرعة وسحبتني نحوه، وكنت أعرف أن النظر لوجهه وحده سيكون كفيلًا بتحويلي لطفلةٍ باكية.

كنت أمنع نفسي بصعوبةٍ من البكاء، لكني لم أستطع مسح دموعي بسرعةٍ قبل أن يراها لأنه ممسكٌ بيدي، كم مرةً سيراني وأنا أبكي، هذا محرج، ومحبطٌ في الواقع.

يده الحرة ارتفعت نحو وجنتي ومسحت دموعي اللعينة التي دائمًا لا تترك فرصةً حتى تحرجني فيها، لم يبعد يده ونظر لعيني بهدوء وتخلى عن انفعاله وهو يقول بصوتٍ هادئ:

"إن كنت أكرهك لما حاولت إبعادكِ عني، يمكنكِ نعتي بالجبان كما تريدين واتهامي بالهروب، لا يمكنني لومك على الإطلاق، لكنني أحاول بشتى الطرق حمايتكِ، أنتِ محقة، في كل مرةٍ تقتربين فيها أفقد أنفاسي، تصيبينني بالجنون، لا يمكنني تكذيبك، لكن لا يمكن لهذا أن يحدث، جلنار، أنت تملكين سببًا يدفعكِ للحفاظ على حياتك في كل قتال، السبب الذي يجعلك تتمسكين بالحياة ينتظرك في منزلك، في موطنك، لأنكِ ستعودين يومًا ما عندما ينتهي كل هذا، ولكن أنا..."

يده تحركت لعنقي ودفعني بخفةٍ للاقتراب منه أكثر وطريقة نظره لعيني جعلت من التنفس بطبيعية أمرًا صعبًا "أنا لم أكن أملك سببًا لأتمسك بالحياة، كنت أقاتل لإفراغ تلك المشاعر السيئة التي تملأني ولهذا كان بإمكاني الفوز في كل مرة، ثم جئتِ أنتِ، في اللحظة التي أمسكت يدكِ فيها عندما كدتِ تقتلين نفسك كالحمقاء من فوق ذلك المنحدر، عندما نظرت لعينكِ كان كل شيءٍ مختلف...".

توقف لثوانٍ يحاول ترتيب حديثه ولم أجرؤ على مقاطعته! لأنه كان يتحدث، للمرة الأولى كان يتحدث بصراحة، وهذا وحده كان يجعل قلبي دافئًا لدرجة الإدمان.

"لم أكن أنوي ترك يدك في البداية، جلنار، لكنني أدركت أنكِ ستكونين شيئًا مختلفًا بالنسبة لي، شخصًا آخر لن أتمكن من إبعاده، شخصًا سيقترب مني وسينتهي الأمر بشكلٍ سيء ككل مرة؛ لذلك كان علي فعل شيءٍ منذ البداية لإبعادك، كان علي دفعك لكراهيتي ولإبعادكِ، كان علي إخافتك، كنت أعلم أن أغدراسيل يحلق في تلك المنطقة فوقنا تمامًا؛ لذلك تركت يدك، أنا أثق في سرعة ذلك الأحمق وكنت على يقينٍ من أنه سيمسك بك، لكنني كنت على يقينٍ من أني نجحت في دفعك لكرهي للأبد".

لم أتمكن من تمالك ابتسامتي قائلة: "لقد فشلت في هذه المهمة". ضحك لثانيةٍ قبل أن يتوقف ويأخذ نفسًا وقد ترك ابتسامةً صغيرة على ثغره. "أعلم، فشلت وبشدةٍ لأنني أيقنت مع مرور الوقت أني متورطٌ مع أكثر الفتيات عندًا في العالم، أخبرتكِ أن عائلتك التي تنتظرك هي سببٌ يدفعك للبقاء على قيد الحياة، وإبقائك حيةً حتى عودتكِ إلى حيث تنتمين هو سببٌ يدفعني للبقاء حيًا، جلنار، للمرة الأولى أقاتل لأنني أملك سببًا يدفعني لأبقى حيًا، ليس لأنني أريد قتل تلك المشاعر الشيطانية داخلي، وإن تركتكِ تقتربين مني لن أنجح في حمايتك… سيصبح الأمر سيئًا و...".

صمت وأخذ نفسًا وكأنه ابتلع الكلمة التي كان سيقولها وبدلها بسرعة: "فقط استمعي لي، انسي تلك المشاعر، جلنار، وركزي على ما يجب عليكِ فعله، مع مرور الوقت لن أصبح شيئًا يذكر بالنسبة لكِ وسينتهي الأمر".

ابتسم في النهاية بلطفٍ لا يمت بصلةٍ لأتريوس الذي أعرفه منذ البداية.

صمتي كان يوحي باقتناعي بحديثه، وبأنني تخليت عن كل أفكاري الأخرى كما يريد، ولكن نظرته لم تكن راضية، دائمًا ما أملك ذلك الشعور الذي يخبرني أن أتريوس على قتالٍ دائم مع نفسه، عينه دائمًا ما توحي بشيءٍ مختلف عما يحاول إخباري به.

"سينتهي كل هذا قريبًا، وعندما تعودين سيكون وكأنه لم يحدث؛ لذلك تعاملي مع حديثنا هذا على أنه لم يكن، اتفقنا؟" طلب بابتسامةٍ صغيرة وظل ينظر نحوي لمدةٍ وجيزة قبل أن يقترب بشكلٍ يشكل خطرًا على جميع حواسي.

لم أكن أتوقع يومًا أن أتريوس سيكون قادرًا على طبع تلك القبلة اللطيفة على وجنتي، لكنه فعل!

ومن بعدها تركني متجمدةً في مكاني والتفت للمرة المئة بنية الرحيل…

لأنه يظن أن بإمكانه الإفلات!

استجمعت ما أملك من وعي وقدرة على الحديث وأوقفته للمرة المئة مجددًا قائلة: "لا يمكنك الهرب". التفت وبدا مشوشًا، وربما كان الأمر بسبب صوتي الذي بالكاد خرج.

"لن أسمح لك، من تظن نفسك بحق الله؟ تخبرني بكل ما تريد وتدفعني للجنون، ثم... ماذا؟ أتظاهر بأن هذا لم يحدث؟ هل تمزح معي؟"

حاولت، الرب يشهد أني حاولت الحديث بكل نبرةٍ هادئة، لكني لم أستطع تمالك نفسي ويبدو أن صوتي ارتفع أكثر مما حاولت في نهاية الجملة.

"أوه، أتعلم؟ أنا لن أتخلى عن هذا، سيد فلرومان! لا، لن أفعل! لأول مرةٍ في حياتي  تنتابني مشاعر غبية تجاه رجلٍ احمق وهو يطلب مني بكل بساطة تجاهل الأمر وتناسيه، لا! لن أتنسى الأمر، أتريوس"

التعبير على وجهه كان يشفي القليل من غيظي لأكون صريحة، تلك التعبير المشوشة المذهولة، فعل شيءٍ غير متوقع بالنسبة لأتريوس كان يسعدني.

"إن أردت ترك الأمر فافعل، لكني لن أتركه، أدركت الأمر أم لا، لكنك عالقٌ معي الآن، أتريوس! وإن كنت تظن أني سأخاف منك ولو لمرةٍ واحدة فأنت مخطئ، يمكنني حماية نفسي جيدًا ولست بحاجةٍ لحمايتك، وإن حاولت أذيتي يومًا يمكنني ركل وجهك بكل سرور؛ لذلك إن كان هذا ما يقلقك فكل شيءٍ على ما يرام"

لم أعد أهتم بمحاولة التحكم بنبرتي الغاضبة أو حتى صراخي في وجهه، فليذهب للجحيم، أنا هنا أجمع كل شجاعتي التي قد أمتلكها يومًا وأعترف بشيءٍ كان يقتلني لأيامٍ ويظن أن بإمكانه إخباري بكل ذلك الحديث الذي يدفعني للصراخ من السعادة، ثم يطلب مني نسيان الأمر، ليقبل وجنتي، ويلتفت ناويًا الرحيل وكأن شيئًا لم يحدث!

"جلنار، هل سمعتِ شيئًا مما قلت للتو؟" سأل بصدمةٍ لأكتف ذراعي وأجيب بعناد: "نعم، بالطبع! ثم توقفت عن سماعك عند الجزء الذي يتحدث عن نسيان الأمر، بدا الأمر لي كـ بلا بلا بلا!" يبدو أنني أضرب أرقامًا قياسية في ترك أتريوس متفاجئًا.

"أنا جدي في هذا الأمر، جلنار، ما تشعرين به شيءٌ سيمر مع الوقت، توقفي عن معاندتي كطفلةٍ وفكري كناضجةٍ فيما أقول" حاول الحديث بكل جديةٍ وهدوءٍ لأنه يعلم أنه كلما حاول فرض سيطرته هنا سينتهي بنا الأمر وأنا أركل مؤخرته بكل تأكيد.

"أجل، فكرت في الأمر وقررت، لن أنسى الأمر ولن أحاول الابتعاد كما تفعل أنت" قلت بكل بساطة متسببةً في قلب موازين نظرته للأمور.

أنا أحاول فقط إحصاء كم شخصٍ نجح أتريوس في إبعاده عنه، ويمكنني القول إنهم كثيرون، لكن لن يخبرني بما علي فعله، أنا وحدي من يقرر إن كان يجب علي النسيان أم لا، أو الابتعاد أم لا.

مسح وجهه بنفاد صبرٍ قبل أن ينظر لي لمدةٍ وأبادله بنظرات ثابتة. "ما الذي علي فعله معكِ بحق الله؟" تمتم وهو ينظر نحوي بيأسٍ لأبتسم ببراءةٍ قائلة: "لن تنجح مهما كانت محاولاتك".

"إن كنتِ تريدين للأمر أن يكون هكذا، حسنًا، جلنار… من اليوم ستضعين مسافة خمس خطواتٍ بيننا ولن تقتربي مني، لن تحاولي الحد... ماذا تفعلين؟" توقف وسأل مستغربًا عندما نظرت للأرض وحاولت عد المسافة التي قالها. "بيننا أربعة خطواتٍ ونصف، أتريوس، أنت تكسر قاعدتك"

صمت لثوانس وكأنه يحاول التفكير في طريقةٍ مناسبة لقتلي، لكنه في النهاية رفع حاجبًا وأخذ نصف خطوةٍ للخلف. "الآن أصبحت خمس خطوات" قال وكأنه يحدث طفلًا لأومئ بتفهم.

أخذت نفسًا قبل أن آخذ خطوة، فالثانية، فالثالثة… حتى أنهيت الخمس خطوات لأقف أمامه وجهًا لوجهٍ مبتسمةً ببراءة "إن كنت سأكسر قاعدك فسأكسرها بالطريقة الصحيحة، أهناك المزيد من القواعد التي علي كسرها، سيد أتريوس؟".

ظل كلٌ منا ينظر للآخر، هو بنظرةٍ شبه غاضبة وأنا بواحدةٍ تتظاهر بالبراءة. "لا... تقتربي… مني" قال كل كلمةٍ على حدةٍ وهو ينطقها بقوة.

"لك هذا" قلت مبتسمةً قبل أن أقف على أطراف أصابعي و... حسنًا، أعلم، ما أن يتحول الأمر لعنادٍ بيني وأتريوس أفعل أشياء لم يكن علي فعلها، لكني فعلت، قبلت وجنته لثوانٍ...

أعلم أنني سأصرخ لساعاتٍ عندما أبقى لوحدي كلما تذكرت هذا، لكنني فعلتها على كل حال، من يظن نفسه ليخبرني بما علي فعله؟

لم أستطع تخمين ما يفكر فيه! بدا متصلبًا لدرجةٍ أخافتني لثانيةٍ ودفعتني للنقر على كتفه ومناداة اسمه، لكنه لم يتفاعل معي.

"سأصاب بالجنون" همس لنفسه تقريبًا قبل أن يلتفت ويقرر الذهاب هذه المرة دون أن يتوقف. "تعلم أنني لن أبتعد، أتريوس! افعل ما في وسعك، لكنك آخر شخصٍ في الكون يمكن أن أخافه"

صحت له، ولكنه لم يلتفت وأكمل طريقه لأقف وأنظر لظهره بثقة.

ثقة تلاشت في الثانية التي اختفى فيها عن نظري لألقي بجسدي فوق الأرضية وأحدق في السماء لدقائق في محاولةٍ لاستيعاب ما يحدث…

أنا معجبةٌ بأتريوس!

تبا، أنا حقًا معجبةٌ بهذا الهمجي.


****************************************

هالوووو

اولا بعتذر اويييي على التاخير وامبارح كمان مقدرتش ادخل على حساباتي نهاائي

بس والله على قد ما بقدر بدخل انزل 

لما بنشغل بحاجه كدراسه مبعرفش اركز بنسى اي حاجه تانيه والوقت بيجري

فعشان كده امبارح نسيت تمامًا

فترة الميد بس تعدي وان شاء الله الانتظام هيكون احسن من كده فشكرا لصبركم

والفصل 14 الف كلمه يعني فعتبروا تعويض 

بكره ممكن انشغل لان بجهز للعيد -يب حتى المغتربين بيجهزولوا- 

بس هحاول ان شاء الله الفصل ينزل ولو ملحقتش هنزل على الفيس والانستا

شكرا لصبركم

باااي

تعليقات

  1. اول تعليق ❤️❤️❤️❤️

    ردحذف
  2. ااتتس ههيررر!!!!

    +الله يوفقك يارب 💜💜💜💜💜💜💜💜💜💜💜💜💜

    ردحذف
  3. ❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️

    ردحذف
  4. أزال المؤلف هذا التعليق.

    ردحذف
  5. صراخ و فراشات اااا من يستطيع التوقف عن حب اتريوس بحق الله لا يمكنه الهرب الان هو في قبضة جلنار روسيل

    ردحذف
  6. الحكيم الاكبر وجولديان حبايبي باقي الفصل قليل بحقة وصف روووعة وافضل شي الكل منتضرة اخر الفصل مود وعالم ثاني يسوي للنفس انهيارات متشوقة ل بارت كيوبيد ملك الليلة 💜💜

    ردحذف
  7. اعترف اني توقعت اتريوس يتعامل معنا زي الطاووس و ميشوفناش من ملم لبارتين زيادة او ثلاث ( لانه متنح على الهبد في راسه الي ما بعجب جلنار ولا يعجبنا ") ) ... بس الحوار بينهم كان اكثر حوار عقلاني واقعي منطقي اقراه بين اي ابطال في حياتي حرفيا , و ما اخذ وقت وهاد اكثر اشي عجبني جد

    ردحذف
  8. 😭😭😭😭😭😭💗💗💗💗

    ردحذف
  9. ياويلي البارت الاخير يجننن حبيت حوارهم اول مره اشوف حوار بين الأبطال بهيك عقلانيه وحرفيا ابدااااع😭😭🫂🫂🫂❤️‍🔥❤️‍🔥

    ردحذف
  10. ♥♥♥♥🦋🦋🦋🦋🦋

    ردحذف
  11. هو لية جلنار نسيت موضوع الايربوسي الي هربته هو والبنوتة الي معاه مش كانو المفروض يتقابلوا ف السوق ؟

    ردحذف
    الردود
    1. اللقاء باليوم الرابع.. ونحنا لسى باليوم الثالث 🫠

      حذف
  12. Tuhfaaaa ♥️♥️♥️♥️♥️♥️

    ردحذف
  13. عادي ولا يهمك خذي كل وقتك بالتنزيل3>

    ردحذف
  14. الفصل عبارة عن صرااخخ وافرشاات ياقلبي المسكين وانفاسي الي وقفت T^T

    ردحذف
  15. تشنجاااااتتتت😭😭😭😭😭😭❤️❤️❤️❤️❤️

    ردحذف
  16. ❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️

    ردحذف
  17. جلنار نست عقلها على كوكب الأرض وركبت عقل جديد عند الاترانيوس 🤝🏻

    ردحذف
  18. كنت اتمنى جلنار تحب اغدراسيل لانه شخصيتي المفضله 😭😂❤️

    ردحذف
  19. واو اعترافات جلنار استثنائية 😍😍😍

    ردحذف
  20. قرأت الفصل كأني اقرأه للمرة الاولى الفراشات اللي في بطني مو عادية🩷🩷🩷

    ردحذف
  21. حديث جولديان عن هباته انو كان يتحكم بهبتين والثالثة لما يستخدمها جسمه يضعف ولي هي النار ذكرني يوم جلنار وجدت اتريوس فالغابة تعبان وامامه المكان مدمر هذا يعني انو احتمال يكون اتريوس يتحكم بثلاثة هبات🫤

    ردحذف
  22. على الأقل رجوع المدونة لشكلها الماضي دليل انو إسراء تتذكرنا😭😭😭💜

    ردحذف
    الردود
    1. كنت مستغربه شكلها بجد وحسيت ان دا مش موقع الروايه.. ان شاءالله هتنزله دلوقتي، متحمسه اوي

      حذف
  23. والله الرواية نار نزلي البارت الجاي بسرعة حبيبتي و شكرا على هل الحماسسسسس 💖💗🌹

    ردحذف
  24. هو البارت م هينزل!! انا مستنياه من ساعتها
    ممكن تحطي معاد تبقي تنشري فيه؟

    ردحذف
  25. هي اعترفت وهو بغل مش بيحس😭😭

    ردحذف
  26. انتي المسيطرة جلنااار 🤌🏻
    يو كان دو إت سويتي 🤝🏻

    ردحذف
  27. جلنار واتريوس ان لم يحصل على نهايه سعيده سابكي 😍😭😭😭❤️❤️❤️

    ردحذف
  28. انا نسيت أنا وقفت فين وفتحت أعدي وقت في الكلية لقتني في الحتة الأخيرة دي وقريت المومنت هنا وقاعدة ماسكة نفسي بالعافية مديش ريأكشنات لحد ما عيني دمعت من كتر منا كاتمة الضحك 😭😭

    ردحذف
  29. ليش مع كل فصل يزيد ماعاد اقدر اعلق باي كلمة ، كانه كل فصل يديني صدمة جلطة حماس صراااخ اكثر من الى قبله 😭 حدد مثلللللي يفقد قدرة تعبيره؟ 😭😭😭 موو قادرة اعلق بكلمة وحدة حرفين مو عارفة من وين ابدا اصلا 😭 جملة وحدة اقولها حقيقية ( اسراء انت كاتبة مو طبيعية ابدا ولا افكارك طبيعية ) 😭😭😭😭😭 انت خطر على المشاعر البشرية كللللها قلبي مع كل فصل جديد ياخذ شحنة نشاط مو طبيعية ويوجعني من دقه السريع الى بيحمس حرفيا 😭 بس اهنيك انت اكثر كااااااااااتبة مبدعة اعرفها في حياتي كللها روايييتك حرررفيا تعتبر top1 بالنسبة لى ولا في روايية يمكن تتخطها بالنسبة لى ابدا !!!!

    ردحذف
    الردود
    1. زييكك!😭 صرت مو عارفه كيف اعبر ومن وين ابدا تعليقي حتى

      حذف
  30. صاحبه التعليق الي قبلي وربي صادقه!! مع مرور الفصول والاحداث ما عاد اقدر اعلق في البدايه كنت اكتب تعليقات اطول من عمري بس الحين؟ يادوبني اعرف ارتب كلماتي واطلعها بالتعليق 😭

    الاعععتتررراااااافففففف!!!!!!! 😭😭😭😭 صصحححتتت اعتراف يليق فيها 💗💓💞🎀💓💞❤️‍🔥🌹💋💞🎀❤️‍🔥

    بغيت ابكي معاها لما حسبت اتريوس يكرهها 💔💔 يا قلبي انتيييي
    اتريوس صح اني احبك بس ما اسامحك لو تجرح بنتي !
    بمووتتت يارب يصيرون مع بعض بسلام فقدت الصبر خلاص

    اشوا يوجين ما لحقها وماشاف الاعتراف والفوضى الي صارت ولا ما كان بيسكت😭

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الفصل الأول | أقل من العادية

الـــمقدمة