الفصل السادس والخمسون | قطعة اللغز المفقودة

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

إفصاح: "اللهم أنت ربي فاغفر ذنبي، واستر عيبي، ويسّر أمري، ووفقني لما تُحب، وارضني به يا الله. اللهم يا قاضي الحاجات، أسألك يا إلهي أن تقضي لي حوائجي، وأن تخرجني من ضيق الدنيا إلى سعة رحمتك وتوفيقك وهداك".

إفصاح آخر "إن الناس الذين يملكون أصدقاءً وبيوتاً وأراضي وأموالاً وكثيراً غير ذلك لا يستطيعون أن يحبوا كما نحب، نحن الذين لا نملك شيئاً غير أنفسنا". هيريت ستو

 مساحة لذكر الله

****************************************

الفصل السادس والخمسون



كانت قدمها تهتز بسرعة بينما تقضم أظافرها بتوتر وعصبية.

كانت تكره كثيرًا أجواء قصر ألفن الباردة، الطريقة التي يستقبلونها بها، التجاهل والنظرات التي تستقل بها من الخدم وسكان القصر، كانت تمقتها كثيرًا.

لم تكن تعلم أكانوا بالفعل يرمقونها بتلك النظرات أم أن الأمر كله صنع مخيلتها.

عندما طفح بها الكيل من الانتظار وقفت على قدميها صافعة بانتظار الإذن عرض الحائط وانطلقت حيث تقع غرفة مكتب خطيبها التي بالكاد تعرف مكانها فكل اجتماعاتهم ولقاءاتهم كانت تجري إما في حديقة القصر أو غرفة استقبال الضيوف.

كانت خطواتها سريعة وقوية لغضبها وشعورها المزري بالإهمال ولكن ما إن وقفت أمام الباب الكبير الأسود شعرت بغضبها أقل وتوترها أقوى.

ابتلعت وحاولت تمالك نفسها ففي النهاية لازالت نبيلة ذات مكانة خاصة. أخذت نفسًا قويًا قبل أن تطرق الباب مرتين، وعندما أجابها الصمت طرقت مرتها الثالثة، بالرغم من أنها كانت على يقين أنها لن تحصل على إجابة.

عزمت أمرها وفتحت الباب بهدوء، موجة من الهواء البارد ضربت جسدها مما دفعه للارتجاف لثانية، لم تعرف يومًا كيف يمكن لبنجامين تحمل درجات الحرارة هذه؟

ألقت نظرة سريعة داخل المكتب وما إن تأكد من خلوه أفرجت عن نفسها دون أن تدرك أنها حبسته طيلة هذا الوقت!

دعت نفسها للداخل قبل أن تغلق الباب خلفها، يدها تمسكت بقوة بفستانها البنفسجي وعينها الرمادية جالت على المكتب شبه المظلم والعادي جدًا.

عقدت حاجبيها وهي تتذكر كل مرة كان يتحجج عن لقائها قائلًا أن العمل يشغل كامل وقته ولكن ها هو مكتبه فارغ من أية أوراق ويبدو وكأن الغرفة لم تُستعمل منذ مدة.

"عملٌ قلت لي؟" تمتمت ساخرة قبل أن تتنهد متجهة لطاولة مكتبه وهي تتوقع أكوام الغبار تراكمت فوقه لكن لفت انتباهها صورة عائلية عُلقت على الجدار المجاور للمكتب. وقفت أمامها تحدق بها بهدوء، كانت صورة باردة جامدة تصرخ بالشيء الوحيد الذي يريده سيد العائلة وهو السلطة.

كان ألفن يتوسط الصورة جالسًا على مقعده المذّهب بنظرات باردة خالية من أية مشاعر. لطالما خشيت فيوليت النظر لهذه العينين، لا تعرف كيف لشخص أن يحمل أعين جامدة وفارغة كأعين ألفن ولسوء حظها كان خطيبها يحمل عينين مشابهة تمامًا لوالده.

على يمينه وقفت سيدة فارعة الطول هادئة التعبير وقفتها ونظراتها كانت تعطي اتزانًا و نبل فظيعين، كانت إلكسانا ألفن هي الواجهة الأساسية للسيدات النبيلات، كانت هي المقياس الذي تُقاس عليه كل امرأة إن كانت سيدة نبيلة أم لا.

كل قرار، وكل احتفال، وكل رداء تكون إلكسانا ألفن مصدره، تأخذه جميع سيدات هذا المجتمع قدوة ورمزًا لنبل، من وجهة نظر فيوليت كانت امرأة تستحق الاحترام، ولكن يجب الحذر في كل كلمة وفعل تقوم به أمامها، حتى وإن لم تفتح السيدة شفتيها يومًا بكلمة قاسية لفيوليت، فلطالما شعرت أنها تحت أعين مراقبة تحكم على كل نفس تتنفسه، ولسبب ما كانت تشعر بالفعل أنها في وجهة نظر السيدة لم تكن المرأة المثالية لإبنها.

خلف كرسي سيد العائلة كان يقف بقامته الطويلة ومنكبيه العريضين الأبن الأكبر لهذه العائلة والوريث فلوريان ألفن، لم يكن المفضل لفيوليت ولم يكن الأسوأ أيضًا، صراحته الدائمة جعلت من السهل التعامل معه، رغم مقتها لفظاظته لكنه كان يعرف كيف يتبع الأوامر جيدًا، ولربما كانت هذه ميزة حالية بالنسبة لوالده ولكن فيوليت كانت تعرف أن ترك أمر عائلة كاملة لرجل لا يعرف سوى تنفيذ الأوامر لا إلقائها هو شيء يؤرق ألفن كثيرًا.

عندما وقعت عينها على خطيبها يسار الكرسي مرت قشعريرة سيئة بجسدها، انعقد حاجبها تحاول فهم كيف يمكن 

لمشاعرها ان تكون بهذا التعقيد عندما تفكر في خطيبها؟

كانت عينه تنظر نحوها ببرود وجمود وقد رفع خصلات شعره للأعلى، كان وسيمًا، وسيمًا جدًا لدرجة تخطف أنفاس أي سيدة عند النظرة الأولى، تمامًا كما خطف أنفاسها عند لقائهما الأول.

لكن الآن.. لا تعرف كيف اختلفت تلك المشاعر، وتحول بنجامين معسول اللسان ساحر العينين لهذا الشاب الجاف والهادئ؟ إن كان هناك أحد في عائلة ألفن كلها يجب أن يخشاه أحدهم، فهو بنجامين.

كانت تدرك أن لا أحد فيهم تمكن من لعب لعبة المسرح جيدًا بقدره، إلهي كيف خدعها وخدع الجميع! ومازال يخدعهم حتى هذا اليوم، ربما ليست غبية كفاية لتصدق تمثيلة الفتى المدلل التي يلعبها بعض إمضاء هذه المدة بقربه، ولكنها أيضًا لم تكن يومًا ذكية كفاية لفهم حقيقته بالضبط، خلف تلك العينين الباردة ماذا يريد بنجامين بالضبط؟ وأي أفكار يملك؟

كانت تعرف في قرارة نفسها أن ألفن بحد ذاته يحذر من ابنه الأصغر بنجامين، ولكنها لا تعرف لماذا، وكيف، ولم تحاول أن تتدخل يومًا، فكل ما تعرفه أن دورها في هذه اللعبة أن تصبح زوجة لبنجامين، وتعمل على تقوية العلاقات بين العائلتين.. ألفن ودول.

عقدت حاجبيها وهي تقف على أطراف أصابعها تنظر جيدًا للوحة، كانت مرسومة منذ وقت طويل لذلك بدا كل من الأخوين في فترة المراهقة، ولكن لا تعرف أهذا خطأ أم كان مقصودًا؟ 

تلك البقعة الغريبة والغير واضحة على يمين بنجامين بينه وبين فلوريان!

ضيقت عينها تحاول ملاحظة لما بقعة الألوان تلك تبدو مختلفة، ربما من قام بإصلاح اللوحة قام بعمل جيد جدًا، ولكن مع مرور الوقت كانت الألوان تخفت جودتها مما جعل من الممكن ملاحظتها.

توقفت أنفاسها لوهلة للفكرة التي قفزت لرأسها، هناك شخص ثالث بين الأخوين، هناك أثر يكاد يكون ملحوظ ليد فوق كتف بنجامين وكأن من عبث باللوحة غفل عن إخفائها، وقد كانت تملك فكرة عمن يكون!

ولكن ذكر الأمر محظور، الحديث عنه محظور، محاولة السؤال عنه محظور، وحتى التفكير فيه محظور، لذا لما بحق الإله يحتفظ بنجامين بلوحة كهذه في غرفة مكتبه

"ما الذي علي فعله بك؟".

قفز جسدها فزعًا وهربت صرخة مرتاعة من بين شفتيها، وقد ضعت يدها فوق صدرها تحاول تهدئه نبضات قلبها قبل أن تقابل نظراتها عيني بنجامين الهادئة.

وقف بثبات مرتديًا قميصه الأبيض بإهمال وبنطال أسود غير آبه بقوانين العائلة الخاصة بالإلتزام بالحُلة العسكرية، كان يحمل مجموعة من الأوراق في يده بينما شعره سقط فوق عينه بإهمال، ويبدو وكأن الإرهاق ترك علاماته تحت عينه وهذا ما دفع فيوليت للاستغراب، فقد ظنته يتهرب منها، ولكنه يبدو بالفعل غارقًا في العمل!

"لا أظن أنني سمحت لك بالدخول لمكتبي، فيوليت!" ذكرت نفسها أنها خطيبته، إن بدأت ترتبك وتتوتر منذ أول جملة يقولها فلا داعِ لهذه الزيجة من الأساس.

"وأنا خطيبتك بنجامين، لا أظن أن علي انتظار الاذن" تنهيدة هربت من بين شفتيه قبل أن يحك حاجبه وقد ظهر بعض الضيق على وجهه وقال "لما أردت مقابلتي؟" بدا وكأنه حقًا لا يملك الطاقة الكافية لتعامل معها خاصة الآن.

"أريد أن أعرف لما بحق الله لم تجب أيًا من مكالماتي أو رسائلي؟ حتى وإن كان العمل يشغلك، فأنا أيضًا أملك حقًا في وقتك" ضمت ذراعيها فوق صدرها بانزعاج وفي المقابل انقبض فكه يحاول الهدوء قبل أن يتحول الموقف لشجار هو في غنى عنه.

"اعتذر، سأحاول تخصيص بعض الوقت لك، نحن جيدون الآن؟" شعرت بغضبها يرتفع، لا مبالاته ومعاملته لها وكأنها طفلة صغيرة كانت تغيظها، فبسبب هذه التصرفات لم يعاملها أحدهم بجدية يومًا، وكانت موضوع لسخرية بين حفلاتهم السخيفة.

"بحق الإله أتعلم كم مرة سمعت هذا الاعتذار وهذه الوعود الكاذبة؟ لقد طفح بي الكيل، أتعلم كم المدة التي ظللت كالحمقاء انتظرك في الخارج بينما خدمك يرمقنني بشفقة؟ إن كنت تريد لهذه الزيجة أن تكتمل، فاعرف جيدًا كيف تتعامل معي".

كانت تتنفس بصعوبة ولوهلة أرادت صفع نفسها، أسوأ طريقة لتعامل مع شخص كبنجامين هي الصراخ في وجهه ولكنها في كل مرة لم تكن تقوى على تمالك نفسها.

ابتسامة جانبية ارتسمت على وجهه وهو يتجه لمكتبه بلا مبالاة يضع أوراقه فوق سطح الطاولة قبل أن يتجه نحوها بأعين حادة قائلًا بصوت هادئ "لا تنسِ من أنتِ جاماليا فيوليت دول، من عليه الحفاظ على هذه الزيجة البائسة هي أنتِ لا أنا أيتها الطفلة الحمقاء، لا تتصرفِ وكأنني أغرقتكِ بالوعود، فمنذ البداية قلت لك الهدف من هذه الزيجة هو هدف سياسي فقط لا غير، لا تطمحِ ولا تنتظرِ أكثر من ذلك، لذا…" 

اقترب منها حتى أصبحت انشات تفصل بينهم، وشعرت برؤيتها مشوشة فعل الدموع التي شكلت غشاوة فوق عينها "توقفي عن إزعاجي كلما شعرت بالملل، فأنا لست مسؤولًا عن ملء فراغك العاطفي و استحقاقكِ المنعدم في وقت كهذا".

حدق بعينها الرمادية ودموعها التي أخذت تجري فوق وجنتيها بلا تحكم منها "أنا أكرهك! أمقتك وأمقت عائلتك وأمقت تلك الأهداف السياسية التي جمعتنا يومًا، بنجامين لن تعرف معنى الحب ولن تعرف يومًا" دفعت صدره بعيدًا واتجهت نحو باب مكتبه ولكنها توقفت بينما يحدق هو بظهرها.

"لا أعرف لما لكنني سأخبرك هذا بكل يقين، تلك البشرية التي تشغل رأسك كثيرًا، إنها ابنة التوبازيوس وما أنت سوى فتى فاسد مدلل في نظرها لذلك.. أستمتع بتجاهلها لك ولكل محاولاتك الفاشلة لتقرب منها" وبهذا خرجت صافعة الباب خلفها.

حدق في الباب بصمت قبل أن يزفر، في نظره لم تكن فيوليت سوى فتاة مسكينة حمقاء، كانت تتصرف مع كل شيء بعاطفة طفلة صغيرة، الحب والغضب والهستيريا والبكاء!

كانت متشبثة بقصص الأمراء والنبلاء والحب السخيفة في وجهة نظر بنجامين، داخل عقلها تظن أن المشاعر الوحيدة التي قد تجمع رجل وامرأة لن تكون سوى عاطفة الحب، ولكن الواقع مختلف، فعلاقتهما سياسية بحتة كما يرى منذ البداية حتى النهاية، ولكنها لم تتوقف يومًا عن محاولة تحويلها لأخرى عاطفية.

حتى تفسيرها الوحيد لاهتمامه بتلك البشرية كان تفسيرًا عاطفي أحمق، لا ينكر اهتمامه بها منذ اللحظة الأولى ولكنه يعرف أن اهتمامه كان اهتمامًا بشيء بعيدًا عن مناله، شيء غريب ومتمرد، كان يدرك أنه منجذب لذلك التمرد أكثر بكثير من انجذابه لها كامرأة!

لكن يال فيوليت المسكينة، لا يستطيع لومها فتلك طبيعتها، ولكنه لا يمكنه في ذات الوقت ارضائها وتجفيف دموعها فتلك طبيعته.

نظر للأوراق المبعثرة فوق مكتبه قبل أن يمسك بجهاز تحكم عن بعد ويضغط أحد الأزرار مما دفع صوت ثقيل لاحتكاك الجدار الغربي للمكتب بالأرضية لملئ المكتب.

انزاح الجدار كاشفًا خلفه شبكة واسعة من الصور والأسماء وشاشات صغيرة تظهر كل مرة ظهرت فيها جلنار أمام الكاميرات وكل بث لذلك الغريب المدعو إي.

حدق بصورة جلنار التي تتحدث فوق المنصة مخاطبة الممالك كلها بشجاعة لم يظن أن هذا الجسد الضئيل قد يمتلكها.

كونك ولدت في المستنقع ليس تبريرًا لبقائك فيه، توقف عن الكذب على نفسك

انقبض فكه بقوة وجملتها منذ تلك الليلة تتكرر داخل رأسه كلعنة تأبى التوقف "ما الذي تعرفينه أنتِ بحق خالق الجحيم" تمتم بانزعاج كبير قبل أن تتجه عينه لصوره المعلقة على جدار الغرفة، خاصة تلك اليد التي تركها قصدًا دون أن يطمسها.

شعر بذاك الشعور الحارق يرتفع مجددًا داخله والرغبة بإحالة المملكة كلها لرماد كانت تعود مجددًا.

أخذ قنينة وكأس وسكب بعض المشروب لنفسه قبل أن يتجرعه كله مرة واحدة متجاهلًا المرارة التي أحرقت حلقه واتجه للمكتب ملتقطًا أحد الأوراق قبل أن يثبتها على الجدار وينظر نحوها بأعين ضيقة.

حدق بتلك العينين الخضراء الجامدة والشعر الأسود المنظم بينما طابقت بذته الرجالية لون عينه بدرجة أغمق "والآن، ماذا علي أن أفعل بك سيد إيراكوس؟ أم علي القول ماكيل إيان صاميومين؟"

….

انسل نفس مرتعش من بين شفتي جلنار قبل أن تفرك كفي يدها بتوتر، الأجواء من حولها كانت هادئة ولكن على الرغم من ذلك لم تستطع التغاضي عن الثقل الذي أحاط الأجواء، لا تعرف ماذا أصابها ولكن بدت كالتائه وسط الضباب.

كان تنظر بهدوء نحو كل من جوزفين وأوكتيفيان يتبادلان الأحاديث مع سيد العائلة بكل جدية، ولكن الكلمات تصلها عبر غمامة غير واضحة..

"الهجوم الأخير… طاقة مختلفة… ظلام… فرسان… الشكر للأمير". 

كلها كلمات تسللت عبر حوارهم، ولكن عقلها كان منشغلًا بالكامل، كانت تحاول إيصال النقاط ببعضها لتضح الصورة، ولكنها كل مرة كانت تفشل في فهم الأمر بالكامل.

"هذا الرجل يحاول بشدة منع نفسه من النظر نحوك كل خمس دقائق" اتجهت عينها ليوجين باستغراب ليشير برأسه نحو سيد العائلة، ولكنه عاد ناظرًا لجلنار باستغراب قائلًا: "استجمعي نفسك! تبدين شاردة بشكل غريب".

زفرت نفسًا مدركة أن عليها التحكم قليلًا في أفكارها.

عينها تلقائيًا ارتفعت نحو المرأة المدعوة فينسيا، تجلس باستقامة بتعبير هادئ وجامد، عينها تتبدل بين كل من والدها وجوزفين اللذين يتبدالان أطراف الحديث.

ارتفع حاجب جلنار ما إن لاحظت عينها التي تحركت بسرعة نحو المقعد الأخير أكثر من مرة، كان من الواضح اختلاسها النظرات بطريقة غير ملاحظة، ولم تكن جلنار حمقاء فهي تعرف حتى دون الالتفات من يستحوذ المقعد الأخير.

انقبض فكها ببعض الانزعاج بينما تنظر لحذائها الثقيل تتساءل إن كان ثقيلًا كفاية حتى يسبب الضرر الكافي إن قررت استخدامه كسلاح فجأة.

التفتت حيث أتريوس وحاولت قدر الإمكان جعل نظرتها تبدو عفوية، وغير مقصودة، ولكنها أرادت بشدة التأكد مما يدور حولها حتى لا تبدو كالحمقاء.

شعرت بنوع من الراحة عندما وجدت أن تركيزه بالكامل منصب على واندر والتي بدت لجلنار متوترة بشكل غريب، ولسبب ما، تشعر جلنار أنها ستبدأ بربط الأمور كلها معًا بشكل خاطئ إن لم يفسر أحدهم ما الرابط العجيب الذي يحدث هنا!

أجفل جسدها عندما نكزتها ثونار هامسة: "ما رأيك أيتها القائدة؟". ارتفع حاجبيها تزامنًا مع ارتفاع أعينها بسرعة للموجودين حولها وقد أطبق الصمت أفواههم واتجهت أعينهم جميعًا نحوها في فضول واستغراب.

نظفت حلقها قبل أن تعتدل في جلستها وتضع ابتسامة حمقاء كادت تدفع أوكتيفيان لصفع مقدمة رأسه، عينها التائهة اتجهت نحو رافاييل أركتسوري 

ما إن قال: "لابد أنك مرهقة سيدة روسيل، اعتذاراتي لاستعداؤكم على وجه السرعة. كنت أتساءل إن كان بإمكانكم البقاء في ضيفاتنا لعدة أيام حتى نتأكد من سلامة أراضي العائلة من أية هجوم مفاجئ، فلا نريد للمصيبة التي حلت بأرض العائلة المالكة أن تحل بأرضنا".

أخذت جلنار نفسًا وحاولت إزاحة ما يشغل عقلها حاليًا جنبًا، وأخذت تفكر بجميع الاحتمالات لذلك وجدت نفسها تضع ابتسامة مجاملة وتقول: "لا بأس، واجبنا حماية الجميع سيد ارسكتوري، من الجيد أنكم أرسلتم في استدعائنا". 

ابتسم اركتسوراي ابتسامة صغيرة ولكن عينه الحادة ظلت ترمق جلنار بتركيز. منذ اللحظة الأولى التي رأى فيها الفرسان كان يتحكم جيدًا في فضوله ورغبته العارمة في التحديق بجلنار، لم يعرف أيهما أكثر جنونًا… وجود بشرية في أقصره أم وجوب تقبل الأمر والتعامل معها بطبيعية.

"قرار بقائنا من عدمه يعتمد على شدة خطورة الأمر، لذا من سأفضل أن نبدأ مباشرة بالتحري عن الأمر بمساعدتكم، وإن اضطررنا للبقاء فنحن ممتنون لكرم ضيافتكم، فلا تقلق لن نترك المكان حتى نتأكد من سلامته".

على الرغم من عدم اتباعها الكامل لآداب التعامل والحديث، بل بدت بحد ذاتها غير مهتمة إلى أن الحزم في صوتها ونبرتها الهادئة ورزانتها كانت واضحة جلية.

وجد نفسه مرغمًا -حتى وإن لم يرد- على احترام كلمتها، كانت تملك موهبة غريبة في فرض سيطرتها على من تحادثه واحترم ذلك كثيرًا.

وفي المقابل تنهد أوكتيفيان بارتياح لاختصار جلنار وهدوئها الغريب -من وجهة نظره- بالرغم من انقباض حاجبيها الواضح.

"يسعدنا كثيرًا استقبالكم، وعلى الرغم من رغبتك الواضحة في التعجّل إلى أننا نصر على أخذكم لبعض الراحة وتناول وجبة الغداء على مائدتنا، فعلى كل حال حقل الطاقة الذي تحدث عنه والدي في رسالته يظهر ويختفي في المساحة الخلفية للقصر عند حديقة المطر وفي الوقت الحالي لم يتم رصد أي ظهور له".

التفت الجميع للمرأة التي تحدث بكل هدوء وثبات بينما تحدق بجلنار بأعين زمردية لامعة وحازمة وبدت لوهلة وكأنها سيدة هذه العائلة لا والدها.

فكرة البقاء هنا كثيرًا لم تكن مريحة لجلنار ولم تكن تعلم أكان الجدول الضيق الذي عليهم اتباعه مع الأكاديمية هو السبب! أم أن السبب هو مضيفتهم.. الكثير من الأمور كانت تشغلها حاليًا، وفكرة البقاء في هدوء وتناول الطعام وكأن العالم يعيش في سلام كانت مزعجة، ولكن على الرغم من ذلك، بنظرة سريعة على وجوه مرافقيها كان بإمكانها الشعور بحاجتهم فعلًا للراحة، فإن كانت الجلبة التي نقلتهم إلى هنا لها علاقة بالإريبوس فسيحتاجون للكثير من الطاقة للتعامل معها.

في ذات الوقت أراد أوكتيفيان بشدة التدخل والموافقة باحترام فقد كان يخشى أن ترفض جلنار الأمر وتندفع كعادتها لإنهاء الأمر، غير عالمة أن رفض دعوة ملكية من مملكة أخرى لن تكون في صالحها، حتى وإن كان لقبها كابنة التوبازيوس يخولها لفعل ما تراه مناسبًا إلى أن أوكتيفيان وجد أن كسب ود حلفاء في ممالك مختلفة مهم في وقت كهذا.

ارتفع حاجبيه ببعض الاندهاش عندما أومأت جلنار برأسها موافقة بينما تقول: "سنكون ممتنين كثيرًا لهذه اللفتة سيد و آنسة أركستوراي" أثار ردها استحسان الرجل الذي قهقه وقد انفرجت أسارير وجهه وقال: "إنه لشرف لي، ستقوم ابنتي إذًا بإرشادكم لغرفكم التي أُعدت سابقًا لاستقبالكم". 

أومأت ابنته بطاعة واضافات: "الغرف مجهزة بعناية في قصر الضيافة إن تكرمت باتباعي ولكن.." سكتت لوهلة وعينها اتجهت ناحية واندر التي تحركت في مقعدها بعدم ارتياح وقالت: "لم نكن على علم بمجيء ضيف سابع لذلك أتمنى ألا يزعجك انتظار الخدم لتجهيز غرفة سابعة".

ابتسمت واندر ابتسامة كان من الواضح أنها مجبرة على وضعها قبل أن تقول: "لا بأس، يمكنني البقاء في قسم الخـ.." قُطِعت جملتها في المنتصف فجأة مما أثار تفاجؤها..

"يمكنها البقاء في غرفتي.."

"لا داعٍ ستبقى معي.."

تبادل كل من أتريوس وجلنار النظرات وهذا ما سبب ارتفاع حاجب سيد العائلة "ستبقى واندر معي في ذات الغرفة حتى تجهز غرفتها" أمر أتريوس بنبرة حازمة مما سبب شعور بالغضب ليندفع داخل جلنار "واندر يمكنها البقاء معي فأنا من أمر بوجودها في المقام الأول".

ارتفع حاجب أتريوس بينما تصاعد التوتر في المكان "لقد كنت واضحًا عندما قلت أنها ستـ.." قاطعته جلنار قائلة بنبرة حازمة نهائية "وأنا أيضًا كنت واضحة في طلبي".

صفر يوجين مستمتعًا قبل أن يهمس بتشجيع "قتال..قتال..قتال".

لا تعرف لما بحق الله هي منفعلة، تعرف تمام المعرفة أن أتريوس قد يركل مؤخرتها هنا والآن، ولكنها تعرف أيضًا أنه لن يفعل، سيفضل خسارة هذا الجدال السخيف على محاولة كسر احترامها أمام الجميع، ولكنها في هذه اللحظة لم تكن مهتمة بالفعل سوى بمعارضته إثارةً لأعصابه.

انقبض فكه بغضب واضح ولكنه ابتلع غضبه بهدوء، وظلت عينه تحدق بجلنار دون أن يطرف حتى وقد أصابه التشوش لوهلة.

آخر ما يتذكره أنه كان الطرف الغاضب بينهما لقرارها بالسماح لواندر بالمجيء، كيف بحق الإله انقلبت الأدوار وأصبحت هي الغاضبة؟ مما هي غاضبة حتى؟

"لا بأس فلن يأخذ الخدم وقتًا طويلًا في تجهيز غرفة إضافية" قهقه سيد العائلة بتوتر وعينه تتبادل بين الاثنين بارتباك بينما شعر أوكتيفيان برغبة في صفع الاثنين واعتزال مكانته كمقدم.

وبين تحديق الطرفين ببعضهما بغضب وهدوء كانت عين زمردية ثالثة تتبدل بينهما قبل أن يميل رأسها قليلًا لليمين وهي تنظر نحو أتريوس الذي كتف ذراعيه غير مسترخي في مقعده وقد جمع خصلات شعره للأعلى ولكن بعضها هربت فوق وجهه المنقبض بانزعاج.

تحركت عينها لنهاية القاعة حيث واندر التي كانت مرتبكة وهي تبدل عينها بين الاثنين وقد احتفظت بصمتها، ولكن في اللحظة التالية أجفل جسدها عندما ارتفعت عين واندر نحوها.

كانت فينسيا هادئة وثابتة كعادتها ولكن تلك النظرات التي حدقت بها بكل كراهية عصفت بها عصفًا، لم تعتد يومًا سوى النظرات الحانية من واندر. كانت امرأة تحمل هدوء العالم ورحمته في عينيها، قادرة على تعويض دفئ العائلة فقط بوجودها ولكن الآن لا ترى أي ذرة من الحب داخل عينين تلك المرأة التي اعتادت أن ترمقها بكل حب.

خفضت فينسيا عينها متحاشية النظر لواندر، ووضعت كامل تركيزها على البقاء هادئة فقد استعدت جيدًا لهذا اليوم، ولاحتمالية مقابلة الاثنين مجددًا، لا يمكنها إفساد أي شيء الآن، دورها يقتصر على بقائهم مرتاحين ومساعدتهم أثناء تواجد سبعتهم داخل قصر عائلتها كإبنة لإركستوراي.

ولن تفسد الأمر بماضٍ قررت تركه خلف ظهرها.

أما المستقبل فيقع أمامها جالسًا بهدوء ونظرات واثقة وهيئة لا تليق سوى بأمير. 

لم يكن أمير هذه المملكة يومًا شخص يثير اهتمامها، ولكن لسياسية رأي آخر. تنهيدة هربت من بين شفتيها وهي تلاحظ تأكيد والدها أكثر من مرة أن إبنته العزيزة موجودة لمساعدتهم وطلباته اللانهائية من الأمير ألا يتردد في استدعائها في أي وقت إن احتاج ذلك.

كرهت كثيرًا ما يفعله والدها ولكنها احتفظت بصمتها كالعادة، فالمرة الأخيرة التي تمردت على أوامر والدها انتهت بكارثة.

نهضت من مكانها وقد دعتهم حتى يتبعها الجميع نحو قصر الضيافة في الجهة الغربية.

التقت عينها بجلنار التي وقفت مكانها ونظرت نحوها في المقابل، لا يمكنها أبدًا إنكار الرعشة الغريبة التي تصيبها لوقوفها في ذات المكان مع مخلوق من المفترض أن وجوده محض خيال وأسطورة، كان من المذهل كيف أنها تشبههم كثيرًا في كل شيء وعلى الرغم من ذلك بدت مختلفة!

ولكنها لم تستشعر أي قوة تدل على أنها في حضرة إبنة التوبازيوس! لطالما سمعت بقوة أبناء التوبازيوس وقدراتهم العظيمة، ولكن المرأة الواقفة أمامها كانت عادية وهادئة، على الرغم من قوتها البدنية الواضحة، ونظرتها الثابتة لكن من ناحية القوة.. بدت الفتاة طبيعية جدًا.

الشيء الوحيد الغريب قدرتها على مجابهة أتريوس والذي ظنت فينسيا أن لا أحد قادر على إسكات هذا الرجل سوى بقتال دموي، قائدة الفرسان أم لا، يمكنها أن تجزم أن أتريوس غير مهتم بالمرة ولكنه استسلم أمام جدالهما قبل قليل وسكت.

تبعتها جلنار بعينها تراقب خطواتها المتزنة وفستانها الأخضر يتحرك خلفها بهدوء، بينما رائحة عطرها ملأت المكان.

لم تقاوم جلنار النظر لنفسها، مرتدية قميصها منزوع الأكمام وفوقه معطفها الطويل وبنطال عادي وقد ضفرت مقدمة شعرها وجمعت الباقي في عقدة صغيرة " لا تحاولِ المقارنة عزيزتي، لا مجال" زمت شفتيها ناظرة نحو يوجين بطرف عينها ليرفع كتفه بسرعة قائلًا/ "لا أقصد إهانة، لكنها مدللة وأنتي مقاتلة وإن سألتني من أفضل.. بالتأكيد أحب المدللات الجميلات و…"

تجاهلته جلنار واتبعت الجميع الذين تحركوا خلف خطوات إبنة القصر.

كان الطريق نحو قصر الضيافة هادئ، أعين الخدم كانت تلاحقهم في كل مكان بفضول بينما أعين البقية كانت تتفقد زوايا القصر الشاسعة.

كان كل شيء مذهب وفاخر، شعرت جلنار وكأنها عادت للقرن الثامن عشر فجأة تتنقل بين قصور مدريد بجميع تلك التحف المميزة والزخارف المذهلة، والمعمارية الساحرة لقاعات القصر.

كان تصميم المكان مذهلًا لدرجة تسمح للضوء بالمرور من خلال السقف المصنوع من الزجاج لتنعكس فوق جواهر الثُريا التي تدلت من منتصف السقف تضيف للمكان أنوار زاهية محببة لنفس.

"إذًا…" قال يوجين وقد أتبع بصمت صغير وهو ينظر لجلنار ذات التعبير المتجهم "لست الوحيد الذي لاحظ ذلك التوتر الغريب في البداية بين المـ…" توقف عندما التفتت نحوه جلنار بنظرات حادة ليزم شفتيه قبل أن يتمتم "لم أكن الوحيد إذًا".

خرجوا جميعًا نحو ممر معبد بالحجارة الناعمة المصقولة وقد طوقه من الجانبين العديد الشجيرات المهذبة بعناية والتي زُينت بكل أشكال وألوان الورود فملأت الطريق رائحة عطرة تهدئ أعصاب المرء.

"خلال تواجدكم هنا بإمكانكم استخدام مرفقات القصر براحة جلالة الأمير، الخدم جميعًا تحت إمرتكم، وإن احتجتم السؤال أو رغب أحد الفرسان في الحديث معي شخصيًا فبإمكان الخدم الخاص المتواجد تحت خدمتكم في قصر الضيافة الإرسال في استدعائي فورًا" كسرت فينسيا حاجز الصمت موجهة كلاهما لجوزفين الذي جاورها في خطواته.

ابتسم جوزفين في أدب وهدوء وشكرها قائلًا: "أنا ممتن لهذه الاستضافة آنسة أركستوراي". أومأت في طاعة ووضعت ابتسامة ساحرة على وجهها مجيبة: "إنه لواجبنا اتجاه جلالة الوريث". وعلى الرغم من ابتسامة جوزفين إلى أن انقباض فكه كان غير ملحوظ.

لا تعرف لماذا ولكن شعور فينسيا بانقباض قلبها كان مزعجًا، ذاك الشعور الغريب الذي ينذرك أن حياتك في خطر ولكن حرفيًا القصر في هذا الوقت أكثر الأماكن آمانًا خصوصًا في وجود خمسة فرسان بقائدتهم لذلك رجحت أن ارتباكها وتوترها هو السبب ليس إلا وفضلت متابعة المسير بصمت.

لا تعلم أنها لم تكن الوحيدة التي شعرت بذلك، فجوزفين كان على يقين أن ظهره يتصبب عرقًا باردًا لذات الشعور، وعكسها فهو مدرك تمامًا مصدر هذا التهديد، لذلك أقسم ألا يدير رقبته خلفه لأنه كان على يقين أن النظرات قد تقتل، خاصة إن كانت نظرات زرقاء لامرأة صهباء مجنونة.

كان أكثر المجموعة حرية وحماسةً هو شبحها الذي ظل يحلق حولهم ويتفحص كل زاوية وتحفة غريبة أو تمثال ضخم، فكانت جلنار تبتلع الشتيمة على طرف لسانها كل مرة يصرخ فيها الأحمق بطفولية محلقًا نحو شيء آخر وقد أقسمت أنه إن لمس شيئًا أو حطم تحفة ما فلن تكتفي هذه المرة بصفع رأسه فقط.

قصر الضيافة لم يكن أقل بهرجة ورقيّ من القصر الرئيسي! فيبدو أن سيد العائلة لم يبخل في التباهي بثروة العائلة أمام الضيوف، بل بدى حريص على إظهار قصر الضيوف بأبهى صورة ممكنة.

فقد استقبلهم مدخل واسع ذو بوابة ضخمة من خشب لامع ذو جودة لا تقل عن جودة بوابة القصر الرئيسي، قادتهم تلك البوابة الى البهو الرئيسي والذي كان يتصف ببرودة محببة بسبب الأرضية الرخامية المتناغمة مع ألوان الجدران ذات اللون الرملي التي زُينت بأكثر اللوحات جمالًا ودقة، وفي منتصف البهو ثُريا ضخمة كرستالية تُنير المكان ليلًا.

عبروا البهو الكبير لتشير فينسيا نحو الجهة الشرقية قائلة: "هنا تقع غرفة الطعام، ما إن تأخذوا وقتكم في الراحة سنرسل الخدم لاعلامكم بالانتهاء من تجهيز مائدتنا". التفت الجميع نحو الباب الضخم في نهاية البهو حيث الخدم يتحركون دخولًا وخروجًا كخلية من النحل لتجهيز المائدة.

أكملت طريقها عبر البهو الرئيسي نحو ممر هادئ ذو إضاءة خافتة محاط بأعمدة رخامية وقد التفت حولها نباتات متسلقة ولكنها عطرة تمنح المكان رائحة أشبه برائحة حديقة القصر نفسه، وعلى كلا الجانبين كانت الطاولات الصغيرة التي تعتليها تماثيل صغيرة وزهور عطرة موزعة بدقة على طول الممر.

"أيمكنني البدء في وضع نظريات؟" سأل يوجين جلنار التي كانت تنظر نحو النوافذ الكبيرة الموزعة على طول الممر والتي تطل على الحديقه الخلفية. 

تنهدت وقد بدأت تشعر بالندم حقًا على اصطحاب يوجين معها إلى هنا، فقد وجد فرصته المثالية لإغاظتها "أعطني إيماءة واحدة كنعم واثنتين كلا" تساءلت كم إيماءة عليها إعطاءه لتعبير عن رغبتها في قتله.

بعد عبورهم الممر، وصلوا لردهة داخلية مخصصة لضيوف، وقد أُحيطت بآرائك ناعمة ذات لون زمردي جميل وبجانب كل أريكة طاولة صغيرة مُحملة بتماثيل أو تُحف سحرية مختلفة وتوسط المكان سجاد كبير أبيض اللون.

وعلى كلا الطرفين كانت تحيط الردهة سلمين صغيرين يؤديان مباشرة لجناح الضيوف حيث أبواب غرفهم الخشبية ذات المقابض النحاسية موزعة بانتظام وبجوار كل باب أسم صاحبه.

كانت جلنار بالفعل مبهورة بنظام القصر وتصميمه، فلم يبدو بسيطًا نهائيًا كما حاول جوزفين وصفه قبل وصولهم! 

تحركت فينسيا تصعد السلالم ليتبعها كل منهم، أشارت نحو غرفهم قائلة: "كل غرفة تحمل إسم صاحبها، إن كان أحدكم يملك أي شكوى، أو طلب ما، بإمكانه استعداء الخدم وسيكونون تحت إمرتكم. أما بالنسبة لجلالة الأمير .." التفتت تنظر لجوزفين ومجددًا وضعت تلك الابتسامة الهادئة وأردفت: "فلجلالتك جناح مخصص في نهاية الردهة، سيسعدنا كثيرًا أن تستخدمه".

صفر يوجين قبل أن يقول: "المتملقين موجودين في كل مكان يا رجل".

وضع جوزفين ابتسامته المهذبة وقال: "لا بأس لي بغرفة كالجميع آنسة أركستوراي، سيكون هذا أكثر راحة لي" تقلصت ابتسامتها وقالت بنبرة شابها خيبة أمل: "لكنني حرصت شخصيًا على تجهيز هذا الجناح لجلالته.."

تنهد وشعر برغبة كبيرة في هذه اللحظة في العودة لمنزلهم العادي على الالترانيوس. "حسنًا أظن أنه لا بأس" قال بهدوء وتجاهل بالكامل تعبير ثونار التي ارتفعت زوايا شفتيها باشمئزاز لم تحاول حتى إخفاءه.

"إن أراد أحدكم مساعدة في إيجاد غرفته بإمـ.." قاطعتها ثونار وقد طفح بها الكيل قائلة: "لسنا حمقى عزيزتي، بعضنا تعلم القراءة بالفعل، يمكننا قراءة أسمائنا بسهولة عند كل باب" تنهد أوكتيفيان مدلكًا رأسه فقد كان ينتظر هذا التصرف أن يبدأ في أي لحظة.

ولكن فينسيا حافظت على هدوءها المعتاد وأحنت رأسها بأدب قائلة: "أعتذر إن لم أوضح قصدي سيدة ثونار، لم أقصد الإساءة كل ما أردته هو إيضاح رغبتي في المساعدة". ارتفع حاجب ثونار وقبل أن تفتح فمها عينها التقطت تعبير كل من أوكتيفيان جوزفين المتوسل حتى تتوقف.

دحرجت عينها قبل أن تمتم بشتيمة ما دفعت حاجب فينسيا للارتفاع بصدمة، ولكنها تداركت رد فعلها فهي بالفعل سمعت الشائعات المتداولة عن سلوك ساحرة الفريق والتي بدورها تحركت متجاهلة الواقفين واتجهت حيث الغرفة التي تحمل اسمها صافعة الباب خلفها، بينما ظلت أعين جوزفين معلقة على الباب بحاجبين معقودين.

"اعتذر عن هذا" التفتت حيث أوكتيفيان الذي انحنى بهدوء لتحرك رأسها قائلة: "لا بأس سيد ألفن. بإمكانكم دخول غرفكم بارتياح" أومأ كشكر ونظر للجميع كإشارة ليدخلوا غرفهم.

وجدت فينسيا نفسها مجبرة على الالتفات ناحية جلنار التي ظلت واقفة عاقدة ذراعيها تراقب ما يحدث بهدوء غريب، انحنت وقالت: "إن واجهت ابنة التوبازيوس أية مشكلة بإمكانها استدعائي شخصيًا" ظلت جلنار تحدق بها بهدوء قبل أن تقول: "روسيل" ارتفع رأس فينسيا بسرعة ونظرت نحوها متساءلة لتفسر "ناديني روسيل فحسب".

فتحت فينسيا فمها وأغلقته أكثر من مرة بتوتر لا تعرف سببه لكنها أومأت بطاعة.

التفتت جلنار نحو غرفتها ولكنها عقدت حاجبها عندما لاحظت أتريوس متجهًا للغرفة التي تجاورها، عينها تلقائيًا اتجهت حيث لوحة الأسم النحاسية والتي كُتب عليها بوضوح لاتيم زوندي تاكر ولم تكن الوحيدة المشوشة فقد وقف زوندي يحدق ببابه وبباب أتريوس الذي يقع على الجهة المقابلة نهاية القاعة لا يعرف إن كان عليه تنبيه أتريوس أو الصمت وأخذ أي غرفة.

"سيد فلورمان" يده المتجهة نحو المقبض النحاسي تجمدت مكانها قبل أن يلتفت برأسه نصف التفاته نحوه فينسيا التي قالت: "غرفتك تقع على الجهة الأخرى تلك لسيـ.." قاطعها بلا مبالاة قائلًا: "سآخذ هذه". فتحت فمها في محاولة للحديث ولكن جلنار سبقتها "إنها غرفة زوندي، لذا زوندي سيأخذها" في الواقع لم تكن تبالي لكن أي فعل يصدر من أتريوس كان يزعجها في هذه اللحظة.

"أتملك مانع أيها الشاحب؟" التفت نحو زوندي الذي اتسعت عينها بسرعة وأجاب بتوتر: "على الإطلاق! بإمكانك أخذها" التفت مجددًا نحو جلنار بابتسامة جانبية قائلًا: "صاحب الشأن لم يعارض ألديك مشكلة؟" أغمضت عينيها تحاول تمالك أعصابها بينما بدلت فينسيا عينها بينهم تحاول فهم ما يحدث ولكن عينها وقعت على واندر التي ربتت على كتف جلنار حتى تترك الأمر يمر.

تنهدت مدركة السبب في رغبته بهذه الغرفة ما إن لاحظت واندر، ولسبب غريب وجدت نفسها تبتسم بهدوء وهي تتذكر رغبته القوية دائمًا في حمايتها والبقاء حولها.

أجفل جسدها عندما صُفع باب غرفة جلنار بقوة بعد أن دخلتها هي وواندر وقد قررت عدم بدء شجار.

حدقت بالجميع مذهولة، رغم أن تعبيرها لم تظهر أي من مشاعرها لكنها وجدت الجميع هادئ يتعامل مع ما حدث لتو بالطبيعية وكأن شجار كهذا لم يحدث للمرة الأولى.

وفي النهاية اتجه كل واحد لغرفته ووجدت نفسها ترشد جوزفين لجناحه الخاص بينما يدور في رأسها ألف سؤال وسؤال.

....

وقفت واندر عند باب الغرفة تراقب جلنار التي جلست فوق أول كرسي قابلها بينما تهز قدمها بعصبية واضحة وعينها

 ثابتة على نقطة ما فوق الأرضية "جلنـ.." حاولت واندر جذب انتباهها ولكنها قاطعت واندر مباشرة قائلة: "من بحق

 الإله يظن نفسه؟ أيجب لكل شيء أن يسير بالطريقة التي يريدها هو؟" فتحت واندر شفتيها ولكنها أغلقتها عندما لم تجد

 كلماتها المناسبة.

نهضت جلنار فوق قدميها ونظرت لواندر مردفة: "ألا يمكنني أخذ قرار ما ضد إرادته؟ لقد قررت أن مجيئك مهم ما المشكلة إذًا؟" طرفت واندر باستغراب وقالت: "ولكنه لم يفعل شيء بهذا الشأن! أليس من المفترض أن يكون هو الشخص الغاضب بينـ.." قاطعتها جلنار مجددًا بعصبية وهي تتجه نحوها "أنا لست غاضبة! لما بحق الله قد أفقد أعصابي؟ هو الشخص الذي يرى ضرورة للعناد في كل كلمة وتصرف يقوم به كطفل لعين.." صاحت في نهاية جملتها وهي تنظر لعينين واندر المتسعة قبل أن تلكم الجدار على يمينها بجانب قبضتها مسببة إجفال واندر وارتفع حاجب يوجين الذي قرر في هذه اللحظة ابتلاع جميع جمله الساخرة الذي ظل يحضّرها طيلة الوقت.

انعقد حاجب أتريوس وقد اتجهت عينه للجدار الفاصل بين غرفته وغرفة جلنار ومن صدى صوت اللكمة يمكنه بسهولة تخمين مزاجها الحالي.

تنهد ووقف ومازالت عينه معلقة بالجدار وكلا يديه أخذت مكانها فوق خصره وتمتم بحيرة "لما هي غاضبة بحق الإله؟".

كانت واندر المحدقة بعيني جلنار تتساءل ذات السؤال فلم يبدو منطقيًا لكلاهما أن الأحداث الأخيرة قد تغضب جلنار، نعم قد تثير تمسكها برأيها وعنادها ولكن جميع القرارات التي أرادتها جلنار حصلت عليها بالفعل فلما الغضب؟

ولكن بالنظر لعدستي عينها القرمزيتين أدركت واندر أن عليها الاحتفاظ بتساؤلاتها هذه المرة.

"جلنار، ألا تظنين أنك غاضبة أكثر من اللازم؟ الأمر كله يقتصر على غرفة!" كادت جلنار تجيب ولكنها حدقت بواندر وظلت تفتح وتغلق فمها لا تعلم ما الرد المناسب، لما هي غاضبة؟

ابتسمت واندر وربتت على كتفها قائلة: "يبدو انكِ منهكة، نزهة قصيرة في حديقة القصر قد تفيدك. سأبلغ الخدم بمكانك ما إن تجهز المائدة". 

زفرت جلنار مدركة أنها بالغت حقًا في ردود فعلها لذلك حاولت تدارك الأمر وأومأ برأسها متمتة "أنتِ محقة، أيمكنني تركك هنا وحدك؟" رفعت واندر حاجبًا لسؤالها وأجابت مازحة: "من تظنيني أيتها الشقية؟ كما أن سيد متيبس الرأس لن يترك ظلي، منذ أنه المعارض الأول على وجودي هنا" ابتسمت جلنار مجاملة قبل أن تقول: "انتبهي لنفسك". وبهذا خرجت من غرفتها متجهة لخارج أروقة القصر يتبعها يوجين بصمت ينتظر اللحظة المناسبة ليتحدث بها.

على الجهة الأخرى وقفت فينسيا بهدوء أمام والدها الجالس بهدوء فوق مقعد مكتبه محدقًا بأوراقه المهمة "هل اهتممتِ بكل شيء؟" أومأت برأسها مجيبة: "ضيوفنا في غرفهم يأخذون قسط من الراحة" لم يرتفع رأسه وسأل مجددًا "والأمير؟" انقبض حاجبيها ببعض الانزعاج ولكنها أجابت بذات النبرة الهادئة "ارشدته لجناحه الخاص على الرغم من اعتراضه مبدئيًا".

ارتفاع طفيف في حاجب أركستوراي صاحب جملة أبنته الأخيرة قبل أن ترتفع زاوية شفتيه بابتسامة صغيرة ساخرة متمتمًا "يال التواضع".

ترك أوراقه جانبًا ورفع عينه أخيرًا ينظر لعين فينسيا بثبات "عليكِ تذكر حديثنا دئمًا طيلة فترة وجودهم هنا، إنها فرصتك الوحيدة لمساعدة هذه العائلة فينسيا، إن تمكنتِ من إغواء الشخص الصحيح فقد تصبحين الملكة المستقبلية لهذه المملكة".

يدها قبضت على فستانها بقوة تحاول تمالك نفسها والبقاء هادئة ولكنها لم تتمكن من منع سؤالها الذي وجهته لوالدها..

"إن سمحت لي بالسؤال، والدي أنت لا تحب الأمير بالفعل، فقد كنت أحد الداعمين للوريث الراحل ’إيّدين’ لا أفهم السبب

الذي يدفعك لدعمه الآن!" ظلت عينه تحدق بإبنته بهدوء قبل أن يتنهد ناهضًا من فوق كرسيه، اتجه لطاولة التي تنتصف

مكتبه ملتقطًا الملف فوقها وقال "السياسة لا يهم فيها أراءك الشخصية ومشاعرك سواء كانت كراهية أو حب، أن كان

الأمير ألدريتش جوزفين هو مستقبل هذه المملكة كوريث شرعي بعد وفاة الوريث إيّدين فسنتسلق هذه الفرصة وإن كلفنا

 الأمر الابتسام بتهذيب في وجهه وضمان راحته الشخصية".

عقدت حاجبيها تفكر بعناية قبل أن تقول "ولكن إن تم إثبات التهمة في أي وقت فلن يتمكن الأمير من أن يـ.." اختنقت بكلماتها عندما التقت عينها بنظرة والدها الحادة والغاضبة، اقترب منها بخطوات سريعة واسعة ووقف أمام وجهها هامسًا "هذا ليس من شأننا، إياكِ الحديث أو ذكر الأمر طيلة فترة بقاء الأمير هنا" رفع يده المرتجفة بعصبية مشيرًا نحوها بسبابته مردفًا "لن أكرر نفسي مرتين، اهتمي بما عليكِ فعله واضمني مكانة هذه الأسرة ولا تفكرٍ بشيء آخر".

حدقت بأعين والدها السوداء بجمود قبل أن تومئ بصمت.

هدأت حدة نظراته المعلقة بها بصمت قبل أن يشيح وجهه متجهًا لكرسي مكتبه مشيرًا لها بيده كإذنٍ لتخرج.

التفتت متجهة نحو باب مكتبه ولكن يدها فوق المقبض توقفت عندما قال دون أن يرفع رأسه نحوها "لا تتركِ ماضيكِ يشوش أفكارك، لقد سامحتك مره ولن أكررها مرتين لامارا فينسيا أركستوراي". شعرت بقلبها يقفز من مكانه لثوانٍ لكنها لم تترك فرصة للأمر بالظهور عليها وأومأت دون الإلتفات.

"بالطبع لست مضطرًا لتنبيهك بأهمية أبنة التوبازيوس تمامًا كالأمير، لا تغفلي رغبات كلاهما ولا تفسدِ الأمر". شعرت بجميع تلك الأوامر تخنقها وكأنها ملتفة بإحكام حول عنقها وعلى الرغم من ذلك كانت توافق بكل هدوء منتظرة لحظة خروجها من هذا  المكان الخانق.

وقد نالت ما أرادت في النهاية عندما سمح لها بالانصراف أخيرًا. 

صدى خطوات حذائها فوق الأرضية الرخامية كان يتردد صداه عبر الردهة، وجهها جامد تمامًا ولكن خطواتها على الرغم من ثباتها إلى أنها كانت واسعة سريعة تريد الابتعاد عن مكتب والدها بقدر المستطاع.

….

وقف جوزفين أمام مرآة حوض المرحاض يحدق بانعكاسه في المرآة بينما تتساقط قطرات الماء الباردة من فوق جسر

 أنفه واهدابه مرتطمة برخامة الحوض كاسرًا صوتها الصمت في المكان.

كان يحاول تهدئة أنفاسه بينما يذكر نفسه مرارًا أنهم في قصر أركستوراي لا قصر الملك، وعلى الرغم من ذلك كان الضغط الجاثم على صدره لا يهدء ولا يتوقف لثوانٍ، ذلك الضغط المصاحب لمسؤولياته وشخصيته كأمير لهذه المملكة.

ابتلع مرطبًا حلقه الجاف وهمس بنبرة مرتجفة "لا بأس، سينتهي الأمر بسرعة.. تمالك نفسك لمدة أطول فحسب".

كان بإمكانه رؤيتها بوضوح مهما حاول سيد العائلة تخبئتها، تلك النظرات التي تتهمه بالخيانة، ذلك الازدراء الخفي بين كل كلماته ونبرات صوته. مهما كان الشخص أمامه ممثلًا بارعًا فسيتمكن جوزفين من تمييز تلك النظرات وذلك الشعور فلقد صاحبه وعاش معه منذ أن كان طفلًا.

أجفل جسده وارتفع رأسه بسرعة نحو باب المرحاض ما إن سمع صوت خطوات داخل جناحه. انعقد حاجبيه قبل أن تحتد نظرته ونظر بسرعة حوله باحثًا عما إن كان هناك ما يمكن استخدامه كسلاح.

لقد توقع الأمر ولكن ليس بهذه السرعة! فقد وصل لتوه.

أمسك بالزجاجة الضخمة التي تحتوي على كرات معطرة أسفل الحوض وتسلل على أطراف أصابعه نحو باب المرحاض قبل أن يفتحه ببطء ملقيًا نظرة خاطفة على المكان في الخارج ولكن عينه لم تلتقط أحدهم.

خرج بهدوء وعيناه تمسح صالة الاستقبال الصغيرة بحثًا عن عدوه وقد كتم أنفاسه لوهله.

اتسعت عينه ما إن سمع الخطوات قادمة من خلفه حيث الشرفة وقد شعر بأحدهم يقف خلف ظهره، لذلك التفت بسرعة وقد نوى تهشيم رأس أيًا يكن من يقف خلفه بالزجاجة الثقيلة بين يده.

"إلهي أيها الأحمق!".

تجمدت يده في الهواء بفعل سحر ثونار التي أنقذتها سرعة بديهتها في اللحظة الأخيرة..

حدق كلاهما في الآخر بصدمة وعينين متسعة يحاول كل واحد إدراك ما يحدث لتكسر ثونار الصمت ساخرة "ظننت أن الجناح يعمل على تهدئة أعصاب جلالة الأمير لا العكس". حررت يده من سحرها ليزفر بتعب ملقيًا بالزجاجة بعيدًا ويتمتم "ما الذي تفعلينه هنا بحق الله ثونار؟".

كتفت ذراعيها فوق صدرها وقالت: "اوه! هل سنتجاهل الحادث الصغير قبل قليل؟" أشارت برأسها نحو الزجاجة وأردفت: "لما بحق قد تظن أن أحدهم سيهاجمك هنا؟ لم تكن بربع هذا الحذر عندما كنا في الإلترانيوس يلتف العدو من حولنا!"

حدق بعينيها وقد ألجمه الصمت قبل أن يبتلع منظفًا حَلقَه ويحاول تغيير دفة الحديث قائلًا: "ألم تتمكني من الإبتعاد عني لدقائق؟" حدقت ثونار به لثوانٍ مدركة ما يحاول فعله، فهي ليست حمقاء! ولكنها جارته مدحرجة عينها وقالت: "أنت تحلم! لقد جئت لأنني لا أرى أن من العدل أن تستفيد بجناح كامل وحدك.." سكتت لوهلة قبل أن تطرف بعينها تنظر نحوه ببراءة من بين أهدابها مقلدة فينسيا وهي تقول "جلالة الأمير".

تنهد والتفت مبتعدًا عنها فقد كان مدركًا أنها لن تتركه وشأنه "ماذا يا جلالة الأمير؟ ألا تعجبك الخدمة هنا؟ أتريد مني تحضير جناح أكبر من هذا؟" لم يكن مدرك للإبتسامة التي ارتسمت على وجهه بينما أخرج من الخزانه قميص جديد ونظيف قد وضعه الخدم خصيصًا لضيوف.

"إن كان الهدف من مجيئك هو ان تلعبي دور الشوكة في الحلق، فأنت تعلمين مقدمًا أين مكان الباب، والذي بالمناسبة لا أعرف كيف فتحته" قال لترتفع زوايا شفتيها بابتسامة متفاخرة وتفرق أصابعها قائلة: "السحر ليس بالقليل".

التفتت نحوه قبل أن تتجمد ما إن لاحظت راحته في تبديل قميصه أمامها بينما يقول: "تعلمين أن ما تفعلينه جريمة؟" قام بتحريك كتفه لتلين عضلاته قبل أن يمسك بالقميص النظيف ليرتديه وعندما لم يصله سوى الصمت من ضيفته رفع عينها نحوها باستغراب..

هذه المرة لم يستطع منع ابتسامته الواسعة ملاحظًا تحديقها الذي وضعها خارج نطاق التغطية ليسخر: "يمكنني البقاء هكذا لوقت أطول أن طلبتِ فحسب". أجفلت لثوانٍ ونظرت نحوه ببلاهة وعندما أدركت ما يقول تمالكت نفسها وسخرت بسرعة "لا تتفاخر! لديك شكل عضلات كتف غريبة، أظن أنك في حاجة لعلاج".

زم شفتيه بابتسامة وهو يرتدي القميص متمتمًا "بالطبع.. السبب هو عضلاتي الغريب".

التفتت ثونار تتجول في الجناح تفكر جيدًا فما عليها قوله وإن كان عليها قوله أم لا "إذًا.." قالت متبعة بصمت قصير وهي تحدق باللوحات الغريبة في رأيها قبل أن تردف: "هل طعام كوكبكم لذيذ؟ أن علي الاكتفاء بالتظاهر بالاستمتاع بوجبتي؟".

ألقى بجسده فوق السرير براحة واضعًا إحدى يديه خلف رأسه وأجاب: "لا يمكنني ضمان جودة الطعام كثيرًا ولكن أضمن لك جودة النبيذ" التمعت عينها في ذات اللحظة التفتت نحوه بكامل رأسها صائحة "حقًا!" ليومئ مبتسمًا "النبيذ الملكي هنا لا شيء يمكنه التغلب عليه".

اتجهت حيث غرفة النوم وسحبت كرسي تضعه أمام السرير وتجلس فوقه تحدق بجوزفين الذي حدق بسقف الغرفة بدوره.

"تعلمين أن وجود امرأة داخل غرفة الأمير تعتبر إما فضيحة أو عشيقة!" كرمشت وجهها بتقزز واضح وقالت: "أفضل الأولى بكل تأكيد" ارتفع رأسه بشكل طفيف نحوها بنظرة تعلوها الدهشة قبل أن يلقي وسادة نحوها متمتمًا: "أيتها الجاحدة".

أمسكت بالوسادة تحتضنها وقالت: "ألا تملكون مصطلح كـصديقة على سبيل المثال؟" رسم ابتسامة جانبية مجيبًا: "لا يوجد شيء مماثل بين رجل وامرأة في العائلة الملكية" بدا الأمر غاية في الحُمق بالنسبة لها لكنها فضلت عدم التعليق عليه.

"إذًا، كيف تبدو العودة للوطن؟" كانت حذرة جدًا في سؤلها وابتلعت ما إن لاحظت سقوط ابتسامته تزامنًا مع سؤالها ولكنه أجاب بنبرة عادية "لا شيء مميز، الدراما كلها تحدث في القصر الرئيسي إن رغبتي في واحدة" أسندت ذقنها فوق الوسادة وتمتمت: "هناك واحدة هنا بعنوان إغواء الأمير".

"ماذا؟" التفتت لجوزفين واضعة ابتسامة صفراء مجيبة بـ "لا شيء".

ساد الصمت بينهم مجددًا مما دفعها لتفكير بجدية إن كان عليها السؤال أم فقط تجاهل الأمر، ولكن لطبيعتها الفضولية لم تتمكن من كتم الأمر أكثر من هذا..

"لما ظننتي شخصًا قدامًا ليهجم عليك؟" كان من السهل ملاحظة تجمد جسده وانقباض فكه لتتنهد قائلة: "لا عليك لست مضطرًا للـ.."

"من المعتاد أن يتم محاولة اغتيال الأمير أكثر من مرة".

انعقد حاجبيها وقالت: "لكن ألم تكن تملك حراسة عندما كنت تعيش هنا؟" تنهد يعرف أنه لن يتمكن من التملص من أسئلة ثونار، ولسبب غريب كان لا يمانع التحدث عن الأمر معها، فيبدو أنها عاشت حياة مماثلة، الفرق الوحيد كان اختلاف قرابة الأشخاص الذي أردوا قتلهم.. 

"الحراسة لن تقدم على التحرك إن كان من يحاول اغتيالك هو فرد ملكي من الدرجة الأولى منذ أن كنت طفلًا". 

شعرت ثونار بقدرتها على النطق تتبخر لثوانٍ، درجة قرابة الأول لا تعني سوى عائلة جوزفين، كانت ثونار تستوعب في هذه الدقيقة أن من كان يحاول اغتياله أكثر من مرة ليست سوى عائلته!

"لم تكن درجة اولى فقط بالطبع، للتفكير في الأمر أظن أن الكل نال دورًا للمحاولة، ولكن على ما يبدو أن غرائزي في النجاة قوية يا رجل". حدقت بجوزفين بذهول حاولت إخفاءه ولكن فشلت، نعم هي بدورها تمت محاولة اغتيالها كثيرًا ولكن جميعهم كانوا أوغاد لا يعرفون شيء عنها وغير مقربون.

ربما لم تمتلك عائلة يومًا! ولكن مما سمعته فما يحدث مع جوزفين لا يبدو تمامًا كالعائلات الطبيعية، رد فعله الغريب كان كفيلًا بإعطائها فكرة بسيطة عن المقدار الذي تسلل فيه أفراد غُرباء لغرفته لقتله منذ أن كان طفلًا دون حماية.

"أكل هذا بسبب شقيقك؟" 

لا تعرف كيف انسل السؤال من بين شفتيها دون أن تدرك وأرادت في اللحظة التالية صفع شفتيها والخروج من المكان.

ظلت عينه معلقة بالسقف بصمت دون إجابة لتعض ثونار شفتيها بندم، نهضت من مكانها وقررت تركه وشأنه ولكن ما إن التفتت وقد أعطته ظهرها في النية الذهاب قال ببساطة "لقد كان كل شيء خطأي".

التفتت نحوه بسرعة ولكنه كان قد التفت مستلقيًا على جانبه وسحب الغطاء فوق وجهه في إعراب واضح لعدم رغبته في إكمال الحديث.

ووجدت ثونار أن الإصرار عليه سيزيد الأمر غرابة وسوء لذلك تمتمت "خذ قسط من الراحة" قبل أن تخرج من المكان.

ظل يحدق في الظلام بسبب الغطاء الذي يغطيه بنظرات باهتة بينما كانت ابتسامة والدته تُعاد مرارًا وتكرارًا في ذاكرته، عينها الدافئة التي تنظر نحوه ويدها التي تمسكت بقوة بكتفه وصوتها الهادئ وهي تكرر:

"لا تعترض طريق شقيقك جوزفين، لن تكون نصف ما هو عليه، عش في ظله بصمت" قبل أن تترك قبضتها أثر قويًا فوق كتفه الصغيرة.

أغمض عينه بشدة يحاول التملص من تلك الذكرى، ولسبب ما اختفت فجأة ووجد رأسه فارغًا من الأفكار المزعجة وقد راودته رغبه لطيفة ومريحة لنوم لتثقل جفونه وحدها ويسقط في نوم عميق بلا أفكار أو أحلام مزعجة.

وقفت ثونار أمام باب جناحه بحاجبين معقودين ونظرات منزعجة، وقبل أن تأخذها خطواتها بعيدًا حركت مقدمة أصابعها بنمط معين فوق باب غرفته متمتمة بتعويذة تحفظها جيدًا.

تحول النمط الذي رسمته بأصابعها لنقش أسود غائر قبل أن يختفي كما ظهر تاركًا جدار غير مرئي حول الجناح بالكامل لحماية الأمير النائم، ذات الجدار الذي كانت تستعمله ثونار لحماية نفسها من أعدائها ومن أفكارها المزعجة لتتمكن من النوم بعمق.

تحركت بعيدًا عن جناحه بينما تتصادم الأفكار داخل رأسها بلا توقف.

"أتريوس!"

توقفت قدمها ما إن سمعت الصوت الذي نادى لثوانٍ، التفتت نحو أحد النوافذ الموزعة في الردهة والمطلة على الحديقة الخلفية ليرتفع حاجبها بدهشة وتصفر متمتة "ماذا لدينا هنا؟".

اقتربت من النافذة أكثر تحدق بفينسيا التي وقفت وفي الجهة الأخرى تمامًا كان يقف متكئًا على جذع شجرة  بينما يحدق بفأسه بهدوء.

ضيقت عينها وكأن ذلك سيساعدها على سماع الحديث الدائر بينهما ولكنها فشلت في ذلك، ولكن في المقابل عينها التقطت الجسد الذي جلس براحة فوق أحد فروع الأشجار على مسافة من الثنائي الغريب لتتسع ابتسامة ثونار هامسة بنبرة غنائية "أحدهم سيكون غـــــاضبًا كالجحيم".

….



مسحت فينسيا كفي يدها بتوتر بفستانها قبل أن تنظر من حولها تتأكد أن الخدم غير موجودين من حولهم، كانت تشعر

بنبضات قلبها تتسابق بجنون داخل صدرها ويدها ترتجف بشكل جنوني ولكنها حافظت على ثباتها.

كلمات والدها تعاد مرارًا وتكرارًا داخل رأسها، ولكنها لم تتمكن من منع نفسها، لا تعرف ما عليها قوله ولما بحق الإله شعرت أن عليها إيقافه والتحدث معه، ولكنها كانت تدرك في كل ثانية تقف فيها أمامه أنها كانت حقًا مشتاقة لكل تفصيلة تخصه.

"أتريوس أنا كـ.." قُطِعت دون أن تأخذ فرصتها "تجاهلي وجودي آنسة أركتسوراي، حتى نهاية هذه المهمة من الأفضل لكلانا تجاهل الآخر، فنحن غرباء تمامًا". ابتلعت غصتها التي تشكلت بسرعة بصعوبة، ولكنها كانت معتادة على هذا البرود وهذه النبرة.

لم يكن أتريوس بالرجل الرقيق يومًا.

اقتربت منه أكثر ليفصل بينهما خطوات قليلة وتقول: "ولكننا لسنا غرباء". تنهد وثبت فأسه داخل حزامه الخاص قبل أن يرفع عينه نحوها لتشعر بروحها ترتجف "لا شيء يربط بيننا، لذلك من الأفضل التصرف على هذا النحو".

رسمت ابتسامه صغيرة وقالت: "لازلت ذات الشخص الذي بإمكانه كتم جميع مشاعره بإتقان" حدق بعينها دون أن يطرف جفنه وقال بكل هدوء: "أنا لا أقوم بكتم شيء، أنا لا أملك مشاعر معينة لكتمها" فتحت شفيتها وعادت إغلاقهما أكثر من مرة قبل أن تهرب عينها تنظر لأي مكان سوى عينه قبل أن تتمتم "كاذب".

أخذ نفسًا وأخرجه محاولًا إنهاء هذه المحادثة "أهناك شيء آخر تفضلين إضافته آنسة أركستوراي؟" عقدة تشكلت بين حاجبيها وقد بدأت تشعر بتلك الغصة تسيطر على صوتها وتضيق مجرى تنفسها أكثر فأكثر.

عندما قابله صمتها ابتعد عن الشجرة وتحرك في النية الذهاب ولكنها اندفعت ممسكة بمعصمه بلا إدراك صائحة "انتظر".

انقبض فكه وعينه اتجهت لمعصمه بانزعاج واضح ظنته هي كراهية بينما كل ما فكر هو فيه إن جلنار ستحرق هذا المعصم بعد أن تقطع كف اليد هذه إن كانت حولهم الآن.

سحب معصمه بهدوء من بين يدها ونظر نحوها واضعًا ابتسامة صغيرة وقال: "لا أحمل ضدك أي ضغينة فينسيا، إن كان هذا ما يثقل كاهلك، لقد انتهى كل شيء كما كنت أتخيل تمامًا لذلك لا داع لشعور بالذنب".

ظلت تحدق بعينه بذهول وكلماته تتردد داخل رأسها مسببة اشتعال صدرها "أظن أن من الأفضل أن أذهب" ختم حديثه بهدوء قبل أن يلتفت متجهًا للأشجار التي تلف القصر تاركًا إياها تقف وحدها تحدق بحذائها اللامع وقد قبضت يدها بقوة تركت آثار لأظافرها في راحة يدها.

ارتفع رأسها حيث ذهب تفكر في الذهاب خلفه ولكن في اللحظة التي تحركت قدمها تجمدت ما إن وصلها صوت واندر الحازم وهي تأمرها بالتوقف.

التفتت تنظر للمرأة التي حدقت بها بثبات وازدراء واضح لم تحاول حتى اخفاءه وقالت: "لقد صنعتِ من الضرر ما يكفي، اتركيه وشأنه". حاولت السيطرة على تعبير وجهها مجددًا وقالت بهدوء: "لا أنوي أذيته واندر أنا فـ.." قاطعتها واندر بصرامة "سيدة مابيلين".

حدقت بها فينسيا بصمت تحاول إدراك كيف بإمكان امرأة كواندر أن تتحول لأخرى بهذه الصرامة والكراهية!

ابتلعت قبل أن تردف "سيدة مابيلين، لا أنوي أي شر، كل ما أريده هو فقط الحديث لمرة أخيرة". لم تبدو واندر كمن تبالي حقًا برغبات فينسيا لذلك أجابت قائلة: "لقد فقدت حق أي حديث وأي خاتمة، لقد ختمتِ الأمر بنفسك وكان ما فعلته أكثر من كافٍ، لذلك احترامًا للمرأة التي أدخلتها منزلي يومًا ووثقت بها، أنا أطلب منك بكل احترام أن تغربي عن وجه أتريوس حتى تنتهي مهمته هنا، إن كنتِ تحملين في صدرك نحوه أي ذرة عاطفة جيدة أو حتى ندم ما".

وبهذا تحركت واندر متخطية جسدها لتتبع أتريوس بدورها.

وقفت فينسيا مكانها لثوانٍ لا تعرف أي من حديث الإثنين عليها استيعابه، مقدار الكراهية والشدة في حديث واندر التي كانت أكثر النساء هدوء وحبًا أم كلمات أتريوس.

"انتهى كل شيء كما كنت تتخيل؟" همست لنفسها تكرر ذات الجملة، وفي كل مرة تتذكرها تشعر بصدرها يضيق أكثر حول قلبها، لذلك قبل أن تفقد السيطرة على اعصابها انطلقت مسرعة نحو القصر حيث غرفتها، وما إن أغلقت الباب حتى انتزعت عقد المجوهرات حول رقبتها بعنف لتلقي به بعيدًا وصدرها أخذ يعلو ويهبط بقوة بينما تتلاحق أنفاسها بعنف ويدها ترتجف بشدة حول عنقها وكمحاولة أخيرة أخذت تحاول تذكير نفسها كيف تتنفس بهدوء.

"حسنًا هذا كان مسلسل درامي مكسيكي مميزًا حقًا".

ظلت جلنار تحدق حيث كان يقف الثلاثة قبل قليل ببلاهة من فوق فرع الشجرة قبل أن تنظر ليوجين قائلة: "ما الذي حدث للتو بحق الله؟". حك ذقنه بتفكير قبل أن يقول: "لابد أن المسكينة أحد ضحاياه، هذا هو مستقبلك إن لم تستمعي لي ولنصائحي".

دحرجت عينيها وتذمرت: "ألا يمكنك التوقف لوهلة عن استغلال كل موقف لصالحك؟" مال رأسه وأجاب بسؤال آخر "ألا تبدين هادئة جدًا بعد أن سمعتي أن هناك شيء ما كان يربط بين هذين الاثنين؟". ارتفع حاجبها لوهلة وأجابت: "يال العبقرية! لقد تم ذكر اسم المرأة أمامي أكثر من مرة أحدها كانت لشخص يهلوس أثناء إصابته بالحمى، ألن يكون من الطبيعي استنتاج أن هناك ما يربطهما؟".

عقد يوجين حاجبيه وقال: "أَذَكَرَ ذلك الثور إسمها من قبل؟ كيف بحق الله تتذكرين كل هذه التفاصيل؟" التفتت تنظر حيث توجه كل من أتريوس وواندر للتو تحارب رغبة الذهاب خلفهما واستجواب كل واحد منهما تحت وطأة التهديد.

"أيمكن أن تكون عشيقة سرية؟" التفتت ليوجين بسرعة آلمت رقبتها بينما ظل الآخر يفصح عن أفكاره بصوت عالي "أو ربما حاول قتلها فتعلقت به كثيرًا فهذا السيناريو يبدو مألوفًا". حدقت به جلنار بيأس تتساءل إن كان بإمكانها إيجاد طريقة جديدة لصفع رأسه.

لكنها في النهاية ظلت تحدق بيدها وشعور سيء يكبر داخلها أكثر فأكثر، نذير الشؤم ذاك الذي يخبرها أن الأمور أكبر مما تتصور. لم يكن الحوار بالكامل مسموع من هنا ولكن ما سمعته كان كفيل بإيضاح بعض شكوكها.

كانت تتساءل كثيرًا إن كانت هناك بالفعل امرأة أثرت على أتريوس لدرجة الهلوسة بإسمها! 

"لقد بدت واندر عنيفة حقًا، لوهلة شعرت بعدم الرغبة في مواجهة نظرات هذه المرأة" قال يوجين دافعًا جلنار بعيدًا عن أفكارها قليلًا؟

"أنت محق! بدت حقًا.. ساخطة" تمتمت جلنار ولكن بدورها لم تكن متفاجئه من قسوة واندر فطلاعها على ماضِ الاثنين منحها لمحة صغيرة عن مدى قوة واندر وكم يمكنها أن تكون قاسية، هي فقط تفضل التعامل بود وحب ليس إلا.

لكن ماذا فعلت تلك المرأة بالضبط حتى تسبب هذا الكم من الضرر والكراهية؟

تساءلت جلنار مجددًا قبل أن تبدأ كل الذكريات التي لم يعترف فيها أتريوس مرة واحدة بأي من مشاعره بشكل صريح لجلنار تعود أمامها..

أكان السبب يقع هنا طيلة الوقت؟

لم تعرف في هذه اللحظة إن كان عليها الشعور بالحزن أم الغضب أو إشعال القصر بكليهما هو الحل المناسب؟

أجفلت عندما طرق يوجين رأسها بخفة قائلًا: "لا تغرقي في هذه الأفكار جلنار، يسعدني كثيرًا إمساك ذلة على هذا النذل ولكن لا أريد للامر أن يؤثر عليك إلا إذا…" صمت قليلًا لتميل برأسها باستفهام عما سيقول ليردف: "إلا إذا قررت سحب المدللة الجميلة من شعرها في أرجاء القصر فهذا مظهر يستحق المشاهدة بكل تأكيد".

ظلت تنظر ليوجين بصمت بينما يبادلها هو النظرات بابتسامة بلهاء واسعة "إلهي كم أريد مسح أراضي القصر بوجهك أنت" قالت ليخرج ضحكة سخيفة قائلًا: "لست أنا العشيقة السابقة" صكت أسنانها بغضب قبل أن تصيح "ألا يمكنها أن تكون صديقة أو أي شيء آخر يوجين؟ إلهي لما تفكيرك عاطفي جدًا؟".

زم شفتيه وأومأ برأسه بنظرة متظاهرة بالتفهم قبل أن يقول: "نعم بالطبع، لقد بدا هذا كلقاء أصدقاء بكل تأكيد، كم أنا أحمق". زفرت بانزعاج مغمضة عينها قبل أن تضرب رأسها بجذع الشجرة خلفها.

على بعد كيلومترات من جلنار ويوجين كانت واندر تعاني بين الأغصان المتشابكة حتى تتمكن من اللحاق بأتريوس.

"أتريوس توقف!".

صاحت بينما تحاول تحرير الغصن الذي تشابك بذراع فستانها الأزرق.

انعقد حاجبي أتريوس قبل أن يلتفت بسرعة حيث واندر "أجننتِ؟ أتعلمين مدى خطورة المكان هنا؟ ألم أطلب منك البقاء في الغرفة حتى ينتهي الأمر؟ ألا يكفـ.." قطعت كلماته بصفعة قوية على كتفه ليتنهد وينظر نحوها بملل "من تظنني أيها الأرعن الأحمق يا ذا العقل اليابس الفارغ؟ لقد سكت كثيرًا مراعاة لقلقك علي ولكنني ربيتك بنفسي منذ أن كنت طفلًا. أتظن لأني مكتنزة وقصيرة فلست قادرة على الدفاع عن نفسي؟ كما أنك وفرت حماية كافية لي حتى في غيابك فتوقف عن التذمر في كل مرة قبل أن أصفع رأسك".

كتف ذراعيه بينما يراقبها تلتقط أنفاسها بغضب "يمكنني استنتاج أن هذا الغضب لا علاقة له بحذري عليك، أليس كذلك؟" نظرت لعينه وقد تشكلت عقدة كبيرة بين حاجبيها.

زفرت ومسحت وجهها واتجهت أنظارها بعيدًا تفكر في الطريقة الصحيحة لترتيب حديثها فكلمة واحدة خاطئة لن تجلب لها سوى نتيجة عكسية خاصة أنها في مواحهة أتريوس. "فقط هات ما عندك واندر" حثها على الحديث على الرغم من عدم رغبته في التحدث منذ البداية.

"لما وافقت على المجيء أتريوس؟". عقد حاجبيه باستغراب واضح وحاول فهم سؤالها فائلًا: "ماذا تقصدين بحق الله؟ إنها مهمة أليس من الطبيعي قبـ.."

قاطعته قائلة: "لا، ليس من الطبيعي قبولك مهمة بهذه السرعة، عادةً كان أوكتيفيان يفضل الموت على محاولة استدعاءك لمهمة لشدة عنادك ورفضك لذهاب، ولكن هذه المرة وافقت بكل سلالة على المجيء.. لما؟".

حدق بها بصمت لثوانٍ قبل أن يتنهد قائلًا :"واندر، توقفي عن القلق أكثر من اللازم، جميع ما تفكرين به خاطئ لذ.." توقف عن الحديث في منتصفه والتفت نصف التفاته لكن لم تنتبه واندر التي استرسلت في حديثها قائلة: "أثبت لي أنه خاطئ أتريوس، لا معنى آخر من.." توقفت عندما أشار لها أتريوس لتتوقف.

لاحظت تأهبه الواضح لتنظر بسرعة حيث وجه انتباهه لكنها لم ترى شيء "عليك العودة واندر" قال بنبرة حازمة نهائية لتنظر نحوه بخوف عندما بدأت في الشعور بما شعر. تلك الطاقة المظلمة! وعلى الرغم من كونها شبه ملحوظة ولكنها كانت موجودة.

"لا، انتظري، لا تذهبي وحدك.." تراجع بسرعة قبل أن يمسك ذراعها يضعها خلفه ويغمض عينه لثوانٍ يحاول استشعار مصدر الطاقة.

"أتريوس إن كان الأمر خطيرًا فعليك استعداء البقية". قالت واندر بحذر ليزفر ويفتح عينه مجيبًا: "إنه مصدر شبه معدوم صادر من الحديقة الخلفية كما ذكروا سابقًا، ولكن ما شعرت به أشبه بنبضات تزايدت فجأة، علينا العودة الآن فلا يبدو الأمر بهذا الخطر ولكن الحذر واجب".

حاول طمأنتها قبل أن يمسك معصمها يسحبها معه نحو قصر الضيافة، كان حاجبيه معقودان ببعض الانزعاج فتلك النبضات كانت كقوتان متداخلتنا بكل تأكيد، كل من قوة الظلام والساحرات كانتا السبب، ولا يعرف بالضبط كيف يمكن لهذا النوع من الطاقة أن يجتمع معًا.

ربما شخص عادي ما كان ليلاحظ، لكن بقاءه في المنفى جعله قادر على تميز كل هالة وكل مصدر طاقة يمكن الشعور به.

تنهد مدرك أن عليه التحدث مع جلنار أولًا، ولكن عليه أن يعرف أين هي فخروجه للحديقة في المقام الأول كان بحثًا عنها ولكنه لم يجد لها أثر.

ارتسمت ابتسامة صغيرة على ثغره مدركًا أنها أصبحت قادرة على إخفاء هالتها ومقدار قوتها عمن حولها، وهذا مخيف في مرحلة كمرحلتها.

في منتصف الطريق وصله صوت أوكتيفيان الذي استعدى الجميع لقصر الضيافة للاجتماع مع مضيفيهم على مائدة الطعام.

وقف كل من أتريوس وواندر أمام القصر قبل أن يتوقف ويلتفت حيث واندر ويقول بكل جديه وبنبرة غلبها المنطق "واندر، أعلم جيدًا ما تشعرين به، وأتفهم أسبابك ولكن أتمنى ألا يحدث أي تصادم بينكما طيلة فترة بقائنا.." 

كانت تعبير واندر واضحة تنم على عدم رضاها وكادت تفتح فمها معترضة ولكنه قاطعها قائلًا "لا أريد نقاشًا واندر، أرجوك، يكفي مجيئك وتعرضك للخطر هنا، لا تدفعيني للقلق أكثر من هذا". زمت شفتيها تحدق في وجه لثوانٍ بانزعاج ولكنها تنهدت وأومأت على مضض متمنية أن تمر هذه الزيارة بسرعة.

تحركت تسبقه لداخل بينما ظل هو واقفًا في مكانه يشعر بالإرهاق لإضراره لتعامل مع كل هذه الفوضى.

تحرك يتبع واندر وقادته خطواته نحو الردهة متجهًا لغرفة المائدة ولكنه توقف عندما لمح فينسيا واقفة ترشد الخدم بصرامة وقد بدلت فستانها بواحد أخف ثقلًا بلون القهوة.

كان الخدم يتحركون بسرعة بعضهم باتزان وآخرون ببعض الهلع والتوتر، الأطباق كلها تتجه حيث غرفة المائدة وأخذت بعض الخادمات تتساعدن على حمل مزهريات ضخمة الحجم نحو الطابق الثاني.

قرر تعدي جسدها نحو غرفة المائدة بصمت ولكنه التفت بسرعة عندما لاحظ أحد المزهريات التي أُسندت ضد درابزين السلم بين الطابق الأول والثاني، ويبدو أن خلف المزهرية خادمة صغيرة الحجم تعاني في محاولة لتحكم في قوتها وحمل ثقل المزهرية ضد ظهرها.

اتسعت عينه وتحرك في ثوانٍ يسحب يد فينسيا نحوه قبل أن يرفع يده متحكمًا بالهواء في اللحظة التي سقطت فيها المزهرية كما توقع.

توقف الجميع عن الحركة ما إن صدرت صرخة كل من الخادمة وفينسيا في أرجاء البهو الكبير.

كانت المسافة بين المزهرية والأرض سنتيمترات معدودة وقد منعت موجة هواء أتريوس من اصطدامها وتحطمها.

ظلت فينسيا تحدق بالمزهرية بعينين متسعة ويدها الأخرى تمسكت بقميص أتريوس بقوة وأنفاسها تتلاحق وهي تشعر بالفزع يتمكن من جسدها.

"إلهي العزيز! سيدتي هل أنتي بخير؟" صرخت رئيسة الخادمات العجوز وهي تهرول نحو سيدتها بينما الخادمة الأصغر عمرًا وقعت فوق ركبتيها بجسد مرتجف تحدق بالمزهرية بهلع.

سمح أتريوس بالمزهرية بالهبوط فوق الأرض بهدوء قبل أن يلتفت ينظر لفينسيا التي نظرت نحوه بدورها تحدق بوجهه ببلاهة تحاول إدراك ما حدث "هل أصابك مكروه؟" سأل وهو يتفحص وجهها بسرعة لكنها ظلت محتفظه بصمتها غير قادرة على إيجاد كلمات مناسبة.

"فينسيا" هتف ليجفل جسدها وتدرك تعلقها القوي به، وفي المقابل أمسكت خادمتها بيدها الحرة تنتظر من سيدتها أن تتمالك نفسها، ولكنها لم تمنع ارتفاع حاجبيها بصدمة ما إن تجرأ الرجل بمناداة أميرة ملكية بإسمها دون ألقاب.

عينها تحركت بسرعة بعيدًا قبل أن تبعد يدها عنه وتبتعد خطوة صغيرة لتلقطت خادمتها جسدها الذي قاومت ارتجافه وتمتمت بحلق جاف من الخوف "أ..أنا بـ." توقفت ثواني تأخذ نفسًا تحاول السيطرة على نبرتها وأردفت "أنا بخير".

"صديقان قلتي لي؟".

بدا في هذه اللحظة لجلنار -التي تشاهد منذ البداية- صوت يوجين الساخر كالأغنية في خلفية مشهد درامي، كانت قد دلفت لتوها المكان لتشهد على ما حدث، كادت تتحرك هي بسرعة قبل أتريوس ولكن بدا أن سرعة بديهته وقربه من فينسيا منحه الأفضلية.

عينها اتجهت ليد فينسيا التي مازالت فوق صدر أتريوس على الرغم من تركها لقميصه قبل أن تراقب نظراتها نحوه وهي تقول: "أنا ممتنة لك سيد فلورمان". أومأت الخادمة بسرعة وانحنت باحترام قائلة: "لقد أنقذت حياة سيدتي سيدي الفارس، أنا شاكرة لك" وعلى الرغم أن الخادمة كانت لاتزال مشوشة لعدم احترام الرجل أمامها لكنها كخادمة ملكية تعلم متى عليها إخفاء ازدرائها ومتى عليها إيضاحه.

نظرت لسيدتها التي أكدت أنها بخير قبل أن تأمرها بالذهاب لتهدئة الخادمة الأصغر سنًا أولًا قبل توبيخها لتومأ رئيسة الخادمات باحترام، وتتجه حيث أخذت بقية الفتيات الخادمة الهلعة بعيدًا نحو جناح خدم الضيافة.

"أتريوس أنا شـ…" قالت بصوت منخفض لكنها صمتت عندما لاحظت نظراته المبتعدة عنها كل البعد بينما تحدق بنقطة ما خلف ظهرها.

التفتت تنظر لما جذب انتباهه لتقع عينيها على قائدة الفرسان واقفة عند مقدمة الردهة تنظر نحوهما، التفتت بسرعة بكامل جسدها وانحنت نصف انحناءة باحترام قائلة: "ابنة التـ… أعني سيدة روسيل، يسعدني حضورك". رسمت جلنار ابتسامة صغيرة بدت لفينسيا عادية ولطيفة ولكن أتريوس حبس أنفاسه لثانية فهو يعرف هذه الابتسامة جيدًا.

أومأت جلنار برأسها قبل أن تتحرك متخطية جسد كلاهما ويتبعها صوت يوجين الغنائي "إن كانت النظرات قاتلة، فأوه عزيزتي جميلة العينين أنتِ ميتة بالفعل".

تنهدت فينسيا والتفتت مجددًا نحو أتريوس في نية لشكره مجددًا وإعراب رغبتها للحديث معه لمرة أخيره، لكنها عقدت حاجبيها باستغراب عندما لاحظت جسده الذي التفت بالكامل وعينه معلقة بجلنار التي دلفت لغرفة المائدة.

"أتمنى أن تأخذِ حذرك جيدًا" تمتم على مضض ناظرًا نحوها، قبل أن يلتفت متجهًا بسرعة حيث اتجه الجميع لغرفة المائدة.

ظلت مكانها لثوانٍ تحاول إدراك سرعة تبدل الأمور، ولا تعلم لما أصابها بعض القلق في هذه اللحظة، لكنها قررت التركيز على مهاما الأساسية.

تحركت تعطي أوامرها الأخيرة للخدم قبل أن تنضم للجميع حول مائدة الطعام الضخمة التي تعددت الأصناف فوقها، واختلفت أشكالها، ولكن رائحتها الشهية كانت ما يجمع بينها جميعًا.

ترأس سيد أركستوراي المائدة، وعلى يمينه أخذت أبنته مقعدًا لها، وظل المقعد المقابل لها فارغًا، أما الفرسان فجلسوا متقابلين بداية من جوزفين وأوكتيفيان نهاية بواندر.

كانت جلنار تجلس مجاورة لأوكتيفيان ويقابلها زوندي الذي جلس على يساره أتريوس ينظر لجلنار بحاجبين معقودين بينما الأخيرة كانت تبدل عينها بين الكأس الممتلئ بالنبيذ أمامها وبين يديها.

أما عن ثونار التي جلست مقابلًا لأتريوس ظلت مضيقة عينها وهي تبدل نظراتها بينه وبين فينسيا وابتسامة خبيثة ترتفع على شفتيها قبل أن تنظر يسارها نحو جلنار تفكر إن كان عليها الاستمتاع الآن بهذه الدراما أم الاستمتاع بكأس نبيذها أكثر.

بجوارها جلست واندر ممسكة برأسها تشعر بالصداع بالفعل فهي أصبحت تملك ذات المخاوف التي تراود أوكتيفيان في هذه اللحظة.

كان الخدم بصمت يسكبون كؤوس الماء والنبيذ كلما فرغت بينما يعودون للوقف مجددًا على كل من يمين ويسار القاعة منتظرين أية أوامر جديدة بينما يرمقون بعضهم البعض بنظرات ذات مغزى، فثقل الأجواء الغريب لم يخفى حتى عن الخدم في المكان.

سارت أعين سيد العائلة على جميع الموجودين ببعض الاستغراب قبل أن تتجه عينه نحو ابنته التي جلست في مكانها بصمت ولم ترفع عينها عن طبقها، أخذ نفسًا قبل أن يرسم ابتسامة على وجهه ويدعوا الجميع قائلًا: "تفضلوا جميعًا، اتمنى أن تنال مهارات رئيس الطهاة على إعجابكم".

بدا كل من ثونار وزوندي أكثر شخصين في انتظار هذه الإشارة ليبدأ الاثنين بالتهام طعمهما باستمتاع، وشيئًا فشيء بدأت أصوات تصادم الملاعق والسكاكين ضد الصحون الزجاجية يتردد صداه في أرجاء القاعة وسط صمت الأغلبية.

"قبل انشغالنا بأمر البوابة…" التفت الأغلبية نحو جلنار التي كسرت الصمت بينهم فجأة مما دفعها لتوتر لثوانٍ ولكنها تمالكت نفسها وتابعت "أريد طلب خدمة منكم سيد أركستوراي". عقد أوكتيفيان حاجبة ولسبب ما كان يحبس أنفاسه في كل مرة تبدأ جلنار بالتصرف وحدها دون أن يعلم بنيتها.

"بالتأكيد سيدة روسيل، يشرفنا تلبية طلبات إبنة التوبازيوس شخصيًا" قال إركستوراي بابتسامة واسعة ضيقت عينه لتبتسم جلنار شاكرة في المقابل وتقول: "خلال انشغالنا هنا أريد منكم البحث عن شخص يدعى آرنالدو هيلبارت" توقفت يد فينسيا الممسكة بالشوكة في منتصف الطريق نحو فمها، وارتفعت عينها بسرعة نحو جلنار وكان لوالدها رد فعل مشابه.

شعر زوندي وكأن الطعام توقف في منتصف حلقه ولكنه تمالك نفسه وارتشف كأس الماء كله قبل أن يسكب له الخادم واحدًا آخر.

"لما يبدو وكأنك ذكرتي إسم هتلر أمام مجموعة من اليهود؟" همس يوجين بجانب إذن جلنار وكانت تملك السؤال ذاته، أخبرها زوندي أنه لم يكن شخصًا صالحًا سابقًا، لكن لدرجة أن تبدي العائلات الملكية رد الفعل هذه، فهذا يثير حماسها أكثر من قلقها لتقابل هذا الرجل.

ترك سيد العائلة شوكته وسكينه بجانب طبقه قبل أن يعتدل في جلسته وينظر لجلنار بذات الابتسامة بالرغم من أنها بدت مصطنعة الآن أكثر من سابقًا وسأل: "هل لي أن أسأل لما تريد سيدة مثلك مقابلة رجل كهذا؟" أخذ زوندي نفسًا يتحكم بإنفعاله على الرغم من إنقباض فكة لنبرة الازدراء في صوت أركتسوراي.

"ألن يكون من الرائع أن تجيبي بـما شأنك أنت؟ أبحث عن الرجل دون ضجة" قال يوجين مما دفع جلنار لتفكير كم من الرائع أن تكون شخصًا خفيًا في بعض الأوقات، فكل المواقف تبدو أسهل عندما لا يراك أو يسمعك أحدهم.

"هل هناك مشكلة ما؟" حاولت الظهور بأكثر المظاهر براءة، نعم بإمكانها استخدام سلطتها ومكانتها وإلقاء الأوامر عوضًا عن الطلبات كما قال يوجين، ولكنها لا تفضل صنع عداوة مع عائلة ملكية خاصة وإن أحتاجت إلى مساعدتهم لاحقًا لذلك رأت أن من المناسب لعب دور البلهاء لمرة أخيرة.

زم أركستوراي شفتيه لثوانٍ ونظر نحو صحنه يفكر فيما عليه القول أو الإجابة، لتتجه عينه نحو إبنته التي كانت تراقبه بطرف عينها.

أخذت نفسًا ووضعت إبتسامة على شفتيها قبل أن تنظر لجلنار قائلة :"ليست مشكلة بمعنى الكلمة، ولكن بإمكانك القول إن الرجل تسبقه سمعته" لم تتحرك عين جلنار نحو فينسيا لثوانٍ وبدأت تقمع كل أفكارها الداخلية في هذه اللحظة "جلنار… استخدام الأطباق كسلاح ليس أمرًا جيدًا، ولكن إن أردتِ جر شعرها فوق الطاولة فلن أتمكن من منعك، تعلمين.. متعة المشاهدة أجمل بكثير من متعة التدخل".

أخذت نفسًا ووضعت ابتسامة هادئة ونظرت لفينسيا قائلة: "وأيضًا مهارته كمدرب كما قيل لي" حدقت المرأتان ببعضهما البعض وعض يوجين على شفتيه بحماس شابه تمامًا حماس ثونار التي شقت الإبتسامة وجهها من الأذن للأذن.

"هذا صحيح.. ولكن سمعته تؤثر بشكل كبير على ثقة العائلة الملكية بشرف رجل مثله، لذلك نخشى أن يؤثر ذلك على صورة إبنة التوبازيوس" في هذه اللحظة كان بإمكان جلنار استشعار غضب زوندي الذي بدأ يتصاعد لدرجة جعلت من السهل ملاحظة رغبته العنيفة التي يحاول كبحها.

عينها اتجهت نحوه بسرعة، وأومأت برأسها بحركة سريعة ومازالت ابتسامتها تعتلي وجهها مما دفعه لتمالك نفسه على رغم من إنقباض يده القوي فوق كأسه.

"إذًا، هل أفهم أن اختياري قد اتخذته بشكل خاطئ بلا تفكير؟" 

توقف الجميع فجأة واتجهت أعينهم نحوها، كانت نبرتها لطيفة وهادئة كابتسامتها ولكن الهالة التي احاطت بها فجأة لم تكن بذات اللطافة والهدوء، شعرت فينسيا بيدها ترتجف فجأة وحلقها جاف بشدة وهي تحدق بهيئة جلنار في هذه اللحظة.

بدت الفتاة غاية في اللطف، فلما بحق الله تشعر وكأنها أقدمت على فعل شنيع لهذه الدرجة؟ بل كيف لجملة واحدة لا تحمل أي تهديد تثير هذا الفزع.

صدحت ضحكة السيد أركستوراي في القاعة تكسر حدة الجو فجأة وقال ممازحًا: "أيمكن لنا قول شيء كهذا سيدة روسيل؟ ربما خان التعبير إبنتي العزيزة، ولكن ما قلته لم ينم إلا عن قلقها الواضح على فرساننا، ولكنك محقة، حتى وإن كان يملك سمعة سيئة فالمدرب الجيد بضل مدربًا جيد" نظرت نحوه جلنار وأومأت قائلة: "هذا ما ظننته أيضًا".

ظلت الإبتسامة على وجه السيد قبل أن يقول: "لكِ ما أردتِ بكل تأكيد.." التفت نحو الخادم على يمينه ليقترب منه الأخير "وجه أمرًا لحرس العائلة بالبحث عن السيد هيلبارت وأحضروه إلى هنا". 

"لا داعي لإحضاره قسرًا، فقد سمعت أنه يملك مزاجًا عنيدًا، يكفيني معرفة مكانه" عارضت جلنار لينظر لخادمه ويقول: "نفذ ما سمعته إذًا" أومأ الخادم بانصياع وتحرك بخطوات سريعة خارج المكان.

أومأت جلنار قائلة: "ممتنة لمساعدتكم" أبتسم أركستوراي في المقابل باستحسان قبل أن يتلقط كأس النبيذ يرطب حلقه بينما يراقب ابتسامة جلنار اللطيفة نحو زوندي لتتقلص ابتسامته وينظر لقدمه التي يحاول السيطرة على ارتجافها.

ظلت أنظار فينسيا معلقة بجلنار لثوانٍ تراقب تقلبها الغريب، تتساءل لما شعرت بهذا التهديد فجأه! ولما بحق الله هناك ابتسامة صغيرة على ثغر أتريوس بينما يتناول طعامه بهدوء؟

أجفلت بخفة عندما شعرت بنظرات والدها نحوها لتعيد تركيزها على صحنها قبل أن ترفعه نحو جوزفين الذي أخذ بدوره يتناول الطعام أمامه ويتابع ما يحدث باستمتاع.

"أتمنى أن تكون تحضيرات الجناح قد حازت على إعجابك جلالة الأمير" قالت جاذبة انتباهه نحوها ليظهر ابتسامته المهذبة مجيبًا "بكل تأكيد، أنا ممتنًا لعنايتك الخاصة آنسة أركستوراي" ابتسمت بإمتنان وقالت: "إنه واجبي جلالتك، أرجو أن تعلمني إذا ما أزعجك شيء ما" أومأ جوزفين مجاملًا ولكن قبل أن يفتح حتى شفتيه سبقته ثونار التي جلست بكل راحة في كرسيها وبين يدها كأس النبيذ بينما وضعت ذقنها فوق يدها الأخرى وقالت بابتسامة "أيمكننا جميعًا إعلامك عندما ننزعج من شيء ما؟ أم علينا جميعًا أن نكون أميرًا وسيمًا ومهذبًا لنحصل على ذات الخدمات؟"

أغمض أوكتيفيان عينه لثوانٍ وأخذ نفسًا عميقًا، كان طيلة الوقت يحاول تقدير اللحظة المناسبة التي عليه التدخل فيها قبل أن تزيد الأوضاع سوء ويبدو أن لحظته اقتربت.

نظفت فينسيا حلقها وقالت بتهذيب "بكل تأكيد بإمكان جميع ضيوفنا إعلامي بأي شيء يحتاجون له أو ينزعجون منه" زمت ثونار شفتيها وأومأت برأسها متظاهرة بالتفهم بينما ترتشف نبيذها وتضيف "يزعجني لون فستانك!".

انفلتت ضحكة من بين شفتي جوزفين ليحاول بسرعة تنظيف حلقه وارتشاف كأس الماء حتى يخفي ابتسامته التي بالكاد يسيطر عليها، وفي المقابل صدحت ضحكات يوجين في المكان بينما يصيح مصفقًا "هذا هو العرض المطلوب" لترمقه جلنار بحدة ليتوقف فهي بالكاد تتماسك حتى لا تنفجر ضحكًا بينما ضحكات يوجين لا تساعدها البته.

أطلق أوكتيفيان ضحكة صغيرة بعيدة كل البعد عن الفكاهة ونظر لفينسيا التي حدقت بثونار بثبات رغم شعورها بالإنزعاج بينما رمقتها الأخرى باستمتاع وابتسامة جانبية.

"أعذري الآنسة ثونار آنسة أركستوراي، تمتلك ساحرتنا ذوقًا فكاهي غريب بعض الشيء" قال أوكتيفيان جاذبًا أنظار فينسيا التي رسمت ابتسامة مجاملة وتمتمت "لا بأس، لم أخذ الأمر بشكل شخصي" رفعت ثونار كتفها متمتة بصوت مسموع "ربما عليك ذلك".

لم يتمالك أوكتيفيان نفسه ورمق ثونار بحدة واضحة لتدحرج عينها غير مهتمة.

"أهذا لم شملٍ بدوني؟! هذه خيانة عظيمة". التفت الجميع لصوت الذي اقتحم القاعة كاسرًا التوتر يطرق بخطواته القوية الأرض بينما تتستع ابتسامته الجانبية مظهرة غمازتين من الصعب عدم ملاحظتها.

كان شابًا بدا لجلنار في عقده الثلاثين ربما، شعره الأسود القصير كان مسرحًا للأعلى ولكن تساقطت بعض خصلاته فوق جبهته.

حاجبيه الكثيفين ارتفعا ما إن لاحظ من بالضبط يجلس فوق المائدة بينما عينه الخضراء مسحت وجوه الجميع قبل أن تسقط على جلنار التي حدقت بطوله الفارع في المقابل ببعض الاستغراب بينما تلاحظ الشبه بينه وبين فينسيا.

"إلهي! إنها أنت!" هتف بدهشة لتتحرك عين جلنار حولها تحاول التأكد أنه يتحدث معها.

"سيزرا أندريس أركستوراي، أظهر بعض الاحترام لضيوفنا" هتف أركستوراي بسرعة وغضب قبل أن يوجه أنظاره للجالسين معتذرًا بتهذيب "أبني أهوج بعض الشيء، أعتذر عن تصرفاته.." قبل أن يلتفت لجوزفين قائلًا "أتمنى أن تعذره جلالة الأمير" حرك جوزفين رأسه قائلًا: "لا بأس، بإمكانه التصرف على راحته".

لم يبدو على إبن العائلة الاهتمام تمامًا بما قيل لأنه انحنى باحترام مبالغ فيه وبشكل مسرحي قال: "اعتذراتي أيها السادة الكرام، أعاني من الحماس الزائد في التعبير عن مشاعري لذلك أتمنى أن تتفهموا انفعالاتي المبالغ فيها".

وجدت جلنار نفسها تعض شفتيها منعًا لابتسامتها عندما وجه الشاب نظرة أخيرة لوالده وحرك شفتيه بـ "راضٍ؟" ليتنهد الأخير بتعب.

تحرك نحو المقعد الفارغ بجوار أتريوس وكاد يجلس لكن والده صك على اسنانه وقال: "حيي أمير مملكتنا بشكل مناسب أولًا".

عينه اتجهت فورًا حيث جوزفين لتتسع عينه بسعادة ويقول "أوه جوز.." ابتلع كلماته بسرعة عندما أدرك أنه كاد ينطق بأسمه بلا رسميات لذلك انحنى على مضض قائلًا: "تحياتي جلالة الأمير" كبح جوزفين نفسه دون أن يدحرج عينه فآخر مرة يتذكرها كان هو الشاب يصطدن أجمل الفتيات في حفل ما بينما يشتم كل واحد منهما الآخر.

أومأ جوزفين برأسه كترحيب وأذنٍ لشاب ليجلس كما يريد، ليجلس الأخير على الفور وتقع عينه على واندر الجالسة مقابله ليضع ابتسامة لطيفة على ثغرة ويومئ برأسه قائلًا: "سيدتي اللطيفة، مرحبًا بك" انعقد حاجب واندر بارتباك ولكنها وضعت ابتسامة كمجاملة وأومأت بدورها.

أومأ برأسه نحو ثونار التي تفحصته للمرة المئة قبل أن تنظر لشقيقته تعد أوجه الشبه "سيدتي الجميلة" ارتفع حاجبها قبل أن تهتف "تملك عينين ممتازتين" أومأ بشكر قبل أن ينظر أخيرًا لجلنار التي أولت صحنها اهتمامًا تحاول إنهاء ما به بهدوء قبل أن ترفع عينها نحوه بثبات ما إن شعرت بنظراته "مرحبًا" قال بابتسامة واسعة بدت بلهاء في وجهة نظر يوجين.

بادلته جلنار الإبتسامة قائلة: "مرحبًا!" تحرك الخدم نحو أندريس بوجبة طعام لكنه أشار بيده رافضًا والتقط فقط كأس النبيذ ومازالت عينه ثابتة لم يزحها عن جلنار.

مال برأسه قبل أن يقول: "أجميع البشر يبدون بهذا.." سكت لبرهة في محاولة إيجاد المصطلح المناسب "الحضور؟".

أصدر يوجين تصفيرة إعجاب وربت على كتف جلنار التي بدورها رفعت حاجبها وكررت باستغراب "الحضور؟" أومأ وأوضح "قوة الحضور، تملكين قوة حضور جذابة حقًا".

"إلهي أندريس، أظهر بعض الاحترام" هتف أكستوراي ليدحرج الآخر عينه لكن جلنار ابتسمت بدورها وأشارت لأكستوراي قائلة "لا بأس، يمكنني الاستمتاع ببعض الآراء الصريحة".

مال يوجين نحوها وهمس بجوار أذنها "وآخرون سيستمتعون باللعب ببعض الفؤوس في وقت لاحق" كادت جملته تدفعها للنظر نحو أتريوس ولكنها تمالكت نفسها بما أن أعين أندريس لم تتزحزح عنها.

"ورحبوا الصدر أيضًا" هتف مضيفًا لمديحه وهو يرمي نظرة نحو والده مثيرًا إغاظته. "أنا الشقيق الأصغير لهذه الشابة الجميلة التي تريد إضمار النيران بي في الوقت الحالي.." قال مشيرًا لفينسيا التي كانت تتناول طعامها وتعابير الإنزعاج وعدم الراحة واضحة على وجهها ثم أضاف: "ورئيس حرس هذا القصر المتواضع" أشار لنفسه مجددًا قبل أن يجمع كفيه تحت ذقنه بابتسامة حاول جعلها ساحرة قدر الإمكان.

"تشرفت بعرفتك سيد أركستوراي" قالت جلنار ليعقد حاجبيه باعتراض واضح "فقط ناديني بـأندريس آنستي، فأنا شاب يكره الرسميات خاصة مع الأشخاص المميزين" غمز في نهاية جملته لينفجر يوجين ضحكًا.

حكت جلنار ذقنها بخفة وتحاول منع ابتسامتها فشخصية الشاب كانت ممتعة أكثر مما تتصور، أومأت وقالت: "يمكنك مناداتِ بجلنار إذًا". ارتفع حاجبه ببعض الإندهاش فقد ظن أنها ستتمسك بالرسميات أكثر كالبقية لكنه وضع ابتسامته في النهاية وأومأ بحماس.

أرتعش جسده لثوانٍ وقد شعر ببرودة غريب تمر بأطرافه، عينه اتجهت بسرعة للشخص الجالس على يمينه ممسكًأ بالكأس الزجاجية يرتشف منها بعض الماء قبل أن يعيدها مكانها، الشرخ الطولي على طول الكأس جذب انتباهه مما دفعه للالتفات للخدم يأمرهم بتبديله بسرعة مما أثار استغراب الخدم.

فجميع الكؤوس أُختيرت بحرص ولا فرصة لوجود عيب فيها.

أعاد أندريس انتباهه لأتريوس بالكامل قائلًا: "علي الاعتذار عن قلة انتباه الخدم سيد…" صمت تاركًا لأتريوس الفرصة لتعريف نفسه وفي هذه اللحظة نصف الموجودين كانوا يراقبون المشهد باستمتاع كبير.

تجاهله أتريوس بالكامل ونهض واقفًا قبل أن يقول: "لدينا عمل ينتظر انتهائه، لذا لا تأخذوا كامل وقتكم في التدلل، لسنا هنا للعب" وبهذا أبتعد عن مقعده في نية المغادرة.

ظل أندريس ينظر حيث كان يجلس أتريوس مع ابتسامة بينما يحاول إدراك ما الخطأ الذي دفع الرجل لتجاهله بالكامل.

ولكن في لحظة اختفت ابتسامته عندما مر أتريوس من خلفه، كان يمكنه الشعور بتلك النية الوحشية خاصة كمقاتل ورئيس لحرس العائلة.

نية القتل الواضحة كانت مثيرة للفزع لدرجة أثارت غرائزه فكاد يثب على قدميه مشهرًا سيفه تلقائيًا لكنه تماسك وحافظ بقدر الإمكان على تعبير وجهه.

في المقابل كانت فينسيا تراقب ما يحدث بطرف عينها وأرادت الضحك لنفسها لشعورها فجأة بالحنين لتلك الشخصية القاسية التي اعتادت مراقبتها سابقًا عندما تعرفت على أتريوس للمرة الأولى.

بعد تسبب أتريوس بتوتر الأجواء اعتذر كل من جوزفين وأوكتيفيان عن هذه التصرفات بينما بدأ أركستوراي يتساءل إن كان سيظل أوكتيفيان يعتذر طيلة الوقت بينما رئيسة الفرسان الحقيقة تبدو له وكأنها… لا تبالي بما يفعله فرسانها!

ولكنه قرر أن الأمر كله ليس من شأنه فكل ما يهمه هو إبعاد الخطر عن قصره والتقرب أكثر من مركز العرش.

نهضت فينسيا واستأذنت أولًا حتى تتمكن من توجيه الخدم تاركة الحاضرين في ضيافة والدها وشقيقها ولكن لسبب ما ظلت عين جلنار تتبعها وتكاد تقسم أنها خرجت خلف أتريوس لا الخدم "أتردين الرهان على أنها في طريقها للقاء الثور الهائج؟" سخر يوجين مستمتعًا كثيرًا بمزاج جلنار التي ضغطت على فكها ببعض العصبيه المكبوته.

كانت تعرف جيدًا إنها إن لم تجلس مع أتريوس وتتحدث معه بكل صراحة فستفجر القصر على رأسه ورأس أصحابه قبل ذهابها.

لاحظت نظرات أندريس المندهشة نحوها لتجمع شتات أفكارها وتبادل نظراته بأخرى متسائلة "عينك!" همس مشيرًا لعينه بخفة وكان هذا كفيلًا بجعلها تخمن أي لون تحمل عينها الآن لذلك أغمضتها لثوانٍ وهدأت أعصابها بينما تأخذ نفسًا.

لم تكن تعرف إن كان عليها النهوض والخروج من المكان فلم تعد تشتهي الطعام الآن وقد أكلت كفايتها، أم أنه سيكون تصرفًا وقحًا وعليها انتظار الجميع؟ 

وبدا أن مُراقبها قد لاحظ تلك الرغبة لذلك أشار نحو الباب مثيرًا استغرابها قبل أن يبتسم كمنقذ وينظر لوالده وجوزفين قائلًا: "هل يأذن لي كل من جلالة الأمير وسيد العائلة مرافقة السيدة جلنار للخارج؟ فأنا سأغادر القصر خلال وقت قصير وأريد أخذ رأيها حول أمر تلك الطاقة الغريبة في الحديقة الخلفية".

بدا على وجه السيد أركستوراي في هذه اللحظة كم يمنع بنفسه بصعوبة من رمي إبنه بالسكين في يده، فإغماضه لعينه لوهلة وقبضته التي اشدت على السكين وشفتيه المزمومتين بدت لجلنار تمامًا كأوكتيفان طيلة الوقت عندما يفتح أحد الفرسان شفتيه بمصيبة.

"لما أرى شبه بينه وبين أوكتيفيان في هذه اللحظة؟" قال يوجين ينظر لكلاهما وكادت جلنار تنفجر ضحكًا لأفكارهما المتشابهة لذلك أومأت بخفة برأسها وهي تمنع ابتسامتها بصعوبة.

"ربما عليك ترك السيدة وشأنها لتكمل وجبتها، فهذه من أبسط الآدب سيد أندريس.." أشاح بوجهه نحو جلنار موجهًا حديثه نحوها قائلًا: "أعتذر عن تسرع ولدي وإزعاجه المستمر أنا حقـ.." أوقفته جلنار بسرعة فقد كان الفتى بالفعل تذكرتها المثالية للخروج وقالت: "لا داعي لشعور بالذنب سيدي، إن السيد أ.." توقفت عندما نسيت ما كان إسمه بينما نظر لها مضيق عينه وقد شعر لوهلة بالإهانة..

"أندريس يا حمقاء" صاح يوجين لتكمل بسرعة "السيد أندريس محق، أنا بالفعل في حاجة لتفقد أمر البوابة قبل أن يزداد الوضع سوء، نظرة مبدأية ستساعدني كثيرًا كما.." أشارت لأطباقها وأردفت شاكرة "لقد كانت الوجبة غاية في اللذة، لقد كان الفريق بالكامل في حاجة لها لذلك أنا ممتنة كثيرًا حتى هذه اللحظة".

كان كل من أوكتيفيان وجوزفين يحدقان بها بذهول يحاولان اكتشاف من أين ظهر كل هذا التهذيب فجأة وهي من كانوا ينتظرون قلبها للمائدة فوق رأس أحدهم في أية لحظة.

ويبدو أنهما ليسا الوحيدان المندهشان فكان أركستوراي يحاول أن يعرف كيف يمكن بحق الإله أن تكون هذه المرأة المهذبة هي ذاتها من أشعرته وكأن الموت يحوم في القاعة منذ وقت قصير.

لكن مديحها وطريقتها أثارت أستحسان شخصيته النبيلة والتي عادةً تتأثر وتحترم كثيرًا الأسلوب المهذب لذلك وجد نفسه يبتسم بكل احترام وأومأ لها قائلًا: "أتمنى ألا يشكل إبني أي إزعاج إذًا" دحرج أندريس عينه وتمتم "أراهن أنني الشخص الوحيد الممتع هنا" ولم يسمعه سوى يوجين الذي صفق قائلًا: "يعجبني هذا الفتى".

لذلك نهضت جلنار وشكرته مجددًا بأدب بدى مبالغ فيه من وجهة نظر من يعرفونها جيدًا، ولكنها كانت مستعدة لفعل أي شيء حتى تخرج من هنا، وعلى أية حال يبدو أن البقية باقون من أجل بعض التحلية ثم سيباشرون العمل، وهي نوعًا ما لا تجد الجلوس أكثر من هذا بهدوء يناسبها.

كانت ثونار تنظر نحوها متوسلة حتى تخرج معها، ولكن وجدت جلنار نفسها مضطرة لتضحية بثونار هذه المرة تحت نظرات أوكتيفيان المشبعة بالتهديد والوعيد، لذلك حركت الأخيرة شفتيها بشتيمة صريحة لتحرك جلنار شفتيها هامسة بـ "أسفة" ولكنها في الواقع كانت مستمتعة نوعًا ما.

"لا تدعي استمتاعك بالحرية ينسيك مع من قد يكون ثورك في هذه اللحظة" جلنار كانت تعرف بالفعل أن يوجين يحظى بواحدة من أكثر أيام حياته متعة، ولكن هذا المستوى من الحقارة كان يثير داخلها بعض الأحقاد على المستوى الشخصي.

"أليس شعور الحرية رائع؟" تساءل أندريس ممازحًا ما إن خرج كلاهما ولاحظ أخذ جلنار نفسًا وأخرجته براحة.

"بعض الأجواء الرسمية تشكل ضغط غير محبب لي" فسرت ليقول بدوره: "تقصدين جميع الأجواء الرسمية" ضحكت بخفة قبل أن تتفق معه بإيماءة من رأسها بينما يرافق كلاهما الآخر لخارج المكان، ولكنه وجد راحة في إيقافها والتوقف في طريقها قبل أن يقول بطريقة مسرحية "بما أننا في الخارج يمكنني تحية آنسة لطيفة مثلك بشكل مناسب، هل تعطيني شرف تحيتك آنستي؟" ارتفع حاجب جلنار بينما تراقبه يجلس على ركبة واحدة وقد مد يده نحوها وكادت تهتف باستنكار قائلة : أتمزح؟ ولكنها منعت نفسها.

"هل هو أحمق بالطبيعة أم أن الأمر اجتهاد شخصي؟" سأل يوجين وهو يراقب وضعية الأمير الغريبة وأرادت جلنار رفع كتفيها كإجابة.

"ألا يحي البشر بعضهم بهذه الطريقة؟" سأل بنظرة ضيقة لتجيب: "قبل ألف سنة ربما" زم شفتيه وأومأ بتفهم قبل أن يقول "إذًا أنا لا أبدو إلا كأحمق الآن؟" إيماءة من رأسها كانت كفيلة كإجابة ليتنهد وينهض على قدميه قبل أن تهرب ضحكات جلنار مما دفعه لضحك أيضًا.

"إذًا.. كيف يحي البشر بعضهم البعض؟" تمالكت نفسها وأخذت نفسًا قبل أن تمد يدها قائلة "فقط مصافحة بسيطة تكفي وزياده" حدق بيدها قبل أن تتسع ابتسامته ويصافحها في المقابل "أنتي تَروقين لي كثيرًا" قال مما دفع يوجين لضحك مجيبًا بدوره "سيروق لك أيضًا فأس أحدهم كثيرًا".

تحرك كلاهما يتمشى في الحديقة بينما أخذ هو دفة الحديث باستمتاع كبير قائلًا: "اعذري حماسي ولكن ليس من الاعتيادي أن يقابل أحدهم أسطورة حية كل يوم، لذلك قد أبدو مزعجًا بعض الشيء" لم تكن جلنار في هذه اللحظة تمانع صحبة تشتتها عن الذهاب كالحمقاء خلف أتريوس في كل مكان حتى تتأكد أن أمرأة ما لا تحوم حوله، فآخر ما تريده أن تبدو حمقاء تثيرها الغيرة، بينما هو في المقابل لم يحاول حتى التعبير عن مشاعره بصريح العبارة مرة.

لذلك حركت رأسها كإشارة منها أنها لا تمانع لا صحبته أو اسئلته "على الرغم من استمتاعي، ولكن حقًا أود أن تأخذنا جولتنا حيث تلك البوابة كما قلت في الداخل، أنا بحاجة لرؤية الأمر بنفسي" قالت ليصدر هو بدور أوه صغيرة ويتبعها بالقول "عملية!".

دحرجت عينها وصححت "بل أحاول الاستفادة من الوقت" لم يمانع وقال: "إذًا إن كنتي مصرة فأتمنى أن تجيبي على أسألتي قدر الإمكان بينما أرشدك للحديقة الخلفية" أقحمت كلتا يديها في جيوبها وقالت: "لا أمانع، هات ما عندك".

كان من المذهل بالنسبة له أن يقابل امرأة لا تأهبه بمكانته كأمير في العائلة الملكية، لا تخافه ولا تحاول البقاء لبقة ومهذبة قدر الإمكان، على رغم من معرفته أن الخطأ ليس الفتيات نفسهن بل القواعد العقيمة التي تحكمهن ولكنه كان يتوق للحصول على محادثة طبيعية مع شخص لا يتملقه أو يحسب حساب كل كلمة يقولها أمامه.

فحتى صديقه الوحيد، لم يكن من السهل التحدث معه براحة وقضاء الوقت بصحبته إلا بعيد عن أعين البقية، ففي النهاية من يملك الجرأة لتحدث بعدم رسمية مع الوريث الوحيد.

وجد نفسه ينهال بالأسئلة على جلنار عن كل ما يخص البشر وكلما لاحظ تقبلها لاسئلته بكل صدر رحب كان الحماس يأخذه أكثر وكانت إجابتها وطريقة وصفها للأمور تثير دهشته، فكانت تملك -في رأيه- مهارة غير عادية في كسب انتباه من حولها بطريقة شرحها للأمور، فأحيانًا كان يشعر أنه قادر على رؤية ما تصفه.

في المقابل كان المتملل الوحيد في هذه اللحظة هو يوجين الذي كان يبحث حوله عن أي شخص بإمكانه إضافة أي إثارة على هذه المشهد الممل من وجهة نظره.

"أين الثائر مهووس الفؤوس عندما أحتاجه؟" تمتم بينه وبين نفسه وهو يراقب ظهر الاثنين بملل شديد، لذلك لتبديد عن ملله أطال خطواته حتى جاور جلنار وقال لها "لما لا تسأليه عن شقيقته وعائلته؟ ربما نسمع شيء مثير للاهتمام".

في الواقع كانت الفكرة تدور في رأسها منذ البداية ولكنها أرادت منع نفسها قدر الإمكان، كان يزعجها ذلك الإحساس الذي يخبرها أنها تهتم بأمور أتريوس أكثر مما يهتم هو، فلم يكلف نفسه حتى بإخبارها عن وجود امرأة أخرى مهمة في حياته بينما ظلت هي تظهر حبها له كلما واتتها الفرصة.

وعلى الرغم من ذلك كانت فضولية حقًا، وجزء آخر أراد من شكوكها السيئة أن تتبدد لذلك عندما أجابت على سؤال آخر طرحه أندريس كانت تعرف أنه سيتبعه بصمت قصير يفكر في إجابتها ثم يفكر في سؤاله التالي، فاستغلت بدورها هذا الصمت قائلة: "أظن أنه دوري في إلقاء بعض الأسئلة" ارتفع حاجبه ببعض الاستغراب محاولًا التخمين ماذا قد يثير فضول شخص مثير للفضول بدوره.

"بالطبع يمكنني إخبارك كل ما تريدين" حركت عينها تنظر لكل شيء حولها عاداه تحاول ترتيب أفكارها وجملها حتى لا تثير الشكوك "أشعر ببعض الفضول حول.. عائلتك، أعني كعائلة ملكية" صفع يوجين مقدمة رأسه قائلًا: "إلهي أنتِ مقنعة حد الجنون".

قاومت بشدة دحرجة عينها وأولت أهتمامًا لإجابة أندريس الذي بدا مستغربًا قليلًا فسألها: "أحاول فهم ما تقصدينه بالضبط ولكنني أفشل في ذلك" أخذت نفسًا وحاولت الشرح قائلة :"أعني تبدون مختلفين قليلًا، فوالدك يبدو حازمًا ولكن شقيقتك.." سكتت ثوانٍ تحاول إيجاد وصف مناسب "هادئه ولكن غريبة! أما أنت على الرغم من دورك كرئيس للحرس إلى أنك أكثر أريحية ومليء بالطاقة لذلك… بدا الأمر غريبًا، أتمنى ألا تبدو هذه وقاحة مني".

جمع كلا يديه خلف ظهره ونظر أمامه يحاول التفكير في كيف بإمكانه إجابتها "في الواقع، والدي صارم لأنه مكانتنا في العائلة الملكية ليست ممتازة، فنحن نحمل نصف دماء ملكية، جدتي الكبرى كانت دوقة تزوجت من أمير، الأمير الذي بدوره لم يكن قريب من الدرجة الأولى للعائلة المالكة، لذلك بعد وفاته ورغم استحقاق الدوقة للقب الأميرة إلى أنها لازالت لا تحمل دماء ملكية لذلك.."

أشار إلى نفسه وأردف: "عائلتنا ملكية، ولكنها ليست دماء ملكية خالصة لذلك بالتأكيد هناك عائلات ملكية أكثر مقربة من الملك منا نحن، ويبدو أن ذلك لا يعجب والدي كثيرًا لذلك أنه يحاول أن يصل لطموحه بجعل عائلتنا أكثر…" حاول إيجاد المصطلح المناسب "ملكية ربما".

أومأت جلنار بتفهم ولم تحاول مقاطعته حتى يتمكن من قول كل ما عنده.

"والدتي امرأة تحب حياة الراحة والرفاهية، طالما نملك سقفًا عالي وخادمة وطعام شهي فهي لا تملك طموح أعلى وتفضل الاستمتاع بحياتها عوضًا عن محاولة اقتحام الحياة الملكية، أو حتى اقتحام خطط والدي نفسه" بدا وكأنه يقول جملته الأخيرة لنفسه لا لجلنار.

دحرج يوجين عينه وتأفف بملل "يارجل، أرجوك فلنصل للجزء الممتع من القصة" لم تفهم جلنار كيف لشاب يتحدث عن نفسه وعن عائلته أصبح قصة فجأة.

"أما أنا ففي الواقع بقدر ما تهمني أحلام وطموحات والدي إلى أني أفضل البقاء في منطقة وسط، لذلك ترأست حرس العائلة ولكنني أفضل التعامل بأريحيه بعيد عن عينه قدر الإمكان، فعلى سبيل المثال وهذا سر.." قال بطريقة يحاول إثارة حماسها فيها وهمس "أرأيت الأمير.." ابتسمت جلنار وأفسدت الأمر عليه قائلة: "أنتما أصدقاء في الحقيقة؟" سقط فك الشاب قبل أن يهتف "كيف بحق الله؟... هل تحدث عني؟" حركت رأسها للجانبين وأجابت "طريقتك التلقائية عند الترحيب به قبل أن تتمالك نفسك فضحتك نوعًا ما".

ارتفع حاجبه باستغراب فقد ظن أنه تمالك نفسه بسرعة ولكن يبدو أن ضيفته سريعة البديهة حقًا.

أعاد ابتسامته أومأ متفقًا قبل أن يقهقه قائلًا: "أنتِ محقة، كنا نستمتع كثيرًا ثلاثتنا، في الواقع لم نكن أنا وجوزفين على وفاق منذ البداية ولكن تمكن ألبرت بطريقة ما من جمعنا معًا، كان يملك شخصية اجتماعية ولطيفة حقًا، يعرف كيف يهيئ الأجواء بين الآخرين حقًا" لاحظت جلنار انخفاض قهقهاته حتى تحولت لابتسامة هادئة، لم تكن تعرف أنه يحارب غصته بشدة في هذه اللحظة.

بدأت تندم على سؤالها عندما تذكرت من هو ألبرت، لم تكن تعرف أنه صديق أندريس أيضًا والآن تشعر أنها أفسدت الأجواء.

ولكن على عكس توقعاتها أخذ أندريس نفسًا قبل أن تتسع ابتسامته مجددًا ويقول "لذلك أنا هو العضو الأكثر متعة في هذه العائلة، وعلى عكسي.. عزيزتي فينسيا" اتسعت ابتسامة يوجين صائحًا "وأخيرًا" فوجدت جلنار نفسها تنظر نحوه تلقائيًا بعدم تصديق، فقد كان الرجل يتحدث لتو عند صديق فقده.

"ماذا؟ أنا حزين لأجله بالطبع، ولكنني أيضًا في حاجة ماسة لمعرفة الأمر، أليس من المفترض أن تكوني الشخص الأكثر فضولًا؟" هتف يوجين باستنكار.

"فينسيا الأكبر عمرًا، لذلك والدي يضع آمال عالية عليها، لذلك هي نوعًا ما جافة وأكثر طاعة للأوامر، فقد أصبحت طلبات والدي أوامر بالنسبة لها، في الواقع لم تكن بهذا الانصياع في الماضِ، كانت تطمح لتصبح معلمة، لقد أحبت كثيرًا التعلم، حتى أنها سافرت مع الكثير من البعثات التطوعية خارج المدينة وحتى خارج المملكة كلها نحو ممالك أخرى في مبادرة لتعليم الأقليات التي لا يمتكلون فيها خدمات تعليم ورعاية صحية مناسبة".

تنهد وصمت لثوانٍ وبدت الصورة ترتسم لجلنار نوعًا ما "أحد تلك البعثات طالت كثيرًا، أمرها والدي بالعودة ولكنها أبت الانصياع لأوامره وظلت بعيدًا عن المنزل لدرجة ظننت أنها لن تعود ولكنها عادت فجأة يومًا ما.." سكت وبدا لجلنار كمن غرق في أفكاره وذكرياته فجأة.

"وها هي ذا، أصبحت فينسيا التي نعرفها" أضاف في النهاية بنبرة أكثر حيوية قبل أن ينظر لجلنار قائلًا: "لذا عائلتنا ليست مثيرة للاهتمام كثيرًا آنستي، إنها نوعًا ما أشبه بنمط متكرر، و.. أوه يبدو أننا وصلنا لوجهتنا بالفعل".

نظرت جلنار حولها، كان بإمكانها رؤية الجزء الخلفي من القصر، بنوافذه الضخمة وأبوابه الأصغر حجمًا من الأبواب الأمامية.

كانت الحديقة الخلفية لا تقل جمالًا عن الحديقة الامامية، تم الأعتناء بالحشائش وتعبيد بعض الممرات للمشى، بينما ينتهي كل ممشى بحديقة من الزهور الصغيرة، أو مقعدين يصاحبهما طاولة صغيرة، أو حتى أرجوحة لطيفة من الخشب وعلى جانب كل واحد شجرة متوسطة الحجم.

وفي نهاية الحديقة كانت هناك شجرة ضخمة أشبه بشجرة الصفصاف الباكي تمد الحديقة بمساحة شاسعة من الظل وهي أكثر ما جذب أنظار جلنار في المكان.

ولكن نصف الشجرة من الجهة اليسرى كان أشبه بأوراق سوداء وكأنها اوراق محترقة وكذلك مساحة من الأرضية بدت الأعشاش فيها ذابلة بشكل سيء "إنه المكان حيث رصدنا تلك الطاقة للمرة الأولى، الأمر أكثر من مجرد طاقة! فقد أصبح تأثيره مرأيًا على المخلوقات الحية من حوله" أشار أندريس حول البقعة التي حدقت بها جلنار بصمت.

في الواقع كان بإمكانها الإحساس بنوع آخر من الطاقة في المكان، باهت وشبه متقطع ولكنه موجود! 

"هل تشعرين بهذا أيضًا؟" سأل يوجين عندما لاحظ انعقاد حاجبيها الواضح لتومئ بخفة وقد بدا إحساس بالقلق يساورها.

صوت صفير خافت أشبه بزقزقة جذب انتباه كلاهما ليلتفتَ لمصدره حيث رفع أندريس يده ليحط فوقها طائر متوسط الحجم ذو لون أحمر ناري جاذب للنظر، يملك جناحين بطول جسده وجناحين آخرين أصغر حجمًا أسفل جناحيه الكبيرين، ذيلة الطويل التف حول ذراع أندريس بانسيابية ليربت الأخير على رأسه الذي زُيين بريش أحمر طويل ذو نهايات سوداء وكان أكثر ما يميزه حقًا تلك الأهداب الطويلة والسوداء.


"هذه هي أقدم صديق ليك، فوميسكا!" داعب منقارها الأسود الصغير لتغلق عينها باستمتاع "أفضل حافظة أسرار، وناقلة أخبار ورسائل أكثر مهارة" مدحها لتهز جسدها بريشها بفخر قبل أن ترفرف بجناحيها محلقة بعيدًا عن كف يد أندريس نحو جلنار.

التفت حول رأسها مرتين قبل أن تستقر فوق رأسها مثيرة قهقهة جلنار المستمتعة كثيرًا "أملك أيضًا أصدقاء مثلها على الإلترانيوس" قالت جلنار متذكرة كل من كارولوس وآركون مما دفع الحماس داخل جسد أندريس أكثر قائلًا: "أتقصدين تنين الشفق؟ ألم يكن ترويضك له محض إشاعة؟" 

"يبدو أن الأخبار تتناقل بين الكواكب أسرع من تناقلها بين المدن هنا" سخرت ليقهقه ولكن لازالت أثار الدهشة تعتلي وجهه.

عاد الطير هابطًا فوق كتف أندريس قبل أن تقترب من أذنه مصفرة بلحن معين دفعه لعقد حاجبيه، رفع عينه لجلنار وقال معتذرًا: "أيمكنك انتظاري هنا لبرهة؟ هذا استعداء سريع، لكنني سأعود فورًا حتى نتفقد الأمر معًا" أومأت جلنار قائلة: "لا مشكلة، يمكنني الانتظار".

شكرها بسرعة قبل أن يهرول بخطواته حيث بوابة القصر الأمامية ليتفقد لما قد يحتاجه النائب في هذا الوقت بالذات؟

"أخيرًا ذهب في حال سبيله.. وإن كان لفترة قصيرة" صاح يوجين بنفاذ صبر "إذًا هل نبدأ في عرض استنتاجات كل منا؟". كتفت جلنار ذراعيها قائلة: "ولما علينا استنتاج أي شيء؟ أيًا يكن ما حدث فتبًا لهما، إن لم يجد أنه من المهم كفاية إخباري بماضيه مع امرأة ما فلست مهتمة بمعرفته".

أخذ كلاهما يسيران حول الحديقة ببطء قبل أن يومئ يوجين باستحسان مصطنع ويقول:  "هل انتهيتي أيتها المرأة الحديدة؟ الان، كلنا يعلم أن رأسك مليء بآلاف الاستنتاجات والتساؤلات، لذلك التظاهر بالعكس لن يفيد، كما أنني أستفيد من هذا الوضع كثيرًا فلسبب ما أجد الأمر ممتع".

زفرت بتعب وقالت: "مليئة بالتساؤلات أم لا، لم أعد أهتم". رفع حاجبًا ووضع ابتسامة جانبية "إذَا تريدين إخباري أن الأمر لا يعنيك تمامًا؟" نظرت لعينيه مجيبة بثقة "إطلاقًا". اتسعت ابتسامته وأشار برأسه لشجرة الصفصاف خلفه وألقى سؤاله "حتى إن كان كلاهما يقف هناك في هذه اللحظة؟".

سقطت تعبير جلنار في لحظة ومازالت عينها مثبتة على يوجين فلم تجرؤ على النظر حيث أشار في ذات الوقت.

نعم، لقد كانت تحاول كبح نفسها منذ البداية، كان الأمر خانقًا، بل أشبه بثقل نتن يقبض على صدرها مع كل نفس تحاول أخذه، وبالرغم من محاولتها البائسة في تشتيت انتباهها والتصرف بطبيعية، إلى أن كل ما زادت محاولتها زادت أفكارها السيئة وزاد شعور العجز معه.

عينها اتجهت اخيرًا حيث الشجرة الكبيرة، وتحركت أكثر من خطوة تحاول رؤية ما يقصده يوجين، وكانت تملك أملًا صغيرًا يخبرها أنه يعبث معها ليس إلا.

لكنه كان محقًا!

كان كلاهما يقف تحت ظل الشجرة، ولم تستطع جلنار تفسير الأجواء بين الاثنين، أهي ودودة أم باردة وخالية من أي عاطفة كعادة أتريوس مع الجميع؟

كان من الواضح أن فينسيا هي المتحدثة في هذه اللحظة، بينما وقف أتريوس مكانه يستمع لها، لم يبدو الأمر بهذا السوء في الواقع، هكذا فكرت لوهلة ولكن جميع تلك الأفكار تحطمت عندما امتدت ذراع فينسيا والتقطت يد أتريوس الحرة بين كفيها.

لم يكن لطيفًا، الشعور الذي اختبرته لتو لم يكن كأي شيء آخر، ارتجاف شفتيها رغبتها في البكاء المصاحبة لرغبة قتل كلاهما في ذات اللحظة كانت غريبة عليها.

لم تحب الأمر، كرهته كثيرًا، ذلك الألم المتزايد داخل صدرها بينما تتذكر جميع المرات التي وقفت أمام أتريوس ممسكة بيده، وبدأت تتساءل إن كان يبتسم لفينسيا ذات الابتسامات اللطيفة التي كان يمنحها إياها.

"جلنار" نادها يوجين بحذر وقد شعر أنه ربما ارتكب خطأ سيء، لم تبدو بخير، خصوصًا ارتجاف شفتيها لم يكن ينذر أنها على ما يرام، توقع أن تغضب وربما تثير مشهدًا ما لغيرتها، فهذا ما كان يظن أن الفتيات تفعله عادة.

ولكن الوقوف والمشاهدة من مسافة بعيدة بينما تبدو كشخص على شفير التحطم، لم يكن شيء ينتظره بالتأكيد، لم يكن يعرف رغم أن جلنار تقع في الحب للمرة الأولى، لكنها لم تكن لتسمح بهذا الحب أن يسيطر عليها محطمًا كرامتها.

فقد كانت في قرارة نفسها تعلم أنه مهما بلغ حبها لأحدهم، فلن تقاتل لأجله مفتعلة مشهد مبتذل رخيص إن لم يكن هو على استعداد للقتال من أجلها منذ البداية.

في المقابل، وقف أتريوس ينظر لعيني فينسيا التي التمعت برجاء واشتياق واضح، لقد اعتاد يومًا ما رؤية هذه النظرات، ولكن هذه المرة كل ما يراه في عينها هو الخوف منه، لا يمكنه رؤية عكس ذلك مهما حدث.

"لا يمكنني إنكار مشاعري مثلك أتريوس" قالت تحدق بعينه قبل أن تنظر لكف يده بين يديها مردفة: "على رغم من مرور كل هذا الوقت رؤيتك مجددًا .." صمتت قبل أن تغمض عينها قائلة: "إلهي إنها تبعثرني بالكامل" رفعت عينها نحوه لكنه ظل ينظر ليده بين كفيها.

بهدوء انتزع يده تحت أنظارها الحزينة قبل أن يقحمها في جيبه وينظر نحوها قائلًا: "عليك التخلص من تلك المشاعر، لن تكون إلا عائق في حياتك فينسيا، ما حدث في الماضي عليكِ تركه في الماضي". حدقت بعينه بعدم تصديق وقالت بنبرة يغلبها الاستياء: "لا أصدقك! لا تحاول إقناعي أن ما كان بيننا لا يعني شيء لك لـ.." قاطعها بدوره "لم أقل أنه لا يعني شيئًا، أنا ممتن لوجودك يومًا في حياتي، ولكننا لم نخلق لبعضنا، الأميرة ستظل أميرة والوحش يظل وحشًا.." سكت لثوانٍ قبل أن يردف:

"لقد منحتني السكينة لفترة، لذلك أنا ممتن لتلك الفترة من حياتي، ولكنها انتهت فينسيا، كل ما كان قد انتهى، أتمنى منك التعامل مع الأمر على هذا النحو و.." حركت رأسها بعدم استيعاب وقالت بعاطفة واضحة: "ممتن! أهذا كل ما تملك؟ إلهي أتريوس أنت لم تتغير قليلًا، لقد اصبحت أكثر قسوة حتى".

صمت جال بينهما دفعها للهدوء قليلًا لتبتسم قائلة: "لقد ظننت أنني أعدت على صمتك الشبه دائم، ولكن لازل الأمر صعبًا بعض الشيء حتى بعد هذا الوقت". أخذ نفسًا بهدوء ولم يعقب على حديثها ولكن عينها اتجهت لمقدمة رأسه قبل أن تأخذ خطوة نحوه وتمد يدها نحو خصلات شعره.

انعقد حاجبه وابتعد بسرعة آخذًا نصف خطوة للوراء مسببًا ارتفاع حاجبها بدهشة. أدراكها للأمر جعلها تقهقه بخفة وتعلق قائلة: "لقد نسيت أنك تكره أن يمس أحدهم شعرك، أعتذر، لم يكن هذا مقصدي فهناك ورقة شجر هاربة فوق رأسك". أومأ قبل أن يبعدها عن شعره ويتمتم شاكرًا لها.

حدق بوجهها بصمت بلا تعبير لتتنهد قائلة: "لا أحاول إعادة إنعاش شيء قد انتهى منذ فترة ولكن.. لم أستطع مقابلتك مجددًا دون الحديث معك دون إيضاح …" سكتت قليلًا قبل أن تردف: "دون إيضاح تلك الليلة".

انقبض فكه بانزعاج حاول إخفاءه وقاطع رغبتها في الحديث قائلًا: "لا داعٍ، أخبرتك سابقًا، لك كامل الحق فما فعلتِ، لذلك لا داعِ للحديث عن الأمر" نظر نحوها بجدية مضيفًا "لينتهي الأمر هنا فينسيا، إن أردتِ سببًا لكرهي فأنتِ تملكين واحدًا بالفعل، لم أكن جيدًا لك ولن أكون، لذلك لتتوقفي عن التفكير فيما حدث وتابعي قدمًا في حياتك".

ظلت تحدق بعينه التي لطالما أحبتها ولكنها أثارت خوفها في ذات الوقت لسبب لم تكن تفهمه، وودت لو يتوقف الوقت في هذه اللحظة.

لكن أتريوس قطع نظراتها والتفت في نية الذهاب ولكنه توقف ما إن ألقت سؤالها بسرعة قائلة "أيعلم أحدهم؟".

أخذ نفسًا والتفت نحوها نصف التفاته قائلًا: "لا.. وأتمنى أن يظل الأمر كما هو" أومأت بسرعة وقالت بتأكيد حازم: "ماكنت لأخبر أحدًا.. ثق بي أنا فقط.." ابتلعت وحاولت تشجيع نفسها على إلقاء السؤال وعندما لاحظت التفاته مجددًا هتفت "أتريوس…"

أرادت سؤاله السؤال الذي ظلت تفكر فيه طيلة وقت بقائها معه، وحتى بعد اختفائهما من حياة بعضهما..

أكان يحبها حقًا؟

فتحت شفتيها بشجاعة ولكنها لاحظت عدم التفاته نحوها، بل بدا وكأن شيء ما حاز على انتباهه لذلك نادته مجددًا ولكن بدا كمن لم يسمعها.

تحركت خطوات بعيدًا عنه فقد كان ظهره يحجب رؤيتها، ولم يكن من الصعب تخمين صاحبة الهيئة التي وقفت على بعد أمتار منهم.

شعرت بالارتباك والاستغراب في الوقت ذاته وهي تلاحظ جلنار التي حدقت بأتريوس ولكن عندما لاحظت أنه رأها بدت كمن يريد الالتفات والذهاب.

"جلـ.."

"جلـــنـار".

 كاد أتريوس يناديها ولكن سبقه أحدهم مناديًا بإسمها بينما يهرول نحوها والابتسامة لا تفارق وجهه "إندريس؟" استنكرت فينسيا بنبرة غلبها الاستغراب، بينما ظلت نظرات أتريوس مثبته عليها وأكبر عقدة تشكلت بين حاجبيه.

عودة أندريس دفعت جلنار لتمالك نفسها بسرعة وإشاحة وجهها بعيدًا عن الاثنين حتى لا تجذب الانتباه لهما، وفي المقابل بدا رفيقها متحمسًا جدًا، فعلى ما يبدو أن الأخبار التي دفعته لذهاب كانت جيدة نوعًا ما..

"يسعدني إخبارك آنستي أن عائلتنا لبت طلبك بالفعل" قال منحنيًا بنبالة مبالغ فيها في محاولة لممازحتها، ولكنها لم تجد الرغبة حتى في الضحك وعلى الرغم من ذلك حاربت لوضع ابتسامة على شفتيها منعًا لإحراجه.

"ماذا تقصد؟" سألت بهدوء ليظهر بين أصابعه كرت أبيض اللون مجيبًا "وجدنا ضالتك، لم أكن أعرف أنك من طلب إيجاد هذا الرجل في المقام الأول، أنا سعيد أن مساعدي هو من عُيّن مسؤولًا" عقدت حاجبها باستغراب "أوجدتموه بهذه السرعة؟ لقد كان طلبي منذ.. وقت قصير!". ارتفعت ابتسامة غرور جانبية على ثغره وقال منهيًا جملته بغمزه "لا تستهيني بقوة عائلتي في التحقيق، ربما لسنا الأقرب للملك لكننا نملك مميزاتنا أيضًا".

التقطت الكرت الذي ذُكر فيه العنوان بالتفصيل لتومئ شاكرة أندريس وتقحمه في جيبها.

مال رأس أندريس قليلًا قبل أن ينحني بشكل شبه ملحوظ في محاولة لرؤية وجه جلنار وقال: "لا تبدين بخير؟ أقمت بإزعاجك كثيرًا؟" التفتت نحوه بسرعة وحركت رأسها نافية بشكل قاطع ووضعت ابتسامة كاذبة قائلة: "أنا بخير، لا تقلق، فقط يشغلني أمر تلك البوابة".

كان يوجين يراقبها منذ البداية بينما يعتريه الذنب والانزعاج من وضعها، كان يعلم أنها تحب الرجل! فقد كانت مشاعرها صريحة، ولكن لم يكن يظن أنها ستسمح أن يؤثر الأمر عليها لهذا الحد.

في الواقع طريقة تعاملها مع الأمر رغم أنها لم تفد متعته الشخصية إلا أنها حازت على إعجابه، كان يظن أن المرأة تدفعها الغيرة لأفعال جنونية، ولكن سيطرتها على نفسها حتى هذه اللحظة مثيرة للإعجاب، إلا أن الألم الذي تسببه هذه السيطرة كان مزعجًا وخانقًا للطرفين.

التفت اندريس من حولها واقفًا أمامها مادًا يده في دعوة لتمنحه يدها وقال: "ربما كان علي أن أرافقك كرجل نبيل وآنسة جميلة، لا كحارس أحمق يحادث صديقه، أعذري وقاحتي". كان من الواضح أن كل جمله وأفعاله بدافع المزاح ليس إلا، فلم تنطلي عليه كثيرًا كذبتها، وكانت شاكرة لمحاولاته في الواقع مما دفعها لقهقهة بخفة.

توقفت في ثانيه ما إن شعرت بخطر قادم من الجهة المقابلة، كان رد فعل غريزي دفعها لدفع أندريس بسرعة وأخذ خطوة سريعة للخلف.

حدق ثلاثتهم بالفأس الذي انغرزت مقدمته في الأرضية بأعين متسعة قبل أن يلتفتوا في ذات اللحظة لصاحب الفأس الذي سار نحوهم بخطى واسعة وتعبير متجهم.

"أجننت؟" هتفت جلنار ولكنه تجاهل إجابتها ووقف بينهم ملتقطًا فأسه ونظر لأندريس بتعبير بعيد كل البعد عن الأسف وقال: "أعذرني، انفلت من بين يدي".

حدق به أندريس في المقابل متذكرًا تلك الرغبة المرعبة الصادرة من هذا الرجل والتي شعرها في قاعة الطعام سابقًا، وهذا كان كفيلًا بإخباره بأن الاعتذار كله كذبة واضحة.

حدق الرجلان ببعضهما البعض وكان من الواضح أن أتريوس يختبر صبر الرجل ليس إلا، فقد بدا غير مهتم بالمرة بفكرة أنه كاد يبتر يد رئيس حرس عائلة ملكية.

ولكنه في النهاية وضع احد ابتسامته وقال: "لا بأس يا رجل، الحوادث تحدث طيلة الوقت، من الجيد أن جلنار تملك رد فعل سريع" قهقه في النهاية ناظرًا لجلنار التي ظلت تحدق بأتريوس بغضب مكبوت.

بينما ظل يوجين يبدل عينه بين أتريوس وأندريس وبدأت ابتسامته تنمو فقد وجد طريقة أكثر من رائعة للاستمتاع بهذه الرحلة والانتقام لصديقته في ذات الوقت.

"في المرة القادمة، اتمنى أن ينفلت فأسك في مكان آخر بعيدًا عن الآخرين". عض يوجين شفتيه وقد بدل وزنه من قدم لأخرى لشدة حماسه ما إن تدخلت جلنار أخيرًا جاذبة انتباه الاثنين بينما بطرف عينه لاحظ تقدم الطرف الرابع إلى هنا وهي تراقب الوضع بتوتر "هذه هي الأجواء التي أتحدث عنها" تمتم فاركًا كفي يده ضد بعضهما.

"أعلي أخذ رأيك في كل مرة أقرر سحب فأسي فيها؟" التفت نحوها أترويس وأخذ خطوة للوقوف أمامها لتأخذ خطوة بدورها قائلة: "أوه بكل تأكيد ستفعل سيد فلورمان" حدق الاثنين ببعضهما وعلى طرف لسان كل منهما ما بإمكانه بدء شجار يسمع صداه القصر بأكمله.

ولكن للمرة الثانية قرر الانسحاب عوضًا عن بدء شجار، ما أثار دهشة فينسيا التي تبدل عينها بينهم تحاول فهم هذه العلاقة الغريبة بكل تأكيد.

"لن تعصف ألى أي مكان أتريوس، لدينا عمل للقيام به" هتفت آمرة ما إن التفت متجاهلًا جدالهما في نية الذهاب.

أغمض عينيه لوهلة في محاولة لتمالك غضبه قبل أن ينظر نحوها قائلًا: "لا مانع لي في العمل، لولا أن القائدة بحد ذاتها مشغولة بالتنزه مع الأميرات الصغيرات". ارتفع كلا حاجبيها بعدم تصديق وقد ارتسمت ابتسامة عدم تصديق على شفتيها وفي المقابل بدأ أندريس المعروف بصبره الطويل يفقد حفيظته فكان من الواضح أن الإهانة تطوله.

"أسأنتظر منك محاسبة؟" اقتربت منه لتردف أمام وجهه بثقة "أنت خاصة آخر من يتحدث عن الأميرات أيها النبيل الصادق" كان من الواضح أن آخر لقبين ما هما إلا سخرية واضحة، أما هو فنعقد حاجبيه باستغراب محاولًا فهم ما ترمي إليه!

لم تترك له فرصة والتفتت نحو أندريس قائلة: "أيمكنك استدعاء بقية الفرسان على عجل أندريس؟ أظن أن على هذه المهمة الانتهاء بأسرع وقت". بدل أندريس عينه بينهما ولكنها أحنى رأسه بطاعة قائلًا: "بالطبع جلنار" قبل أن ينظر لشقيقته التي ظلت تحدق بأتريوس باستغراب كبير، أمسك أندريس بمعصمها جاذبًا أنظارها وأشار برأسه كإشارة لتتبعه دون اعتراض ولم تجد سببًا ترفض لأجله ولكنها كانت تعرف أنها ستتعرض لتحقيق سريع في طريقهما.

ما إن ذهب الإثنين تخطت جلنار جسد أتريوس متجهة للمكان الذي تركت فيه تلك الطاقة الغريبة أثارها على المكان، ولكن لم يترك لها فرصة ساحبًا معصمها وحدق نحوها بوجه متجهم لتدحرج عينها منتظرة منه محاضرة عن أسلوبها معه.

"لما بحق الإله يتحدث كل منكما للآخر دون كُلفة؟" 

سقط فك يوجين تمامًا كخاصة جلنار فهذا آخر ما توقع أي منهما سماعه "عفوًا؟!" لم تجد جلنار ما بإمكانها قوله غير هذا فلم تكن حتى متأكدة مما سمعته للتو "لما هذا التافه يتحدث معك دون ألقاب لعينة جلنار؟" ظلت تحدق بعينه تحاول إدراك مدى جديته…

"أتمزح معي؟" سألت على شفير الانفجار لكنه لم يبدو كمن يمزح "حسنًا، لما تناديك هذه المرأة دون ألقاب؟ لما كلما وقعت عيني عليك وجدتكما معًا؟ لما ناديت بإسمها منذ شهور بينما كنت محمومًا؟ ولما تمسك يدك دون اعتراض منك؟ لما وافقت على المجيء بسرعة إلى هنا؟" سحبت معصمها من بين يده بقوة ودفعت صدره بعنف مردفة "ولما بحق خالق الجحيم أخفيت عني وجود امرأة تهمك في حياتك وتصرفت معي طيلة الوقت وكأن مشاعري كلها مقبولة من جهتك؟" دفعته مجددًا وسط دهشته وذهولة هاتفة: "لما تستمتع بجعلي أظهر بمظهر الحمقاء البلهاء، بينما كل ما كان بإمكانك فعله هو رفضي منذ البداية بكل وضوح قائلًا أن هناك طرفًا آخر في حياتك؟".

وقفت تلتقط أنفاسها بغضب بينما كل ما فعله هو التحديق بوجهها بفاه مفتوحه يحاول ربط كل ما قلته الآن بسلوكها طيلة الوقت منذ البداية.

"لا يوجد طرف آخر في حياتي" قال بنبرة لا نقاش فيها لكنها زفرت بتعب قبل أتدلك رأسها بانزعاج كبير "بالطبع لا يوجد، أنت فقط تحب الهلوسة بأسماء نساء غريبات صدفة لأنهم لا يعنون لك شيئًا" بصقت مثيرة غضبه "متى بحق الإله هلوست بإسمها؟ وإن كنت فعلت، لقد قلتها بنفسك جلنار، كنت محمومًا وكانت هلوسة لعينة أي أنني غير مدرك لما أقول حتى".

"لا تعاملني كالحمقاء، ما كنت لتهلوس بإسم أحدهم ما لم يترك في حياتك أثرًا ما، وأثر قويًا أيضًا"

صاحت بغضب ليفقد أعصابه ويصيح في وجهها في المقابل قائلًا: "وكل ما خطر في بالك أنه أثر عاطفي؟ ألم تفكري

لوهلة ربما ترك هذا الشخص أثرًا سيء لدرجة تدفعني لتذكره بينما أعاني؟".

ارتجفت شفتيها لوهلة وشتمت كثيرًا اندفاع رغبتها في البكاء في مواقف كهذه، ما الذي عليها فهمه من حديثه؟ لم تعد تعلم كيف تتعامل مع كل هذه الأسرار التي تحيطه، بينما لا يترك لها خيطًا واحد تتمسك به من أجله، فحتى هذه اللحظة لا يبدو سوى كشخص يخاف كسرها، ولكن أيكن لها ذات المشاعر حقًا؟

ما إن لاحظ تبدل تعبيرها من الغضب لحزن واضح وقد لمعت عينها ابتلع بارتباك حاول اخفاءه قبل أن يلعن نفسه ويحاول التحكم بأعصابه قليلًا "جلنار أ.." لم يملك فرصة لإكمال جملته فعينه اتجهت للمجموعة المقبلة عليهم ليتنهد بانزعاج.

تمالكت جلنار نفسها ما إن لاحظت وجود البقية، لذلك قررت تجاهل مشاعرها وأتريوس في هذه اللحظة والمحاولة على الظهور طبيعية قدر الإمكان.

"أيمكنني معرفة لما تم استدعائنا على وجه السرعة؟" سأل أوكتيفيان ما إن وقعت عينه على جلنار مكتفًا ذراعيه، أشارت برأسها للمكان خلفها قائلة "الأمر يبدو لي أسوأ مما توقعنا، لذلك وجدت من من الحكمة أن نتحرك قبل أن يحدث شيء غير متوقع". اتجهت عينه للحديقة من خلفها ليرتفع حاجبه ببعض القلق ما إن لاحظ التأثير السيء الحاصل في المكان.

"أنتِ محقة، يبدو بالفعل أسوأ مما توقعت" ربت على كتفها مضيفًا "من الجيد أنك لاحظتي الأمر" قبل أن يتخطى جسدها

متجهًا للجهة الخلفية من الشجرة الضخمة ليتفقد الأمر.

كانت ثونار الوحيدة التي تبدل نظراتها بين أتريوس وجلنار مدركة أن شيء ما حدث بينهما بكل تأكيد لذلك تقدمت محيطة كتف جلنار قبل أن تقول ممازحة "هل أزعجك الهمجي مجددًا؟" نظرت نحوها جلنار متنهدة قبل أن تقول: "دعينا نتجنب الحديث عن أي همج في هذه اللحظة، أحتاج لك بكامل تركيزك وحذرك، فلسبب ما أشعر أن لسحر قوي علاقة بكل هذا".

وصلت رسالتها لثونار، لا رغبة لها حتى في المازح حول الأمر لذلك وجدت نفسها تحترم قرار الأخيرة وقالت: "لك ما تريدين ولكن إن احتجتِ أحدًا يشاركك في لعنه، فتعرفين أي باب تطرقين" ابتسمت جلنار ومالت نحوها هامسة "أعدك إذًا بمشاركتك هذه المتعة".

وافقت الأخرى بحماس قبل أن تمدد ذراعيها قائلة: "والآن لنرى ما لدينا هنا، بالفعل المكان يملك ذبذبات سحر سيئة، لم تكوني مخطئة، علينا أن نتبع الأحمق أوكتيفيان الذي اندفع وحده هناك" أومأت جلنار قبل أن تلتفت لكل من زوندي وجوزفين الذين وقفا يتبادلان حديث ما "قادمان؟" هتفت جاذبة انتباههم ليتقدم الاثنين معها.

ظل أتريوس يراقبها بينما يفكر كيف بحق الإله ترك الأمر يصل لهذا الحد، فقد كان عليه توقع أنها ستلاحظ بكل تأكيد، لم يرد لسوء فهم كهذا أن يكبر بينهما، شعر وكأن لأول مرة في حياته أنه في حاجة لتفسير كل شيء فعله أو قاله على الرغم من أنه لم يهتم يومًا بتفسير أفعاله أو إيضاحها.

تجهم وجهه ما إن لاحظ مجيء أندريس مع المجموعة أيضًا، التقت نظرات الاثنين لبرهة ويبدو أن هذه المرة لم يكلف أندريس نفسه بالابتسام فقد كان من الواضح أن الرجل يمقته، وربما كما يظن يمقت الجميع، فقد حذرته شقيقته من الاقتراب منه قائلة أنه رجل يملك مزاجًا عنيفًا وبررت وجودها في ذات المكان معه لإرشاده لمكان الحادث كما طلب هو منها.

تجاهل أندريس وجوده قدر الإمكان وتقدم مستغلًا غياب والده ودفع ظهر جوزفين بخفة ممازحًا ليبدأ في محادثته بينما يتبعان كل من جلنار وثونار في المقدمة.

بدأت تعبير ثونار تتبدل ما إن اقتربوا من الشجرة ملتفين من حولها "هذا سيء" تمتمت مثيرة انتباه جلنار التي سألت بدورها "ماذا؟" تفحصت المكان حولها بقلق واضح قبل أن تقول "سحر الظلام لا يسبب موت الحياة بهذه الطريقة، وقوة الإريبوس تحيل كل شيء لرماد لكن الأشجار والحشائش هنا كلها ميتة، ولم تتحول لرماد حتى".

"أوه تبًا" التفتو حيث زوندي الذي انكمشت تعابيره قبل أن يجلس على ركبة واحدة ممسكًا بمخلوق صغير ذو فراء صفراء ولكن كان جثة هامدة بلا روح، لون فرائه كان باهتًا وجسده بدا جافًا وكأن جميع سوائل جسده اختفت.

"لم تسبب البوابة التي وجدناها في الإلترانيوس هذا الضرر" علق أوكتيفيان قبل أن ينظر لجلنار مردفًا "لقد كانت سحر ظلام قوي ومن الصعب التحكم فيه وهذا ما أعطانا بعض الوقت لتجهيز قواتنا وجعل من الصعب على الإريبوس بالاحتفاظ بأي بوابة مفتوحة لمدة طويلة".

جثت ثونار على ركبة واحدة قبل أن تبسط يدها فوق الأرضية لتتحول عينها بالكامل للون أبيض بينما بدأت الحشائش الميته تحت كف يدها في النمو فجأة والإلتفات حول أصابعها وكفها.

"هل هذا طبيعي؟" همس أندريس مميلًا جسده نحو جوزفين الذي راقب ثونار بقلق ولكنه أجاب: "لا شيء يخصها طبيعي لذلك لا تقلق".

تجهمت تعبير ثونار بألم واضح قبل أن تسحب يدها بسرعة ممزقة أوراق الحشائش التي التفت حولها، قبضت كفها بقوة لتعود عينها للونها الطبيعي وتأخذ بدورها نفسًا مرتعشًا..

"ثونار.." 

كل من جوزفين وجلنار نادها بقلق لتنهض على قدميها قائلة: "الأمر أسوأ بكثير.." نظرت نحوهم وتابعت "هذا ليس فعل سحر الظلام وحده، قوة الظلام أيضًا موجودة" نظر كل واحد للآخر بلا فهم بينما ظل أتريوس مكتفًا ذراعيه يراقبهم بهدوء فقد كان استنتاجه صحيح كما ظن.

"ماذا تقصدين؟ أليس سحر الظلام جزء من الظلام؟" سأل جوزفين ليومئ زوندي كموافقة على حديثه "لا، الأمر مختلف، سحر الظلام كان سبب في وجود لعنة الإريبوس هذا أمر صحيح ولكنه من المفترض أن يكون منفصلًا عنه، فاللعنة تفاعلت مع قوى الإريبوس وحدها وما إن تصيب اللعنة قدرة ما فهي لا تتشارك مع غيره" حاولت إيضاح وجهة نظرها ليقفز لعقل جلنار ذكرى معينة من كتاب العمالقة..

السحر الذي تسبب في لعنتهم كان سحر ظلام لذلك لم يتمكن أحد من مساعدتهم ولكن..

"كما أن خواص قوى الإريبوس وحدها دون لعنة قوية، لذلك لا تندمج مع سحر أو أي قوة أخرى ولكن هنا.." أضافت ثونار قبل أن تنظر للمكان محاولة إيجاد تفسير.

"لحظة لحظة، أتحاولين القول أن سحر الظلام وقوة الإريبوس شكلا هذه الفوضى معًا؟" سأل أوكتيفيان باستنكار لتومئ ثونار قائلة: "أعلم أن الأمر يبدو مستحيل ولكن هذا يعني شيء واحدًا.." نظرت لجوزفين الذي بادلها النظرات مدركًا ما تريد قوله "لقد وجدوا طريقة لدمج القوتين معًا" قال ما كان على طرف لسانها لتومئ بصمت.

"هذا مستحيل" تمتم أوكتيفيان قبل أن يعيد تمتمته بصوت أعلى قائلًا: "هذا مستحيل، كيف بحق الإله أمكنهم دمج قوتين بهذا الدمار معًا؟" 

"ليس مستحيلًا" التفت الجميع لجلنار التي حدقت بالأرض وبدت غارقة في أفكارها "لقد رأينا الأمر سابقًا، ربما لم يصلو 

لنتيجة مثالية بعد ولكن.. أخر معركة قاتل كل واحد منكم على الأقل فردًا واحدًا من الليكان اللذين يحملون نوعًا من أنواع 

قوى الإريبوس".

رفعت عينها نحوهم "كانوا أشبه بنماذج غير مكتملة، متوحشة ولا تملك القدرة على التفكير وكأنها وجدت لغرض واحد وهو القتل، لقد وجدوا طريقة ولكنها ليست مستقرة أو مثالية.." سكت لوهلة قبل أن تضيف "حتى الآن".

كان عليها توقع الأمر سابقًا، هي بدورها تمكنت من العبث بلعنة ظلام عندما استطاعت هي وثونار علاج لعنة هارليك وإن كان علاجًا مؤقتًا، لم تعرف لماذا بالضبط تلك الوصفة كانت قادرة على هزيمة اللعنة ولكنها تمكنت من ذلك، وإن تمكنت هي وثونار في معمل سحري صغير من تحقيق ذلك فيمكن للإريبوس تحقيق ما هو أبعد.

"بالضبط كما قالت جلنار، لتبسيط الأمر.. عليكم رؤيته بنفسكم" قالت ثونار قبل أن ترفع كف يدها في الهواء ناطقة بتعويذة معينة وما إن أنهتها حتى شكلت موجة حمراء من الطاقة انفجرت من كف يدها ماسحة المكان بالكامل.

نظر الجميع حولهم في انتظار حدوث شيء ولكن لعدة ثوانٍ كان كل شيء كما هو.

"تبًا، ما هذه؟" التفت الجميع حيث ابتعد أندريس بعيدًا عن مكانه بخطوات محدقًا في السماء. بدت لجلنار تلك الطاقة التي ظهرت فجأة أشبه بثقب أسود يتشكل في الفراغ قبل أن يتقلص وقبل اختفائه يصدر موجة من الطاقة تمسح المكان فتزيد من الضرر على الأشجار والمخلوقات الحية الضعيفة.

بدأت أكثر من واحدة في الظهور حولهم، كانت بالفعل أشبه بنبضات تظهر وتختفي مخلفة موجة ضعيفة تؤثر على كل شيء ضعيف تلمسه.

كل واحد فيهم التفت حوله يحدق بتلك الفجوات الصغيرة التي تتشكل وكأنها على وشك تمزيق الفراغ ولكنها كانت أضعف من ذلك لذلك تختفي مجددًا.

بدأت تتشكل واحدة أمام وجه جلنار التي بدورها حدقت بها بتركيز تريد فهم كيف يعمل السحر والظلام معًا.

فكرة ما خطرت لها ولا تعلم لما لم تحاول حتى التفكير بها قبل تنفيذها، لكنها مدت يدها في محاولة للمس كتلة الطاقة الغريبة أمامها.

"جــلنــار" 

صوت أتريوس العالي دفعهم للاتفات بسرعة حيث وقفت جلنار، اتسعت أعينهم يشاهدون تلك الطاقة تتحرك بشكل غريب بينما بدات قوة أخرى تتادخل بين السحر والظلام، كانت طاقة صفراء يعرف الغالبية من مصدرها.

لم تكن جلنار مدركة لشيء سوى تلك القوة التي تدفقت من جسدها بسرعة مختلطة مع السحر أمامها وشيء فشيء شعرت بصلة غريبة، لم تبعد يدها لثانية رغم أصوات الجميع من حولها التي تأمرها بالابتعاد.

وكأنها ترى مصدر هذه الطاقة، أشبه بخيط رفيع أن سمحت لنفسها بتتبعه فستصل بالتأكيد لمصدر هذه الفوضى ولكنها لم تتمكن من ذلك عندما سُحب جسدها فجأة ووقف كل من أتريوس وثونار أمامها.

رفعت ثونار كف يدها بسرعة ملقية بتعويذة ما مسببة بتحرك طاقة جلنار المختلطة بالسحر بشكل جنوني قبل أن تنفجر في المكان ويختفي معها كل ثقب يشبهها.

"أجننتِ؟"

حدقت جلنار في الثلاثة الذين هتفوا في الوقت ذاته بغضب، كل من أتريوس ويوجين يحملون ذات التعبير الغاضب بينما ثونار حدقت بها باستنكار كأنها حمقاء.

"أنا..ما.." قاطعتها ثونار بعصبية "أتُدركين ما كدتِ تعبثين به؟ سحر الظلام المستخدم لفتح بوابات كهذه ليس أمرًا يمكننا العبث معه جلنار، مقدار كافي من تلك القوة كفيلة بتحويل أي شخص لجثة هامدة" لم تكن تعرف لما بحق الإله يتم تأنيبها بهذا الشكل لذلك قالت: "مازلتم تتذكرون أنني ابنة التوبازيوس؟ أليس كذلك؟".

"أبنة التوبازيوس أم لا، توقفي عن التصرف وكأن حياتك لعبة" التفت لأتريوس وأرادت حقًا مجادلته ولكن شيء في نظرته ونبرته الغاضبة بالكامل دفعها للتراجع، وفي الواقع لم يترك لها فرصة لأنه التفت بكل جدية نحو أندريس ملقيًا أوامره "عليكم وضع حراسة مشددة حول هذا المكان، وإخلاء الجزء الخلفي من القصر، لا تترك أحدًا يقترب من حدود الحديقة الخلفية حتى".

لم تكن هواية أندريس تلقي الأوامر، خصوصًا أن ملقيها ليس شخصيته المفضلة بين الموجودين ولكن الحدة والثبات في نبرته وطريقته كانت كفيلة بجعله يلقي بنظرة واحدة نحو جوزفين الذي أومأ برأسه متفقًا لينطلق فورًا لاستحضار وحدة حماية حول المكان وإخبار شقيقته بضرورة إخلاء الجزء الخلفي من القصر بالكامل.

"أهناك طريقة لإيقافها؟" سأل أوكتيفيان موجهًا حديثه لثونار التي كانت بالفعل تحاول التفكير في طريقة ما، تعويذة أو قدرة ما ولكنها تتعامل مع شيء غامض هنا، والتعامل مع ما لا تعرفه أسوأ مئة مرة مما تعرفه.

"لا أعلم حقًا، أنا في حاجة لفهم ما أتعامل معه هنا، أظن أنني بحاجة للعودة للإلترانيوس بشكل ضروري، أحد كتب تعاويذي ستكون مفيدة جدًا في هذا الموقف" دلك أوكتيفيان حاجبيه ببعض الانزعاج فالعودة مجددًا للإلترانيوس تعني الانتظار لساعات بسبب فارق الوقت "ألا يمكنك استحضار كتابك بالسحر؟" سأل زوندي لتدحرج عينها مجيبة "لست قوية لهذا الحد… بعد، كل ما يمكنني فعله هو استحضار ما أريد خلال مكان تواجدي أي نفس المملكة لا من كوكب آخر".

"سأذهب معك، عودتك وحدك سيثير تساؤل جلالة الأميرة لذلك من الأفضل منحها تقريرًا مختصرًا حول ما يحدث هنا" قال أوكتيفيان لتومئ ثونار موافقة ولكنه مسح بنظراته المكان بقلق واضح غير متأكد إن كان حقًا عليه ترك المكان في هذه الحالة والذهاب "لا بأس، يمكنك الذهاب والعودة دون قلق، سنعتني بالأمر هنا حتى عودتكما" قالت جلنار ما إن لاحظت قلقه لكنه حدق بها يفكر ماهي الطريقة المناسبة التي عليه إخبارها بها أن وجودها هنا مع هذا الكم الخطير من الطاقة ومع تسرعها وتهورها هو ما يثير قلقه منذ البداية.

تنهد وقرر دفن مخاوفه داخله والتحكم قليلًا في نزعة القيادة والتحكم التي تسيطر عليه وابتسم أحد ابتسامته الصغيرة قائلًا: "أعتمد عليكم إذًا" قبل أن يلتفت لجوزفين ويضيف "سأترك على عاتقك تفسير ما يحدث لسيد العائلة والتأكيد على أهمية الابتعاد عن الحديقة الخلفية بالكامل حتى نجد حل آمن".

"اترك الأمر لي" أجاب جوزفين بثقة، فالتعامل مع آل أركستوراي لم يكن يومًا مشكلة بالنسبة له.

ألقى أوكتيفيان عليهم نظرة أخيرة قبل أن يلتفت لجلنار "لا تقدمي على فعل متهور جلنار روسيل، حاولي كبت نفسك قدر الإمكان" كتفت ذراعيها وحدقت به بتملل ليرفع يده مستسلمًا ويتمتم "أذكرك فقط".

اندفعت من حولهم قوات حرس العائلة فجأة، في صفين منظمين قبل يبدأ كل واحد من الحرس في أخذ مكانه بثبات بينما وقف أندريس على رأسهم يقوم بتوزيعهم وقيادتهم.

اتجه نحوه كل من أوكتيفيان وثونار طالبين مركبة بإمكانها إيصالهم لأحد المعابر، وعندما حاول أندريس اكتشاف لما بالضبط أشار أوكتيفيان نحو جوزفين قائلًا أنه سيفسر كل شيء فلا داعي لإضاعة الوقت.

وقفت جلنار في مكانها يجاورها يوجين يحاول فهم ما تفكر فيه، بينما كانت هي تحاول التركيز للمرة الأخيرة لترى إن كان بإمكانها اكتشاف مصدر تلك الطاقة مجددًا.

أغلقت عينها وحاولت استخدام قدرتها على قراءة الفراغ "جلنار، أيًا يكن ما تحاولين فعله، توقفي!" هتف يوجين ثم أردف "لقد حذرك الرجل منذ خمس دقائق فقط".

عقدت حاجبيها منزعجة من صوته الذي يمنعها عن التركيز لذلك أخذت نفسًا وحاولت منع كامل حواسها ووضع كامل طاقتها وتركيزها على قدرتها..

كانت تفاصيل المكان ترتسم أمامها كخطوط بيضاء على صفحة سوداء، ولكن بعض الخطوط، بعض أشكال الحياة كانت تتشوه وتلتوي تحت تأثير الطاقة البشعة التي تحيط بالمكان، النبضات التي أظهرتها ثونار بدأت تظهر لها ولكن بشكل آخر..

كانت كصفحة ممزقة بين عالمهم وعالم آخر، أشبه بخطوط مشوه ولكنها تتشابك معًا، تلك النبضات تتشابك معًا بخطوط خفيفة وضعيفة، تختفي وتعود ولكن أحدها بدى قويًا، كان خطًا واحدًا من الصعب ملاحظته ولكن ما إن تراه من الصعب عدم ملاحظته مجددًا.

كان يتصل بكل فجوة وأخرى بشكل تسلسلي، وكلما تتبعته جلنار شعرت بحاجتها لتحرك حتى لا يضيع أثره، ولكن كلما اقتربت كلما بدأت الصورة تتشوه، الخطوط تختفي وتتشابك وكأن عطلًا أصاب قدرتها ولكن ذاك الخيط القوي الذي يصل كل شيء ببعضه كان سليمًا..

كل ما هي في حاجة له التركيز فحسب..

ولكن لم يدم الأمر طويلًا فقد أجفل جسدها بقوة وفتحت عينها على مصرعيها عندما جذب أتريوس معصمها بسرعة لتأخذ نفسًا قويًا.

رفعت عينها بارتباك تنظر نحوه، ممسكًا بمعصمها ويده الأخرى أمسكت كتفها بينما عينه مثبته على نقطة وهمية خلفها وبدا لوهلة مشتت ولكنه تحول لآخر غاضب في ثوانٍ..

"لما تتصرفين بحماقة دائمًا؟" حاول التحكم في مستوى صوته حتى لا تعطيه رد فعل عكسي "أنا لم أكن أحـ.." قاطعها دون اهتمام "أنتي ستقتلين نفسك، نحن لا نعرف كيف يمكن لطاقتك التفاعل مع ما يحدث جلنار لذلك لأجل الإله ابتعدي عن المكان حتى عودة كلا الاثنين".

كانت على يقين أنه يشعر بشيء ما، شيء كادت تصل له خلفها، شيء ربما لا يتمكن أحد من استشعاره سوى إريبوسي لذلك ألقت نظرة سريعة خلفها وقررت عدم سؤاله عن الأمر.

"أيمكنك تحرير معصمي؟" رفعت معصمها الذي التفت قبضته حوله ولكن عينه ظلت مثبتة على وجهها "نحن بحاجة للتحدث" قال مثيرًا التوتر داخلها.

"أعتذر على التدخل ولكن.. أسنظل هنا ام.. لا أعرف، نعود للقصر ربما" قال زوندي الواقف خلفهما وقد نسي الاثنين وجوده بالكامل.

سحبت جلنار معصمها وعينها معلقة به مجيبة زوندي "سنعود للقصر، فقد بدأ الظلام يحل بالفعل" قبل أن تتخطى جسده نحو القصر.

هرول زوندي بخطواته يجاور جوزفين سابقًا الاثنين خلفه وهمس قائلًا: "ما خطبهما؟" رفع الأخير كتفه وأجاب "السؤال هو: متى لم يكن هناك خطب بينهما؟" توقف قليلًا يفكر في إجابته قبل أن يتمتم "أنت محق".

"تعلمين أنك ستواجهينه شئت أم أبيت" صرح يوجين مشيرًا بإبهامه نحو أتريوس خلفها لتتنهد وتهمس "لم أرفض مواجهته، ولكن لا أظن أن هذا هو المكان المناسب" حدق يوجين بعدم تصديق واضح وتمتم "بالطبع هذا هو السبب" دحرجت عينها هامسة "توقف عن إغاظتي" رفع كتفيه قائلًا: "كما تريدين" قبل أن تتجه عينه نحو أندريس الذي تحرك مقتربًا من جلنار، والتفت يراقب أتريوس الذي لم يرفع عينه عن جلنار ونظرة استغراب كبيرة على وجهه لم يفهم يوجين سببها ولكن شفتيه ارتفعت بابتسامة خبيثة.

ظل أتريوس يحاول فهم أكانت شفتي جلنار تتحرك تلعنه أم أنها فقط تهمس لنفسها بأشياء لن يفهمها ولكن تحول هذا الأمر لآخر اهتماماته عندما لاحظ تقدم أندريس من جلنار وتلك الابتسامة التي يرغب بشدة في لكمها تعلو وجهه.

راقب سيره بجوارها وتكاد المسافة تنعدم بينهما بينما رفع يدها مربتًا بها على كتفها مقهقهًا مما دفع يده للقبض على ذراع فأسه يحارب فكرة سحبه وفصل يد الرجل عن ذراعه في هذه اللحظة.

لم يكن مدركًا لمراقبة يوجين المستمتعة للحدث كاملًا، ولأن الأمر بدا له غير كافيًا التف للجهة الأخرى من جلنار قبل أن يدفعها بكتفه مسببًا تعرقلها وكرد فعل إرادي التقط أندريس يدها بسرعة محتضنًا ذراعها حول ذراعه والتفت يده الأخرى حول خاصرتها لمنع وقوعها وهي بدورها تمسكت به بصدمة غير مدركة ما حدث في ثانية.

"ليبدأ العرض" هتف يوجين لتلتف نحوه جلنار بسرعة وصدمة وسط تساؤلات أندريس القلقة إن كانت بخير.

لكن في هذه اللحظة كان أحدهم قد نال كفايته من هذا الوضع، لذلك ضرب بكل أفعال العقلانية والصبر عرض الحائط وانطلق ممسكًا بمرفق جلنار يسحبها من بين يدي أندريس، وقبل أن يدرك أحدهما ما يحدث حتى ليعترض، وجدت جلنار جسدها يُرفع عن الأرضية قبل أن يُلقى فوق كتف أتريوس وسط أنظار أندريس المذهولة.

"عد لفرقة حراستك اللعينة، واعتني بشؤونك". كان أتريوس قريب من أندريس كفاية محدقًا بعينه بغضب لم يحاول إخفاءه الآن.

وفي هذه اللحظة أصبحت كراهية الرجل الغير مبررة لأندريس مفهومة بالكامل، لذلك أغلق فمه على الرغم من اعتراضات جلنار الواضحة التي لكمت ظهره بينما تحاول ركل معدته تأمره بوضعها أرضًَا.

"تبًا لك أتريوس فلورمان، ضعني أرضًا حالًا" صاحت بغضب قبل أن تردف: "أقسم بالإله سأحطم وجهك أيها الغبي" لم يبالي بتهديداتها المستمرة وأكمل طريقه نحو قصر الضيافة وتبعهما يوجين بحماس شديد وضحكاته تملأ المكان.

"أتريوس، حبًا في الله تعقل، أنا قائدة الفرسان، لا يمكنك التصرف معي على هذا النحو في مكان كهذا" حاولت محاورته بالمنطق بينما تمسك بقميصه وتدفع جسدها بعيدًا عن كتفه في محاولة فاشلة ليتركها.

دفع جسدهًا مجددًا ليعتدل فوق كتفه وأجاب حانقًا "تبًا للفرسان وتبًا للقصر بأكمله" لكمت ظهره مجددًا بقوة وصرخت فاقدة أعصابها "ضعني أرضًا حالًا، أتــــريـوس" لم يبالي بنوبة غضبها وأكمل طريقه متخطيًا جسد جوزفين وزوندي الذي سقط فك كلاهما وهما يحدقان بالثنائي بأعين متسعة.

"أعلينا التدخل؟" سأل جوزفين زوندي لتصرخ جلنار "بالطبع عليكما، أفعلا شيئًا ما" نظر نحوها زوندي وقد شعر بالخوف من نوبة غضبها أكثر من خوفه غضب أتريوس وأجاب "لا أظن ذلك، في النهاية يمكنها القتال أفضل من كلانا".

أخرجت صيحة غاضبة وحاولت ركل معدته "تبًا لك أيها الهمجي، وتبًا لك أيضًا أيها السافل.. يــوجـــين" بالنسبة لأتريوس في هذه اللحظة لم يكن يهتم حتى بمعرفة ما تقول وعلى من تنادي أما يوجين فقد كان يتراقص بخفة وكأن صراخها لحنًا ممتعًا.

"أعلم أني سأدفع ثمن أخطائي لاحقًا، لكن هذه طريقتي في إظهار دعمي لعلاقتك حتى وإن كنت أكرهها" قال ولكنها لم تكن تستمع له حتى فكل ما كان يهمها هو الإفلات من بين يدي أتريوس قبل أن تصبح أضحوكة القصر بالكامل.

ما إن دلفو للقصر كانت فينسيا برفقة خادمتين أول من قابل هذا المشهد الغير معتاد، تجمدت مكانها تحدق بهما بعد تصديق بينما لعنات وشتائم جلنار يتردد صداها في القصر كله..

"أتر.. سيد فلومان!" هتفت باستنكار لفعلته ولكنه تجاهلها وتخطاها نحو غرف الضيوف..

"لا تلقي لهما بالًا، هكذا يتواصلان عادةً، فعلاقتهما غريبة نوعًا ما" برر جوزفين لتنحني فينسيا احترامًا ولكن مازال الذهول واضحًا جليًا على تعبيرها تحاول إدراك ماذا يعني جوزفين بكلمة علاقتهما؟

"أتمنى أن تخطري السيد أركستوراي برغبتي في مقابلته حالًا آنسة أركستوراي، سأبدل ملابسي وأعود معك لمقابلته" أضاف جوزفين لتتمالك نفسها وتومئ له قبل أن توقف أحد الخدم بسرعة وتأمره بالتوجه بالرساله لوالدها.

"سأنتظر جلالتك في الردهة" قالت ليومئ جوزفين ويتجه لجناحه بينما انحنى زوندي بدوره كتصرف لبق لاحقًا بجوزفين.

وقفت فينسيا مكانها تحاول ربط كل ما رأته وشهدته حتى الآن منذ مجيء هذين الاثنين حتى هذه اللحظة، جميع تصرفات أتريوس التي لم تتوقع حتى رؤيتها في أجمح أحلامها تحدث مع شخص واحد منذ بمجيئه، بدا الأمر وكأنه أتريوس الذي تعرفه مع سائر الموجودين ولكن عندما تتواجد تلك المرأة في الغرفة يصبح شخص مختلف تمامًا.

"أتظنين أن هناك شيء بينهما؟".

"أظن؟ إلهي ألم تري كيف حملها؟ أليس هذا مثيرًا جدًا؟ قائدة الفريق والفارس القوي المنطوي، إلهي أتمنى أن يبقوا في القصر لفترة أطول".

تصلب فك فينسيا بينما صكت أسنانها ضد بعضهما وهي تسمع الخادمتين يتبادلان النميمة بينما تقهقه كل منهما بحماس كالمراهقات، بدا لها أن تلك الأحاديث إن لم تسيطر عليها الآن قبل لاحقًا ستنتشر في أرجاء القصر، ولن يكون هذا جيدًا لسمعة الفرسان.

"أظن أن تبادل الأحاديث عن ضيوفنا ليس سبب توظيفنا لكما" كانت نبرتها هادئة ولكن الصرامة في صوتها كانت كفيلة بدفعهما لتوقف بسرعة والانحناء باحترام بينما اعتذرت كل واحدة مهما "إن سمعت كلمة واحدة بخصوص ضيوفنا فلن أترك واحدة منكن تعمل في هذا القصر لساعة واحدة أخرى" نظرت نحوهما بحدة بينما لم تجرؤ واحدة على رفع عينها لتعتذرا مجددًا قبل أن تصرفهما فينسيا.

….

"أتريد مني قتلك؟ أجننت بحق الله؟ من تظنني؟ لست تلك الفتاة الحمقاء التي بإمكانك جرها في كل مكان كما اعتدت أن 

تفعل، أنا قائدة هذا الفريق أيها الهمجي، كيف لك التعامل معي بهذه الطريقة".

وقف مستندًا ضد الجدار مكتفًا ذارعيه في منتصف ممر غرفهم بينما يراقب نوبة غضبها التي ترتفع بينما تفرغها بالكامل عليه، ولا يعلم لما لكن مراقبتها تقطع الممر ذاهبًا وإيابًا ملوحة بيدها بعشوائية ثم تتوقف توجه شتائم له قبل أن تعود مجددًا لتلويح والسير غاضبة كانت تدفعه للابتسام، وكان بالفعل يحاول كبت هذه الابتسامة حتى لا تنفجر في وجهه محولة الممر لجحيم حي، فهو متأكد أن عينها أصبحت قرمزية هذا اليوم أكثر من أي يوم سابق.

وقفت في وجهه تشير بإصبعها نحو صدره بينما تنعته بألقاب كمتوحش ومتهور وهمجي ولكن كل ما جذب انتباهه هو العرق النابض في منتصف جبهتها والذي لاحظ للمرة الأولى بروزه عندما تغضب بشدة.

بجانبه وقف يوجين ذات الوقفة تمامًا مستندًا على الجدار يراقب ثورة جلنار يحمد الإله أنه خفي، ولكنه يعلم أنه سينال نصيبه ما إن يُغلق عليهما باب وحدهما.

أجفل عندما اتجهت عين جلنار له فجأه واتسعت عينه قائلًا: "تمالكي نفسك يا امرأة، إن قمتِ بشتمي الآن فالرجل لن يظن بك الجنون بل سيتأكد من إخفائك لشيء ما" كادت أسنانها تتحطم لقوة ضغطتها عليهما فوجدت نفسها توجه لكمة لصدر يوجين الذي بكل تأكيد تأكد من الحفاظ على هيئته الغير ملموسة لتصيب لكمتها الجدار مسببة تحطم جزء منه وكل ما كان ظاهرًا لأتريوس هو امرأة فقدت عقلها تحاول تفريغ غضبها على الجدار عوضًا عنه، ولسبب ما شعر بالأسى على الجدار قبل أن يفكر إن كان وجهه هو التالي أم لا.

"إلهي، ماذا يحدث لكما؟".

تدخلت واندر مهرولة بعد سماعها الأخبار التي تداولتها الخادمات عن حظر الجزء الخلفي من القصر لتجد هذا المشهد أمامها.

نظر أتريوس لواندر وأشار لها بالصمت حتى لا تثور جلنار أكثر، لكنه تأخر لأن جلنار نظرت لواندر قائلة: "ابنك المجنون يظن أنه يملك كل من حوله لذلك بإمكانه التصرف كما يريد، رغبتي في لكم وجهه الغبي أكبر من رغبتي في قطع رقبة ألفن في هذه اللحظة" ظلت واندر تحدق بهما بفاه مفتوحة جراء الصدمة قبل أن تلتفت لأتريوس بنظرات غاضبة "ماذا فعلت هذه المرة؟"

ارتفع حاجه وقال بهدوء: "لما أنا الملام كل مرة؟" التفتت نحوه جلنار صارخة "أعذرني أيها المظلوم، فأنا من حملتك على كتفي أمام القصر بأكمله لأن الأميرة اللطيفة حاولت مساعدتك عندما كدت تقع بسبب .." كادت تشتم يوجين ولكنها كتمت غيظها منه في اللحظة الأخيرة مخرجة صيحة يأس.

"سأقتله يومًا ما واندر، سأقتله" قالت من بين أسنانها قبل أن تلتفت مبتعدة في نية الخروج من المكان بالكامل قبل أن تكسر عظمة أو اثنتين.

في المقابل وقف يوجين يبدل أنظاره بين جلنار وبين واندر وأتريوس في حيرة يقرر مع من عليه البقاء، خيار الذهاب مع جلنار في هذه اللحظة يهدد حياته في وجهة نظر -على الرغم من أن لا حياة له- ولكنه يشعر أنها قادرة على إعادة جسده بهذا القدر من الغضب ثم قتله مجددًا.

وفي المقابل كل ما سيسمعه من واندر وأتريوس هو والدة تحاول تأنيب رجل كبير، وكان هذا ليكون مشهدًا مسليًا ولكن شيء ما اخبره إن لم يتبع جلنار في هذه اللحظة قد تقتل أحدهم أو الأسوء، قد تقتله هو عندما تلاحظ اختفائه لذلك حلق بسرعة يتبعها في محاولة أخيرة للحفاظ على نفسه.

كتفت واندر ذراعيها تنظر نحوه بغضب واضح، ولكن بالنسبة له كان راضيًا كفايه بإبعاد ابتسامة الأمير الحمقاء تلك عن طريق جلنار، لذلك تثاءب ومدد ذراعيه قبل أن يتجه لغرفته بهدوء.

تبعته واندر ودفعت الباب من خلفها لإغلاقه بينما ألقى هو جسده فوق السرير براحة "ألن تتوقف عن تصرفاتك تلك" نظر لواندر بكسل وقال بكل بساطة "لا".

كانت قد وصلت حدها لذلك أمسكت بالتحفة الخشبية بجوار يدها وألقتها نحو وجهه ليلتقطها بسرعة قبل أن تصيب وجهه ويتمتم "من الجميل العيش وسط نساء يحاولن قتلك" تحركت واندر واقفة بجوار سريره قائلة: "اجلس وتحدث معي كالأشخاص الطبيعيين" تنهد قبل أن ينهض معدلًا جلسته وينظر لواندر قائلًا: "ماذا الآن؟"

حدقت بعينه لتأخذ نفسًا وتقول: "لما وافقت على المجيء؟" عقد حاجبيه غير مدرك لما تشير لتفسر "أنت هنا لرؤية فينسيا، أليس كذلك؟ لكنني لا أفهم لماذا؟ هـ.." قاطعها وقد طفح به الكيل "إلهي واندر، لم تكن السبب حتى" لم تستمع له وسألت "أكنت تريد التأكد من مشاعرك اتجاهها؟ ألازلت تظن أنها تكن لك شيئًا"

نهض من مكانه بغضب وهتف "واندر حبًا في الله لما سأهتم بأمر كهذا؟" فقدت صبرها لتصرخ في وجه 

"لأنها كانت زوجتك أتريوس!".

نظرت حولها تحاول إيجاد كلماتها "الطريقة التي انتهت بها الأمور بينكما.. لا أعلم وكأنك ربما لم تحصل على خاتمتك لذلك عدت للحصول على تلك الخاتمة، ربما لسماع تفسير أو.." رفع رأسه للسماء مغمضًا عنه وقد نفذ صبره ليصيح:

"أنا هنا لأجل جلنار!".

توقفت عن الحديث وحدقت به بذهول لكنه تابع غاضبًا "ألا ترين كيف تتصرف؟ وقد كنت محقًا! كلما تركناها وحدها دون مراقبة تستخدم قدراتها وتتفاعل مع كل عدو أو طاقة خطرة وكأنها نزهة لعينة، أكنتِ تريدن مني تركها تذهب حيث من المحتمل وجود بوابة تصل بينها وبين الإريبوس وحدها وأبقى مستلقيًا فوق ظهري لأنني أكسل من الذهاب للمهمة؟"

دلك جبينه يشعر بالصداع يتمكن منه قبل أن يمسح وجهه متخطيًا جسد واندر ولكن ما لبث حتى عاد قائلًا بذات الانفعال "فينسيا تلك فينسيا ذاك، واندر أنتِ الوحيدة التي تتعامل مع الأمر وكأنه لم ينتهي، بالنسبة لي فما حدث في الماضي قد حدث، لقد انتهى كل شيء بيننا، سواء كانت نهاية جيدة أم سيئة.. لقد انتهت" أخرج آخر كلمتين من بين أسنانه مؤكدًا عليها..

"هل أبدو لك كشخص مهتم بخواتم الأمور واندر؟ في اللحظة التي فرت هاربة بعدما بلغت السلطات كانت تلك خاتمتي واندر، كان هذا هو السطر الأخير الذي كنت في حاجته لأختم القصة كلها لذلك أرجوك واندر.."

تحرك نحوها ممسكًا كفي يدها وأردف "أرجوك تعاملي مع الأمر وتقبليه، توقفي عن الشعور بالذنب فلم يكن خطأك يومًا، لم يكن خطأها أيضًا، فقد وافقت على الزواج من إلترانيوسي لا إريبوسي، لم تكن يومًا مضطرة للبقاء مع ملعون مثلي لذلك تقبلي الأمر فحسب، لقد انتهى هذا الزواج منذ فترة طويلة حتى وإن ترك أثرًا سيئًا فلا شيء أكنه لها، لم أتردد لثانية واحدة في المجيء من أجل جلنار ليس إلا".

حدقت بعينه تستشف الصدق في عينه بشكل كبير، رطبت شفتيها بارتباك وقبل أن تفتح فمها وقعت عينها على باب الغرفة لتتجمد في مكانها.

انعقد حاجبيه مستغربًا ما إن لاحظ فزعها "وانـ.." لم يكمل كلمته لأنها هتفت بسرعة بأنفاس مقطوعة "جلنار!".

تجمد في مكانه وتلك كانت المرة الأولى في حياته التي يشعر فيها بهذه المشاعر، وكأن قلبه توقف لوهلة والاستدارة لمواجتها كانت أصعب قرار في حياته.

التفت لتصدم عينه بأعينها المتسعة بينما تحدق بها بصدمة واضحة، وسؤال واحد يتردد في بال كل منه هو وواندر..

منذ متى كانت هنا ولأي مدى سمعت من حديثهما؟

"جلـ.." ترددت واندر لا تعلم ما عليها فعله وقد ارتجفت يدها بشدة.

"ماذا تقصد بقولك أن الزواج قد انتهى؟" 

أصدر يوجين صفيرًا قبل أن يتمتم "زواج! هذه ورطة لا يمكن أحد إنقاذك منها".

في هذه اللحظة لم يعرف أتريوس إن كان عليه إلقاء جسده -الذي بالكاد يمكنه التحرك- على الكرسي والتنفس براحة، أم التفكير كيف عليه تفسير أمر زواجه.

واندر لازالت تحاول استيعاب سؤال جلنار، شعرت برغبة البكاء تتصاعد داخلها فقد كان الامر وشيكًا، شريط من الأحداث كان يمر أمام عينيها وقد شعرت أنه سيكرر مجددًا الفارق الوحيد هو تأخر جلنار بدقائق مما منعها من سماع الجملة التي تنهي كل شيء عن هوية أتريوس.

حدق الاثنين بها وحدقت بهما في المقابل بصمت دام بين ثلاثتهم لتقطعه جلنار أخيرًا بسؤالها "أكنت متزوجًا؟.. لا لا لحظة! أكانت تلك المرأة زوجتك؟" ابتلعت واندر ونظرت لأتريوس تحاول قراءة ردة فعله ولكن يبدو أن جلنار قد انتهت من هذه المسرحية لذلك التفتت دون سماع إجابة وصفعت الباب خلفها.

ظل يحدق في الباب يحاول تجميع افكاره لتوقظه صفعة واندر على كتفه وهي تصيح به "إلحق بها أيها الغبي، حالًا".

أومأ قبل أن يهرول بسرعة خارج الغرفة وما إن خرج حتى سقطت واندر فوق السرير ممسكة بصدرها تكاد تشعر بنوبة قلبية جراء ما حدث.

لم تكن جلنار تعرف أن عودتها وسط ثورة غضبها لأنها شعرت أنها لم تنل كفايتها من توبيخ أترويس كانت كفيلة بإيضاح كل شيء أردات معرفته.

الشعور بالخيانة كان هو الشيء الوحيد الذي تشعر به في هذه اللحظة، وكأنها حمقاء تم التلاعب بها، لم تعرف إن كان حتى من حقها الغضب على إخفائه لأمر كهذا أم لا، فقد تركها في المنتصف تمامًا لا تعرف إن كان يحق لها التدخل في حياته أم لا، تركها في منطقة الوسط غير مدركة لمكانتها في حياته وهذا كان أكثر ما يثير استيائها في هذه اللحظة.

وقفت أمام نافذتها تحاول التقاط أنفاسها بسبب شعورها بالاختناق يزداد بينما دلف هو لغرفتها متأكدًا هذه المرة من إغلاق الباب خلفه وظل في مكانه يراقب ظهرها بصمت لا يعرف كيف بإمكانه بدء حديث كهذا.

"جلنـ.."

"اخرج!".

زم شفتيه لهذه البداية السيئة ولكنه يعلم أنها لن تتساهل معه.

"أعرف أنك مستاءة، من حقك الشعـ.." قاطعته مجددًا دون الالتفات لنظر نحوه "من حقي! لا أظن ذلك أتريوس، ليس من حقي الشعور بالاستياء وليس من حقي محاسبتك لذلك وفر ما تريد قوله وأخرج". تنهد ولكنه اتجه نحوها ساحبًا معصمها لتلتف نحوه مجبرة "توقفي عن الحديث وكأنني لم أمنحك الإذن يومًا بالتدخل في حياتي، أنا لم أعطي أحدًا إذنا كما أعطيتك جلنار.."

"حقًا! متى؟ متى أعطيتني هذا الإذن؟ لأن آخر ما أتذكره هو محاولاتك لوضع الحدود بيننا ومحاولاتي كالحمقاء لكسرها كل مرة غير مدركة أنني لم أكن أُسيء سوى لنفسي" قالت والألم الذي تخلل صوتها كان كفيلًا بجعله يدرك أن محاولاته لدفعها بعيدًا لم تكن تحميها بل كانت تؤذيها!

لم يشعر يومًا بحجم المسافة التي صنعها بينهما لأنه حرصت كل يوم على إخفاء الأمر جيدًا، كان يشعر أنهما مقربان بالفعل، يشعر أن تصرفاته كفايلة بإخبارها أنه يريد الاقتراب منها ويريد وجودها حوله ولكن يبدوا أنه لم يظهر لها سوى رغبته في الابتعاد.

اقترب منها قائلًا بهدوء: "امرأة مثلك لا يمكن لشيء أو لأحد الإساءة لها أو التقليل منها، لم يكن خطأك، كل ما حدث كان خطأي" هزت رأسها بيأس وسحبت معصمها من بين يدها وقد وضعت مسافة بينهما قائلة: "ما الذي علي فعله بهذا الاعتراف؟ كل ما حدث كان خطأك؟ ثم؟ أسيغير هذا بشكل سحري حقيقة استمتاعك بوجودي حول زوجتك كالبلهاء؟" 

بدل يوجين عينه بينهما يشعر برغبة كبيرة في متابعة هذا الحوار ولكنه شعر أن حتى هذه النقطة فالأمر أصبح شخصيًا، يمتحور حولهما فقط ولم يرغب أن يسبب وجوده عدم راحة لجلنار مستقبلًا، لذلك احترامًا لها انسحب من الغرفة بالكامل وقرر انتظار هدوء العاصفة التي تدور بينهما.

أما أتريوس ثارت حفيظته لحديثها لذلك قال بينما يضغط على أسنانه "زوجتي السابقة، لقد انتهى هذا الزواج منذ وقت طويل" ضحكت ساخرة وقالت بعصبية: "ولم تجد أهمية حتى في إخباري بالأمر؟" 

"لا جلنار، لم أجد أهمية لذكر الأمر لأنه لم يكن ليؤثر علينا بأي شكل من الأشكال" صاح في المقابل مما دفعها للغضب أكثر "توقف عن الكذب حبًا في الله، لقد كنت تهلوس باسم المرأة في نومك.." قطاعها غاضبًا بدوره "اللعنة على هلوستي وتبا لذلك اليوم جلنار، لقد تركت أثرًا سيئًا في حياتي، كانت تلك المرة الوحيدة التي سمحت لأحدهم بالاقتراب مني وانتهى به الأمر تمامًا كما كنت أتوقع لا كما كنت آمل".

دفعت صدره بقوه صائحة "وهذا لم يؤثر علينا؟ لم أفهم الأمر يومًا ولكنني رأيته في كل نظرة تنظرها لي وفي كل مرة تتجنبني فيها، رغبتك في الابتعاد، خوفك من قربي ومحاولاتك المستميتة في دفعي لكراهيتك، كانت هناك قطعة مفقودة لم أفهمها قط، ألم ترى أن من حقي لمرة واحدة سماع تفسير يخبرنني لما يتم دفعي كل مرة؟ أنني لست السبب في كل هذا؟ لم تتوقف مرة عن محاولة دفعي ولم أتوقف يومًا عن محاولة التمسك بك".

"لأنني كنت خائفًا!".

حدقت به بأنفاس مضطربة سريعة تحاول إدراك ما قاله.. بينما زفر هو باستياء قبل أن يردف "لم أرد تكرار الأمر، ربما تمكنت تحمل نظرات الفزع والخوف منها مرة ولكن الإله وحده يعلم أنني لم أكن لأتحملها منك دقيقة واحدة جلنار".

تعلقت نظراته بها يراقب تعبيرها الغاضبة والمرتبكة في ذات الوقت، ابتلع مرطبًا حلقه قبل أن يضيف بهدوء "أنا.. لن أقوى على مواجهة تجنبك لي وهربك مني، لم أبعدك لأن امرأة أخرى كانت تحتل تفكيري! لقد كان موقفًا، كان تصرفًا صدر من شخص سمحت لنفسي بإعطائه الأمان، لم أتوقع يومًا أن يتقبلني كما أنا، ولكنني لم أنتظر أيضًا أن أُعامل كوحش بينما كل ما فعلته كان محاولة حمايته هو وكل من حوله".

اقترب محاولًا تقليص المسافة بينهما وكأن هذا سيمنحه شعورًا بالأمان "لم أطلب يومًا دخولها في حياتي جلنار، ولكنها مثلك استمرت في المجيء كل مرة، استمرت في المحاولة وكانت واثقة تمامًا أنها لن تبتعد عني يومًا، كنت تتحدث بثقة لم أرى أحدًا يتحدث بها، ولوهلة كانت مرساة استقرار احتجتها في حياتي، ولكني كنت واضحًا، لقد وضحت بكل شفافية أنني رجلُ لا يمكنه الوقوع في الحب وكانت بخير وأصرت على البقاء…"

صمت لوهلة يحدق بعينها التي التمعت وهي تسمعه يتحدث عن امرأة أخرى كانت قريبة منه وجزء من حياته..

"ذاك الإصرار.. جلنار إنه يمنحك الثقة، يمنحك الأمان في وجود هذا الشخص ويمنحك الاعتياد وفي أكثر لحظات الأمان في حياتي جميع الوعود انقلبت، نظرات الثقة والحب تبدلت، جميعها تحولت وأصبح الأمر وكأنني أواجه ألد أعدائي، لم ألوم أحدًا يومًا، ولكنني ما كنت لأمنح أحدهم فرصة الاقتراب مني مجددًا.."

ربما بدا حديثه مبهمًا بقدر ما كان مفهومًا.

فجلنار سمعت نصف المحادثة بينه وبين واندر، ولكنها تظاهرت بالعكس حتى لا تثير فزعهما، وجميع ما قاله الآن يؤكد على الصورة التي أخيرًا تمكنت من تجميعها.

لقد اكتشفت فينسيا هويته الحقيقة ولم تكتفي بالهروب منه، بل أقدمت على إبلاغ السلطات عنه وهذا كان كفيلًا بتحطيم ثقته في أي شخص آخر ولكن..

بينما تنظر لعينه كان تتساءل!

أكان يراها كفنيسيا طيلة الوقت؟ ألم يرى شيء واحدًا مختلفًا بينهما؟ أحقًا بالرغم من كل ما فعلته وكل ما قدمته لم يثق لمرة أنها لن تتركه! حتى هذه اللحظة مازال يظن أن اكتشافها لهويته سيدمر كل شيء بينهما..

ربما جزء منطقي منها كان يتفهمه، يتفهم مخاوفه وأفكاره فالشعور بالغدر بعد منح الأمان شيء لا يتمكن الكثيرون من التعامل معه..

ولكن جزء آخر تمنى أن تستشف من حديثه شيء واحد يخبرها أنه يميزها ولو قليلًا عن امرأة أخرى كانت في حياته، شيء واحد يراه مختلفًا بينهما، أمل واحد يشعر به اتجهها!

حتى في هذه اللحظة مازال يخفي أيًا يكن ما يكنه اتجاهها هي.

لم يتجرأ حتى على إخبارها بوجود امرأة في حياته من قبل، وهذا كان يؤلمها، كانت تثق بحياتها معه ولكنه لم يثق حتى بسر كهذا معها.

كان يرى تلك النظرات اليائسة تزداد بينما تحدق نحوه أراد معرفة شيء مما تفكر فيه ولكنها لم تبح به وظلت تنظر لعينه وكأنها تلومه لأشياء يعرفها وأشياء لا يملك فكرة عنها.

"لقد كنت على استعداد لوضع نفسي أمام النيران من أجلك، بينما لم تكلف نفسك حتى في ترك عود ثقاب في حوزتي ولو لمرة" نطقت أخيرًا ولكن لم تزده كلماتها سوى ندمًا.

أراد الإفصاح عن الحرب التي يخوضها كل يومًا بينه وبين نفسه لإخبارها عن كل شيء، أراد الإفصاح عن كل مرة كان على شفير اقتحام غرفتها وإظهار كل شيء لها، كم مرة حلم بمصارحتها بحياته وأسراره كامله وتقبل النتيجة أيًا تكن ولكنه صمت..

مسحت وجهها بسرعة قبل أن يرى دموعها قبل أن تقول بهدوء "أنا لا أهتم هذه المرة أتريوس، لن أكون أنا الطرف المضحي أكثر من هذا ولن أكون الوحيدة التي تسعي لإيضاح الامور بيننا والتعبير عن أفكاري ومشاعري لك، فقد اكتفيت حقًا، إنه دورك، إن أردت إنهاء هذا الأمر قم بفعلها، أعدك ألا أزعجك مرة أخرى، عش بأسرارك وبخوفك وبتجنبك للجميع كما تحب، فلن أقاتل في معركة لأجل شخص يقاتلني لا يقاتل معي".

وبهذا سحبت معطفها وخرجت من الغرفة تاركة أتريوس يحدق في الباب وهو يشعر لأول مرة أن الفتاة التي اعتاد وآمن بفكرة وجودها معه قد تبتعد بسبب خوفه من ذنب لم تقترفه حتى.

لم يعرف إن كان عليه الوقف لوهلة لترتيب جميع أفكاره أم الذهاب خلفها وإخبارها بكل ما يخفيه لعلها تقتله فينتهي الأمر أو تساعده في حل تشابك حياته بطريقة أو بأخرى كما تفعل عادة.

للمرة الأولى في حياته، لم يكن يعرف ما الذي عليه فعله.

….



كانت أنفاس جلنار شبه ملحوظة وهي تتشكل كبخار بفعل برودة الجو، فالمناخ هنا كان أكثر برودة من جو الإلترانيوس 

المعتدل.

جلست فوق أحد الأحجار المتراصة فوق بعضها كزينة في حديقة القصر الأمامية تحدق في السماء المفروشة بالنجوم كل واحدة تلمع أكثر من صاحبتها بينما حاولت جلنار اختيار أكثرها لمعانًا حتى تقرر أن هذا هو الوطن!

لم تشعر مرة منذ أن وقعت في حب أتريوس بالندم أو الرغبة في العودة مجددًا وتغيير الأمور! ولكن اليوم تساءلت للمرة الأولى، أكانت لتشعر بالراحة إن عادت لنقطة البداية؟ إن كانت تملك الاختيار أكانت ستأخذ نفس الطريق مع معرفتها بنهايته؟ أم أنها ستبقى خلف باب غرفتها مختبئة بين أحضان أحد الزوايا مستمتعة بوحدتها الدائمة؟

ربما رغبتها في العودة لم تكن بسبب أتريوس بحد ذاته بل الطريق الذي يسير كلاهما عليه هو ما يتعبها، الضباب الذي يغطي الطريق يتركها تائهة لا تهتدي له سبيلًا وبين كل حين وآخر كانت يده تخرج من الضباب محاولة الإمساك بيدها وإرشادها ولكن ما إن تبدأ في رؤية موضع قدمها حتى يترك يدها مجددًا.

كانت تتذكر كل شيء قاله لها منذ قليل، وكل ما قاله لواندر قبل مجيئها، لا يمكنها عدم الشعور بالأسف لأجله، فالطريقة التي تُرك بها كما فهمت لم تكن مشجعة بأي شكل من الأشكال لتجعله يثق بأحد ما مجددًا.

حمدت الإله أن يوجين جاء من بعدها فلم يسمعهما، ولكنها أيضًا تساءلت إلى متى ستضطر لإخفاء الأمر عنه؟ 

تنهدت قبل أن تسقط رأسها للأسفل لتجفل صارخة بسبب رأس يوجين الذي جلس أمامها منذ البداية يحدق بوجهها.

"هذه المرة الأولى التي تفزعني كشبح، تبا" هتفت ممسكة بصدرها ليرفع كتفه قائلًا: "رائع، لقد حققت سبب وجودي، ربما علي الاختفاء الآن" لم تعلق وتنهدت مجددًا لتتقلص ابتسامته ويتمتم "إنها المرة الألف التي تتنهدين بها".

ظل يراقب تعبيرها الهادئة والتي ظن أنها كانت ستكون باكية عندما وجدها ولكنها بدت له.. مستسلمة!

"تعلمين أنه ليس آخر رجل في العالم، صحيح؟" حاول جذب انتباهها وازعاجها لكن ما فعلته هو منحه ابتسامة صغيرة لينهض ويجلس بجوارها قائلًا: "تعلمين أيضًا أن زواجه سابقًا لا يعني شيئًا؟ إن كان هذا سيخفف عنك فالنظرات التي كان يرمقها لتلك المرأة لا يمكنه أن ينظر بها حتى لصديق ما بالك بحبيب!".

نظرت نحوه بطرف عينها وسألت باختصار "والمغزى؟" نظر نحوها بكل فخر مجيبًا "إن لم يقع في حبك فهو لم يقع في حب غيرك، نصف الكأس أفضل من عدمه" في الواقع كانت هذه أسوأ مواساة قد يواسيها أحدهم لها في هذه اللحظة لكنها وجدت نفسها تقهقه لسبب لم تفهمه حتى..

"كانت النية جعلك تشعرين بالراحة ولكن لا بأس بالضحك" قال راضيًا مع ابتسامة لتتوقف عن الضحك وتنظر نحوه بحدة مصطنعة "لم أنسى فعلتك بعد سيد كيوبيد" فهم مقصدها على الفور فتظاهر بالغباء قائلًا: "أنا الرجل الملام دائمًا، يال الظلم" دحرجت عينها وقالت "بالطبع، لولا هيئتك كشبح لسمع القصر كله ضحكاتك بعدما دفعتني" حاول إخفاء ابتسامته ولكن انفجر ضحكًا ما إن عادت صورتها ملقاة فوق كتف أتريوس ككيس من الطحين.

ظلت تحدق به ولكن لأنه يملك أكثر ضحكة معدية وجدت نفسها شيء فشيئًا تشاركه الضحك الذي تحول لاحقًا لضحك هستيري لم يتمكن أحدهم من إيقاف الآخر.

"إلهي جلنار لو رأيتِ وجه أندريس ذاك…" قال من بين ضحكاته يتنفس بصعوبة بينما أمسكت معدتها التي بدأت تؤلمها لشدة الضحك "لم ترى كيف نظرت نحونا واندر" قالت وهي تضحك بين كل كلمة وأخرى "لقد سمع القصر كله ابنة التوبازيوس تهدد بركل مؤخرة أحد فرسانها بينما هي فوق كتفه" قال وقد وقع أرضًا لشدة الضحك وكانت هي على وشك التوقف ولكنها انفجرت في الضحك مجددًا حتى بدأت عينيها تدمعان بشدة.

سقطت أرضًا بجواره تحاول التنفس من بين ضحكاتها، شيء فشيء بدأت ضحكتها تهدأ كما خاصته، وحدقت بالسماء مستلقية فوق ظهرها، مسحت دموع ضحكها بظهر يدها ولكن بدت دموعها أكثر بكثير من دموع ضحك عادية.

اختفت ابتسامتها وحاولت بصعوبة مسح دموعها التي تدفقت دون أن تحكم ولكنها في النهاية استسلمت لتسقط يدها بجوارها وأصبحت بالكاد ترى السماء بسبب رؤيتها المشوشة.

يد يوجين المستلقي بجوارها امتدت يغطي بها عينها وقال بهدوء "لا تحاولِ منع نفسك، سأتظاهر بعدك رؤيتي لهذا الوجه الباكي القبيح".

دلا تعرف لما ولكن جملته تلك زادت من دموعها أكثر فأكثر ولكنها دفعتها لشعور بالارتياح.

ظل كلاهما هكذا لفترة دون أن يتذمر يوجين أو تحاول هي بدورها إبعاد يده وقد بدأت تشعر أنها هادئة أكثر من سابقًا.

زفرت عندما سمعت خطوات فوق الحشائش متجهة نحوها، كانت تعرف لمن هذه الخطوات وشعرت أن لا طاقة لها في مواجهته أكثر من هذا.

وقف أتريوس عند رأسها يحدق بها بينما يد يوجين فوق عينها تمنعها من رؤيته بوضوح فكان أشبه بهيئة مشوشة بسبب الشفافية الشبه معدومة لجسد يوجين.

تنهد يوجين وقال: "أتريدين النظر لوجهه أم علي إبقاء يدي؟ لا مانع عندي" لم تتمكن من إجابته ولكنها لم تقم بأي فعل يشير في رغبتها لنظر لوجه أتريوس لذلك ثبت يوجين على موقفه.

"لا قوة لي لشجار آخر أتريوس، فقط اترك اليوم يمر" قالت بهدوء ليجلس على أمشاط قدمه عند رأسها يحدق في تعابير وجهها وعينها التي لم تنظر نحوه حتى.

"أكره هذا" تمتم يوجين ولكن انتهى به الأمر بإبعاد يده عن وجهها ليسمح لها بالنظر نحوه ونهض جالسًا يحدق في رأس أتريوس بحدة وكأنه يريد انتزاعه عن رقبته ولكنه كان يدرك أهمية البقاء بعيدًا في لحظات كهذه، لذلك مجددًا نهض وابتعد عنهما ولكن هذه المرة كانت مسافة كافية لمراقبتهما من بعيد دون الاستماع أو معرفة تفاصيل ما يفعلان أو يقولان، لكنه قرر البقاء لبعض الوقت حتى يحرص على الوجود بجوارها إذا ما تركها الرجل محطمة مجددًا.

على الرغم من ابتعاد يوجين ظلت أعين جلنار معلقة بالسماء ولم تحاول النظر نحوه حتى.

حرك أنامله نحو وجهها سامحًا لنفسه بإبعاد خصلات شعرها التي التصقت بوجنتها وعينها بفعل دموعها بينما راقب 

الدموع المتجمعة على أطراف أهدابها وقد تساءل كيف يمكن لدموع أن تزيد من جمال أعين أحدهم!

"أنا آسف".

دون مقدمات أو تفسيرات، قدم اعتذاره وبدا في هذه اللحظة تائهًا، كان الاعتذار الذي يأمل أن يمنحه فرصة، الاعتذار الذي كان مؤمن أن عليه تقديمه منذ وقت طويل.

اتجهت عينها أخيرًا تواجه عينه ولم يكن يعلم أن تجنبها النظر نحوه كان ليكون مؤذيًا هكذا حتى يشعر بهذه الراحة ما إن التقت أعينهما.

"لا تلقي اعتذارات لا تعرف سببها أتريوس" همست بينما تتحرك أنامله من فوق وجنتها حتى ذقنها.

"لا أفعل، أنا مدين لك باعتذار عن كل مرة تسببت في بكائك، عن كل مرة تركتك فيها مشوشة وضائعة، لم تكن المشكلة يومًا أنتِ… لم تكوني المشكلة" نهضت جالسة أمامه ليبعد يده ويراقب التماع عينها تحت ضوء القمر.

"أخبرني إذًا.. ما الذي علي فعله؟ لأنني لم أعد أعرف، لم أكن لأتعب يومًا منك أو من طريقك لكنني تعبت البحث عنك حتى أسير في ذات الطريق معك، تعبت القتال لاجل شخص لا يحاول حتى رفع سيفه لأجلي و…" قاطعها قائلًا:

"لقد رفعت سيوفي كلها جلنار، ربما لم تكن الطريقة التي تريدنها ولكنني رفعت سيوفي وقاتلت بالطريقة التي أعرفها أنا، ربما طريقتي خاطئة ولكن لم تكن هذه نيتي يومًا، أريدك على ذات الطريق لكنني لا أعرف لما وكيف، لم أعتد أن أقف حائرًا لا أعرف لما أفعل ما أفعله معك وما الذي أشعر به حقًا أنا.."

حدق بها كطفل تائه يحاول إيجاد كلماته "تدهشني الطريقة التي تعترفين بحبك فيها كل مرة، بينما أنا لا أعرف ما هو الحب بالضبط، أنا خائف من قولها لك بينما ما أشعر به ليس ما تريدن مني جلنار، لا أريد قولها فقط حتى أبقيك بجانبي، انتي تستحقين ما هو أفضل أنا.." توقف مجددًا يرطب شفتيه يشعر بالعجز أمامها قبل أن يردف: " رجل مثلي لم يتمكن من استقبال الحب يومًا أو منحه، حتى عندما عُرض علي دون مقابل، لم أتمكن من ذلك، الوقوع في الحب لشخص مثلي هو كحكم بالإعدام جلنار".

راقبت تعبيره كيف تتبدل، عينه تنظر نحو عينها وكأنه يحاول إيجاد أي مرساة تشعره بالآمان في هذه اللحظة، تائه بين ما يريد قوله وبين ما يظن أنها تريد أن تسمع.

هدأت نظراته وبدا مستسلمًا في هذه اللحظة قبل أن يهمس: "أنا خائف ألا أتمكن من إعطائك الحب الذي تستحقين، وفزع من فكرة فقدانك، أنا عاجز جلنار".

تنهد وسمح لرأسه بالسقوط للأسفل ينظر للأرض عوضًا عن النظر لعينها في هذه اللحظة، كان مدركًا أنه تعلق بوجودها حوله، ولكنه لا يريد الاعتراف بمشاعر لا يعرف أن كان أصلًا بإمكانه منحها من أجل بقاءها معه بكل أنانية.

شعر بكل ذرة خوف تغادر جسده في اللحظة التي شعر بكف يدها فوق رأسه تداعب خصلات شعره بهدوء، وكأن الهدوء كله ينساب من بين يدها ليتنشر خلال جسده.

"لا بأس" 

تنهيدة هربت من خلال شفتيه براحة لنبرتها الحانية في هذه اللحظة، يدها تحركت ببطء خلال خصلات شعره حتى وجنته تدفعه بخفة لرفع رأسه والنظر نحوها، نظر لعينها وابتسامتها الهادئة ليلعن أي شخص حال بينه وبين هذه الابتسامة مسببًا اختفائها كل هذه المدة.

"لا أريد اعترافًا ولا اريد أشعارًا بحقي أتريوس، يكفيني معرفة الحقيقة، يكفيني إيمانك بوجودي مهما كان ماضيك ومهما كنت أنت" أراد بشدة أن تدوم فقاعة الوهم تلك ولكن كلماتها لم تفعل شيئًا سوى ضرب الواقع في وجهه.

فمهما كانت هويته، ليست بالشيء الذي يمكن لأحد قبوله مهما كان، الثقة التي تتحدث بها كل مرة كانت تفزعه، فبسببها يشعر أن الحقيقة على طرف لسانه وبينه وبين نطقها هي لحظات صغيرة يحاول فيها العودة لوعيه والتمسك.

"أهناك أي زوجة أخرى علي المعرفة بأمرها؟ تعلم لم يبدو هذا النوع من المفاجأت هو المفضل لي" ختمت مزحتها بابتسامة بلهاء ليحدق بوجهها بعدم تصديق قبل أن يحاول كتم ضحكاته التي تحولت لقهقة ومنها لضحكات عالية.

راقبته بابتسامة تشعر بارتياح فقد كانت مدركة لأفكاره، كان بإمكانها أخيرًا قراءة عينيه معرفة أكثر ما يخيفه وأكثر ما يظن أنه سيبعدها عنه ولكنها ستتركه حتى يشعر أنه مستعد لإخبارها، وحينها ستصفعه على رأسه قبل أن توبخه بشكل مناسب لإخفاء الأمر.

"لا، لقد كانت مرة واحدة وإن كان الأمر سيساعدني قليلًا فواندر هي من كانت مسؤولة عن هذه الزيجة الكارثية" قال بعد أن هدأت ضحكاته لترفع حاجبها قائلة: "هل تحاول وضع واندر أمام المدفع الآن؟ أيها الواشي" فتح شفتيه وأغلقها أكثر من مرة بدهشة قبل أن يستسلم قائلًا: "ألا توجد طريقة حتى أخرج من هذا الموقف غير مذنب؟".

ضمت شفتيها متظاهرة بالتفكير قبل أن تجيب ببساطة "لا، سأظل أذكرك بهذا اليوم حتى مماتك" حدق بها بيأس متمتمًا "رائع!".

ضحكت قبل أن تنقر رأسه بخفة بينما راقبها بابتسامة.

هدأت ضحكاتها ما إن اتجهت عينها للقصر خلفه، تحولت ضحكتها لابتسامة صغيرة وأعادت نظرها لأتريوس قائلة "أظن أن هناك حسابات عليك تصفيتها" حدق بها للحظات بلا فهم ولكنه ما لبث حتى أدرك من يقف خلفهما على بعد أمتار.

"جلنار ا.." قاطعته قائلة: "لا بأس، مشكلتي منذ البداية لم تكن هي، كانت إخفاء الأمر فحسب" عينها اتجهت لفينسيا التي حدقت بهما بوجه جامد من مسافة قبل أن تعود لأتريوس قائلة: "تصبح على خير" وتنهض مزيحة الحشائش والتراب عن ملابسها قبل أن تبتعد عن أتريوس الذي وقف بدوره ولكنه لم يتحرك.

عين فينسيا ظلت ثابتة على أتريوس على الرغم من رغبتها القوية في النظر لجلنار حتى تتمكن من معرفة إجابة سؤال واحد..

لماذا؟

ولكن جلنار تخطت جسدها بهدوء بلا جلبه ليتبعها يوجين الذي شعر بالارتباك وهو ينظر لجلنار ثم يلتفت ينظر للاثنين خلفهما "أتريدين مني البقاء وسماع ما سيقولان؟" كان يعرف إجابتها ولكنه سأل على أية حال، وكما توقع حركت رأسها بخفة قائلة: "لا، لا حاجة لذلك".

"ليس من عادتك أن تغفل عن وجود شخص حولك، يبدو وكأنك كنت في عالم آخر" مازحت بابتسامتها الهادئة قاصدة ملاحظة جلنار لها أولًا بينما حدق هو بعينها الزمردية التي تلتمع تحت ضوء القمر بألم واضح.

"أهناك ما تريدين قوله؟" سأل بشكل مباشر بينما يقحم كلا يديه في جيبيه، ربما لشخص غريب قد يبدو أتريوس لئيمًا يحاول التصرف بجفاء مع شخص كان مقرب منه سابقًا كانتقام..

لكنه كان ببساطة يتعامل معها كما كان يتعامل مع أي شخص آخر عابر في حياته، لم يكن من النوع الذي يلقي باللوم على من حوله، لذلك لم يلقي عليها اللوم يومًا ولم يشعر بالكراهية ناحيتها، ربما كان غدرًا ولكنه غدر منتظر.

كانت تعبث بيدها بتوتر تحاول بدء ما هي في حاجة لقوله بطريقة ما ولكن لم تعرف كيف، أما هو فكل ما أراده هو الحصول على بعض الراحة لهذا عندما أطالت الصمت قرر الذهاب لغرفته متخطيًا جسدها.

"هل أحببتني يومًا؟".

عندما رأت أن فرصتها الأخيرة ستضيع في اللحظة التي سيدلف القصر بها ألقت بكل المقدمات والحديث اللبق عرض الحائط وسألت ما أرادت معرفته طيلة الوقت.

حدقت بظهره بجسد مرتجف تتساءل كم سيكلفها هذا اليوم من أضرار، كم من الوقت ستحتاج مجددًا لتجمع شتات نفسها بعد إجابته..

لم تعرف لما هناك دائمًا حاجة ملحة لطرح اسئلة نحن على يقين من إجابتها. 

ربما سماع الإجابة سيعطينا الخاتمة التي نحتاج! أو سيقتل تلك النسبة التي تكاد معدومة من الأمل في سماع إجابة مختلفة، وكأننا نلقن أنفسنا درسًا قائلين: انظري! لقد اخبرتك؟ ماذا جنيتي من سؤالك طيلة هذا الوقت؟

لكنها كانت في حاجة ماسة لسماع إجابته كانت في حاجة لتأكيد كل شكوكها التي تضرب رأسها منذ بداية اليوم.

"لقد قلتها لك منذ اليوم الأول فينسيا.." قال قبل أن يلتفت ينظر لعينها بكل ثبات مجيبًا "أنا رجل غير قادر على الحب، لم أوهمك يومًا أو أمنحكِ أملًا كاذبًا". رسمت ابتسامة هادئة تظهر من الحزن أقل بكثير مما تشعر..

"وقد كنت بخير مع هذه الحقيقة! لم أعترض يومًا، فقد كان وجودك بجانبي كافيًا، لقد فكرت طيلة هذا الوقت : لا بأس، طالما أن هذا الحب غير موجود منذ البداية، لا بأس، لكنك كاذب لعين أتريوس".

"لم أكذب يومًا فينسيا، أنا لا أملك المقدرة على منح أحدهم الحب الذي يريد" قال ببساطة مؤكدًا على حديثه لتحرك رأسها نافية "إذًا أنت واهمًا فحسب، لقد أقنعت نفسك بكذبة واقنعتني بها معك.." قاطعها قائلًا "لم تكن كذبة يـ.." لم تدع له مجالًا وقد تغلبت على غصتها صائحة في وجهه:

"أن لم تكن تلك النظرات التي ترمقها بها حبًا فليلعن الإله روحي إذًا أتريوس".

تجمد وقد شعر أن الكلمات شكلت عقدة على لسانه ولكنها لم تهتم وقد شعرت للمرة الاولى أنها على استعداد لإلقاء كل ما عندها..

"لقد وعدتني، لقد كررتها على مسامعي مررًا وتكررًا، لقد صدقتك، ظننت أنك حقًا غير قادرًا على الحب، حتى بعدما منحتك كل ما أملك لم تنظر نحوي يومًا كما رأيتك تنظر نحوها اليوم، سواءً كانت توليك اهتمامًا أم لا.. لم تبعد عينك عنها، كلما التفت نحوك منذ لحظة مجيئك حتى الآن كنت لا تنظر سوى لها أتريوس، وكأن لا أحد آخر حولك سوها، وكأن عالمك كله مقتصرًا فقط عليها أعني…" 

ضحكت بحسرة بينما دموعها أخذت تدفق فوق وجنتيها "أنها قائدة الفرسان، من المفترض أنها أقوى شخص في القصر كاملًا ولكنك بدوت حريصًا جدا عليها وكأنها ستنكسر في أية لحظة، لقد عشت معك سنتين كاملتين، لم تتعدى ضحكتك سوى ابتسامة عريضة على وجهك حتى ظننت أنك لم تتعلم كيف تضحك يومًا ولكنني كنت بلهاء.."

أشارت حيث كان جالسًا منذ لحظات قائلة بحرقة "صدق أو لا تلك كانت مرتي الأولى في سماع ضحكاتك، لقد كنت زوجتك عامين كاملين وأحببتك قبلها عامًا كاملًا وكانت تلك مرتي الأولى في سماع ورؤية ضحكتك أتعلم لما.." 

حدق بوجهها بصمت دون إجابه لتجيب هي عوض عنه "لأنها كانت الشخص الذي تضحك من أجله، كل المحظور من أجلها مسموحًا، كل ما تتجنبه تفعله لأجلها، كل ما تخفيه تظهره لأجلها، أخبرني كيف لا يكون هذا حبًا؟ ما هو مقدار حمقك حتى لا تدرك الأمر بينما كل ما كلفني هو يوم واحد لرؤيته؟"

تقدمت نحوه مقلصة المسافة بينهم قبل أن تدفع صدره بغيظ مكبوت صائحة من بين شهقاتها "ما الشيء الذي فعلته بشكل خاطئ؟ لما لم تمنحني أنا هذا الحب؟ لما لم أُمنح انا هذه النظرات؟ لقد قدمت لك كل شيء أتريوس لقد فعلت كل شيء، لقد تركت عائلتي لأجلك، عشت بمكان لا أعرفه لأجلك، رضيت بإعطائك حب من طرف واحد لأجلك، لذلك.." توقفت عن ضرب صدره وقد أنهكها التعب وهمست باكية "لما لم تكن أنا؟".

"لم يكن لأجلي" ارتفعت عينها تحدق بنظراته التي راقبتها بكل هدوء لا تحمل أية مشاعر سوى ربما بعض التعاطف..

"حتى هذه اللحظة فينسيا، كل ما فعلته لم يكن لأجلي، كان لك أنتِ، حبك لي لم يكن سوى تحدي بينك وبين ذاتك، لقد كنتي دائمًا تكرهين الشيء الذي لم تتمكني من الحصول عليه، وكنت أنا أحد تلك الأشياء، لم تقدمي حبك لي لأنك أحببتني بشكل غير مشروط، أردتِ أن تثبتي لنفسك أنك قادرة على الحصول على كل ما تردين إن ضحيتي بشكل كافٍ.."

ابعد قبضتي يدها المتمسكة بقميصه بعيدًا بهدوء وأردف: "لم تبقي وتتزوجي بي أيضًا سوى لنفسك، أردتِ الوقوف في وجه والدك وكنت أنا السبيل الوحيد، لم تبقي طيلة هذا الوقت لأجلي بل لتثبتي لعائلتك أنك قادرة على فعل ما تريدين، زواجك بي كان انتقامًا من والدك الذي حاول بشتى الطرق السيطرة عليك"

راقبت وجهه بذهول وابتلعت ترطب حلقها قبل أن تقول: "غير صحيح، أنا… لم أكن.." توقفت في محاولة لترتيب جملها ولكنه لم يترك لها فرصة..

"لم أحاول يومًا إيذائك فينسيا، ولم أكن لأفعل وإن كلفني الامر قتل نفسي، لكنك شعرتي دومًا بالتهديد بجواري. منذ البداية لم تتوقفي على الإصرار مرارًا وتكرارًا أن قناعي لا يخيفك، همجيتي وعنفي واندفاعي لم يكن حتى يحرك بك شعره، ألا تعرفين أن تكرار الحقيقة كل مرة دون حاجة يثبت أنها كذبة ليس إلا؟ أردتِ تصديق كذبتك أكثر من دفعي لتصديقها وربما اقتنعتي بها لفترة من الوقت ولكنك كنتي تعرفين في قرارة ذاتك أنها كذبه".

مسحت الدموع عن وجهها وحدقت به دون كلمة ليقول أخيرًا "عليك التوقف عن إيهام نفسك انكِ أحببتني فينسيا وامضي قدمًا في حياتك".

ابتسمت بسخرية ولم تعرف أكانت سخرية منه أم سخرية من حالها وراقبته يتخطى جسدها للمرة الثانية لتوقفه قائلة..

"ماذا إذًا؟ أتحبك هي؟ أم أنها أيضًا تستغلك لإثبات بعض الهراء لنفسها؟" 

انقبض فكه والتفت بسرعة وكانت تلك المرة الأولى التي ترى نظرات أخرى غير نظراته الجامدة، الغضب المكبوت في نظرته كان واضحًا كما نبرته تمامًا "لا تذكريها حتى في هذا الأمر، لا تحاولي حتى مقارنتها بأي شيء آخر".

حدقت به بذهول ودهشة غير مصدقة قبل أن تقول بصوت يكاد يخرج:

 "إلهي أتريوس! أنت لا تحبها…" سكتت يحدق كلاهما بالآخر 

" أنت واقع في عشقها.. أليس كذلك؟".

شعر بالجملة تتردد صداها مرة تلو الأخرى داخل رأسه، من المفترض أن المرأة أمامه تتحدث بهراء لا معنى له فقط حتى تبرر نفسها أمامه، لكن لما يشعر وكأن أحدهم سكب مياه باردة فوق جسده بالكامل؟

لما يخفق قلبه بهذه القوة؟

"أيها المسكين.." قالت بشفقة حقيقية قبل أن تردف "الآن فقط ستعرف ما شعرت به .. لالا، بل سيكون أسوأ بألف مرة، فأنا أحببت الرجل الخطأ، بينما أنت عشقت امرأة غير مقدر لك البقاء معها".

كانت تشعر في هذه اللحظة أن هذه هي العدالة، فيبدو أن هذا هو ثأرها الأخير.

هذه المرة تحركت هي في نية الذهاب أخيرًا، وقفت ما إن مرت بجواره ونظرت نحوه بطرف عينها قائلة "ربما أنت محق، شخص مثلك لا يمكنه منح الحب بسهولة، ولكن الإله وحده يعلم أن شخص مثلك عندما يقع في الحب سيهوي بشدة وسيأخذ العالم معه للهاوية".

أخذت نفسً عميقًا وختمت حديثها قائلة "تعازي الحارة أتريوس فلورمان"

وتركته واقفًا مكانه يحدق باللامكان ولملمت آلامها ومشاعرها للمرة الأخيرة بينما تدلف للقصر الهادئ.

….



تقلبت في سريرها للمرة المئة بانزعاج قبل أن تتأفف بملل.

لا تعلم ايهما غلب الآخر، أفكارها أم الأرق، أم أن كلاهما اتفقا على التعاون ضدها.

نهضت جالسة لتنساب خصلات شعرها فوق كتفها وظهرها بنعومة، التفتت تنظر ليوجين الذي طفا بكل راحة مغلقًا عينه بهدوء وسهولة "أيها السافل" تمتمت منزعجة من قدرته الرائعة في التحكم بنومه قبل أن تمسك وسادة تلقيها نحوه لتمر من خلاله مصطدمة بالجدار خلفه قبل أن تستقر فوق الأرضية.

لمست قدميها العاريتين الأرضية بهدوء قبل أن تقحمهما في الخفين المصنوعان من القماش والقطن وتنهض ملتقطة معطفًا يغطي جسدها فثوب النوم الذي تركته لها الخادمات كان أخف بكثير من أن يقي جسدها برد المكان خارج الغرفة الدافئة.

تحركت للخارج غير عالمة بوجهتها لذلك تحركت قدميها بين الممرات الهادئة ذات الإضاءة الخافتة تحاول استكشاف المكان لعل أفكارها تهدء ويتعب جسدها لتسقط في النوم.

فكرت كثيرًا بينما تراقب اللوحات والتحف الأثيرة بصمت، أرادت معرفة إن كان ما تفعله صحيحًا أم خاطئًا، أتمسكها به لهذه الدرجة قد يتضح لاحقًا أنه أسوأ قرار اتخذته في حياتها؟ أم أن عليها البقاء معه حتى النهاية ولتتلاطمهما أمواج المستقبل حيث تريد؟

لم تعرف قط أن كان حبها وحده يكفي أم لا.

نظرت حولها عندما أدركت أن انغماسها في أفكارها لم يسمح لها بملاحظة المكان، كانت مكتبة قديمة يبدو أن الزوار والخدم قرروا هجرها منذ مدة.

جميع نوافذها مغطاة بستائر ثقيلة عدا نافذة واحدة تسلل ضوء القمر من خلالها منيرًا نصف المكان.

كان بإمكانها استشعار شيء من تلك الطاقة الغامضة للبوابة لذلك كان من الواضح أن هذه المكتبة على الجهة الاخرى من قصر الضيافة وهذا ما دفعها لإدراك كم أن افكارها تستحوذ عليها بسرعة.

"ليس من الحكيم تواجدك هنا خاصة في هذا الوقت" قالت دون الإلتفات ما إن شعرت بتواجد أحدهم خلفها.

"ألستِ أنتِ أيضًا هنا؟" 

التفتت تنظر لفينسيا التي يلتف حول جسدها بنعومة ثوب نوم مماثل لخاصة جلنار ولكنه ذو خامة أكثر تكلفة بينما التف حول كتفها شال محاك بمهارة، أسود اللون ودافئ مشكل مثالي.

"أنا وانتِ مختلفتان بعض الشيء في هذا الشأن" قالت جلنار بابتسامة بسيطة لتبادلها الآخرى بنظرات هادئة وتعبير جامد قائلة: "أنحن كذلك؟" انعقد حاجبي جلنار ببعض الاستغراب لتفسر فينسيا قائلة بنبرة ممازحة: "يبدو أن ذوقنا في الرجال متشابه".

مرت فترة من الصمت بينهما مثيرة أفكار جلنار مجددًا، فقد كانت تنتظر حدوث هذا التصادم ولكنها تمنت أن تنتهي من مهمتها وتعود متجنبة حدوثه.

"أظن أن الأمر كان أسهل بالنسبة لك" مال رأس جلنار قليلًا باستفهام لتردف موضحة "الوقوع في حبه، لم يكن بتلك الصعوبة بالنسبة لك مقارنة بتصرفاته معك، يبدو أنه تلاشى جميع أخطائه معي في تعامله معك".

اتكأت جلنار على الطاولة خلفها مكتفة ذراعيها ولا تعلم كيف أدركها هذا الهدوء فجأة، بدا لها في النهاية أنها ربما من كانت في حاجة لهذا النقاش منذ البداية.

"أعني، لا أعلم لما يجب أن يُترك أحدهم حتى يتغير؟" أصدرت ضحكة بائسة قبل أن تمتم "إن كان بإمكانه التغيير من البداية لما لم يفعل؟" كانت جلنار تراقبها لا تعلم بدافع التعاطف أم شفقة أم أنه هدوء لحظي؟ لكنها تنهدت وقد تعلقت عينها بالأرضية وكأنها تتذكر كل شيء حتى هذه اللحظة وقالت دون مقدمات..

"لقد ترك يدي من فوق منحدر تاركًا جسدي يسقط بكل بساطة".

وقفت فينسيا كتمثال في هذه اللحظة بينما تحاول إدراك الجملة "ماذا تـ.." قاطعتها جلنار ناظرة نحوها بذات الابتسامة وقالت "لقائنا الأول، هذا كان تعامله معي كأميرة إن كان هذا سيشعرك بالعزاء، فقد ترك جسدي يقع ببساطة بعد أن أخبرني أنني لا فائدة ترجى مني" لا تعرف لما هربت قهقهة صغيرة منها في النهاية متأكدة أنها تبدو الآن كمختله ومريضة أمام المرأة.

أخذت نفسًا وقالت: "لذلك لا تقلقِ، لم يتلاشى أخطاءه معي، لقد عاد بأخطاء أكثر سوأً" لا تعلم لما كان الأمر يثير ضحكها، فكرة ظن فنيسيا أنه عاملها طيلة هذا الوقت معاملة الأميرات كانت حقًا تثير الضحك..

"هذه مزحة سيئة" بدت فينسيا مرتبكة في هذه اللحظة وضحكات جلنار التي تحاول بصعوبة كتمها كانت التفسير الوحيد أن كل ما تقوله مزحة لكن جلنار لم تتمالك نفسها وضحكت مجددًا قائلة: "ليست مزحة، بعد فعلته ظل يرمقني لأيام بنظرات قالته ويحاول تهديدي كل مرة يراني فيها، قام بتدريبي حتى كدت أفقد أطرافي ولم يترك مناسبة دون أن يذكرني بكم أنا ضعيفة".

لم تفهم فينسيا ما الأمر المثير لضحك بشدة، ما تقوله جلنار في هذه اللحظة كان واقعه غريب جدًا عليها وتساءلت لوهلة.. حتى مع كل أفعال أتريوس العنيفة التي تعرفها فلم يعامل امرأة من قبل بهذه الطريقة حتى وإن مقتها بشدة، هو فقط يكتفي بتجاهل النساء لذلك بدا هذا غريبًا.

"في النهاية أنتي فارسة، تعرفين كيف تتدافعين عن نفسك ضد أي خطورة ربما تشعرين بها منه" بدا هذا التفسير العقلاني الوحيد لها بالرغم من أنها لم تشهد على أي مظهر قوة أو حتى شعور بالخطورة قادم من جلنار.

"لم أكن كذلك، منذ مجيئي لم أكن سوى بشرية لا يمكنها حتى رفع قبضة بشكل صحيح، أضعف مخلوق هنا قد يدفعني للركض نجاة بحياتي". حدقت بها فينسيا بذهول ولأول مرة تشعر أنها عاجزة تمامًا عن فهم شخص ما يتحدث معها بكل وضوح.

"لما؟" كان هذا السؤال الوحيد الذي تردد في ذهنها وكررته مجددًا "لما إذًا؟ أعني كيف.. كيف انتهى الأمر بك واقعة له؟" بينما تراقبها جلنار فكرت: إلهي إني أسأل نفسي ذات السؤال كل يوم.

"لا أعلم" أجابت بكل وضوح قبل أن تهرب عينها بعيدًا عن مواجهة عيني مرافقتها وهي تفكر بجدية وقالت: "ربما لأنه يشبهني بشكل أو آخر، ربما لا يوجد سبب معين.." نظرت مجددًا لفينسيا بكل ثبات قائلة: "أنحتاج سببًا لحب أحدهم؟".

بالطبع نحتاج! 

هذا ما فكرت به في هذه اللحظة، بدا حديث جلنار لها ضرب من الجنون بل ويهدد كل ما أقنعت نفسها به سابقًا، إن كان هذا هو الحب بجدية فماذا كانت تكن هي لأتريوس كل هذه المدة؟ لما لا تحتاج جلنار لسبب بينما تجيب بكل هذه الثقة وظلت هي لسنين تضع الأسباب واحدة تلو الأخرى حتى تكمل للنهاية!

"لقد أحببته" قالت فينسيا وعينها تتحرك على كل مكان ولم تكن جلنار متأكدة إن كانت تحاول إقناعها بهذه الجملة أم هي فقط تحاول إقناع نفسها؟

"لقد أحببته، لقد قدمت لأجله كل شيء، هذا ليس عادلًا، هذا… لقد حاولت، حاولت كثيرًا وبشدة لابد أنه قدم لكِ شيء مختلفًا لتتمكني من البقاء معه، لست أنا المخطئة أنا.." صمتت لوهلة تحاول التحكم في ارتجاف يدها لكن جلنار نظرت نحوها بهدوء وأكملت عوضًا عنها قائلة:

 "أنتِ تخليتِ عنه بعد أن أعطيته أملًا بالبقاء".

حدقت بها فينسيا بصدمة وشعرت في هذه اللحظة بغضب شديد لكن جلنار لم تأبه قائلة: "إن لم تكوني مؤمنة بقدرتك على البقاء ما كان عليكِ قطع وعود لن تتمكني من الإيفاء بها تحت أي شرط كان".

"أتفعلين أنت؟" سألت بابتسامة ساخرة عصبية وأردفت: "هل أنتِ مؤمنة بقدرتك على البقاء إذًا، أستتركين وطنك وعائلتك وتبقين معه هنا؟" سكتت جلنار دون إجابة، كيف لها أن تجيب وهي لا تعرف إن كان بإمكانها حتى العودة..

ولكن إن كان بإمكانها… أستفعل؟

"أنتِ لا تعرفين شيئًا، لا فكرة لك عما تتحدثين بحق الإله لذلك توقفي عن التصرف بعجرفة واضحة" بصقت بكراهية أصبحت واضحة الآن وفي المقابل حدقت بها جلنار بصمت..

"حتى قبل عودتك لوطنك، لو عرفت ما أعرف، إن رأيتي ما رأيت، ربما هرعت أنا هاربة، لكنك لكنتِ أقدمتِ على قتله فورًا" لم تتحدث جلنار تاركة لها مجالًا للحديث.

"تتصرفين بكل غطرسة، وكأنك مؤمنة به بالكامل.." تقدمت نحوها ناكزة صدرها قائلة "لكنك فقط جاهلة، من السهل لومي أليس كذلك؟ من السهل عليكِ وضع كامل الخطأ علي، فأنا المرأة الشرير التي حطمته عندما قررت الهرب منه فجأة لكن إلهي… إنتِ لا تملكين أي فكرة".

كل واحدة منهما نظرت للأخرى دون يطرف لها جفن، أعين جلنار كانت خالية باردة بينما فينسيا بدالتها بواحدة ملأتها الغضب والكراهية.

"لا أهتم" قالت جلنار بكل هدوء قبل أن تبعد يد فينسيا بكل هدوء مردفة: "لقد انتهى الأمر بك هاربة في النهاية، بينما لم يحاول هو حتى أذيتك، هذا كل ما يهم، لذلك توقفي عن لعب دور الضحية حتى تتجنبي شعور الذنب، وتعاملي قليلًا مع مشاعرك ببعض النضج".

أخرجت نفسًا بذهول، وشعرت في هذه اللحظة أن برود جلنار ولا مبالاتها تدفعها للحافة.

لم تخطئ، الجميع يضع كامل الحق عليها لكنها لم تخطئ، لقد فعلت ما كان سيفعله أي شخص طبيعي لكن في نظرها كانت جلنار جاهلة، تتحدث بهذه الغطرسة والتعجرف ولكنها إن وضعت في ذات الموقف لعرفت..

كلتاهما حدقتا في الأخرى والصمت جال بينهما، لتتنهد لجلنار مقررة أن هذا يكفي وابتعدت من أمام فينسيا في نية الذهاب.

"أتظنين أنكِ عظيمة الآن؟" توقفت جلنار وأخذت نفسًا فقد تعبت من مجارتها.

التفتت مجددًا نحوها مكتفة ذراعيها ولم تعقب على جملتها تاركة لها مجال الحديث "أليس من الرائع التحدث بجهل تام، أتسأل حقًا إن كان هذا الغرور سيبقى كما هو عليه إذا ما اتضحت أمامك الحقيقة".

ارتفع حاجبي جلنار بشكل طفيف، بينما فكرت بجدية أن هذه المرأة لن تصل لهذا القدر من الانحطاط لكن النظرة الحاقدة في عينها، الرغبة في الانتقام أو التشفي ربما كانت مفزعة.

"لقد قلت لكِ أنني لا أهتم، كل ما أعرفه أنني أحبه وهذا ما يهم" قالت بكل بساطة لتبتسم الأخرى ساخرة.

"جيد! إذًا فليتعامل حبك مع حقيقة أن الرجل الذي تثقين به بشدة ما هو إلا واحد منهم… واحد من جنس من تحاربين في هذه اللحظة أيتها المحبة".

حدقت الاثنين ببعضهما غير مدركتين أن على بعد خطوات منهما عند باب المكتبة توقفت واندر التي استيقظت في منتصف الليل بسبب أحد كوابيسها.

لتتفاجئ بهذه المواجهة المرعبة في وجهة نظرها، لم تتحرك ولم تتنفس ووقفت هناك تشعر أن أقدامها بالكاد تحملها، أرادت التدخل بسرعة أرادا منعها من الإفصاح لكن تلك المرة شل الخوف جسدها وشعرت بقدميها ترتعشان.

"ربما من الصعب عليك إدراك ما أقول ولكنني لم أهرب عبثَا" أضافت قبل أن ترفع رأسها بنظرة متشفية مضيفة: "الرجل الذي تحبين ملعون بالظلام من رأسه لأخمص قدميه، إنه إريبوسي".

كتمت واندر شهقتها مغطية فمها بيد فقدت السيطرة على ارتجافها وشعرت أن صمت جلنار في هذه اللحظة هو أسوأ شيء واجهته في حياتها كاملة.

أما فينسيا فظنت أن الصدمة تمكنت من لسانها لكن جلنار لم تهتز عضلة من وجهها وهي تقول "ثم؟".

حدقت بها تحاول إدراك ما يحدث ليصيبها الإنفعال صائحة: "تظنني كاذبة؟ اذهبي واسأليه، اسألي واندر بنفسك، لقد رأيته تلك الليلة، ما كنت لأترك أتريوس يومًا لكن ذلك لم يكن أتريوس، ذلك كان شخصًا ملأه الظلام" كان هدوء جلنار يثير أعصابها أكثر فأكثر، أرادت رؤية غرورها ذاك يتحطم أرادت رؤية الخوف والفزع في عينها كما رأته في انعكاس مرآتها تلك الليلة.

"لذلك هنيئًا لك، أريني كيف ستبقين مع شخص عليك إقامة حرب ضد من هم مثله"..

سكوت جلنار في هذه اللحظة كان يقضي على واندر تمامًا، ويزيد من حيرة فينسيا، كانت تعرف أن انفجار الفتاة قدام لا محالة حتى وإن لم تصدقها في البداية لكنها تعرف أنها ستنهار في لحظة.

لكن كل ما قدمت جلنار كان ابتسامة صغيرة قائلة "هل انتهيت الآن؟".

أُلجم لسانها في هذه اللحظة، لا تعرف إن كانت الفتاة بلهاء لدرجة تكذيبها لهذه الدرجة أن أنها حمقاء لاستيعاب الأمر لكن لسبب ما كنت تشعر أن لا سبب منهما هو الحقيقي.

"مـ..ماذا تقـ.." قاطعتها جلنار متنهدة وقالت "أتشعرين بتحسن بعد ما قلته؟ أيشعرك هذا بشعور أفضل عن ذاتك؟"

ابتلعت وقد بدأ جسدها بالارتجاف عندما أدركت وهي تحدق بعيني جلنار بحقيقة واحدة..

"لقد كنتي تعرفين منذ البداية!" 

لم يكن سؤالًا، كان تأكيد قابلته جلنار بلا أي رد فعل ينفيه. شعرت أن عالمها كله يتحطم في هذه اللحظة، كل الحجج التي وضعتها لنفسها حتى تتهرب من مسؤولية وعودها وأفعالها تتحطم امام تلك العينين الثابتة.

وفي المقابل شعرت واندر وكأنها على حافة فقدان الوعي، لقد مرت بالكثير من الأحداث في حياتها لكنها لا تتذكر شعورها بهذا القدر من الخوف أو الدهشة كما تفعل الآن.

تعلم أنه من المستحيل أن يخبر أتريوس جلنار شيئًا عن حقيقته فهو يفضل الموت على ذلك، فكيف عرفت وحدها؟

بل السؤال الحقيقي الذي فكرت فيه المرأتان وهما تستمعان لجلنار كان: لما أتريوس على قيد الحياة حتى هذه اللحظة؟

"لـ..لما؟ لما تتصرفين بهذا الهدوء؟ لما تتعاملين وكأن الأمر عادي، أتدركين ما تعنيه حقيقة هويتـ.." قاطعتها جلنار قائلة "لقد أجبتك منذ البداية، أنا. لا. اهتم" ضغطت على كل كلمة بثقة مثيرة جنون فينسيا..

"كيف؟ كيف قام بإخبارك؟" تنهدت جلنار وأجابت: "لم يفعل، لم يخبرني شيئًا" كل إجابة كانت تدفعها للحافة أكثر لذلك صاحت في وجهها قائلة: "سيتم اتهامك بالخيانة، قد يتم إعدامك حتى، لما تتصرفين بكل طبيعية؟" توقفت ثوانٍ قبل أن تكرر "لا، لست أنتِ من تتصرف بالطبيعية.." أعادت أنظارها نحو جلنار قائلة "أنا هي الطبيعية، لقد كان من الطبيعي أن أهرب، كان من الطبيعي أن ابتعد لقد كان شخصًا آخر غير الذي عرفته لقد كان إريبوسي لقد كان يفقد السيطرة على لعنته لـ.."

قاطعتها جلنار بنبرة صارمة قائلة: "وبالرغم من ذلك منع نفسه عن أذيتك محاربًا تلك اللعنة وحده". 

بدت فيسينا كمن تلقى صفعة قوية على وجهها، بشفتين منفرجتين وأعين جاحظة حدقت بجلنار دون كلمة.

"لقد قلتي بنفسك أنك بقيتي بجواره لسنين، ولم تلاحظي فيها لمرة أنه إريبوسي، أكنتِ تظنين الأمر بهذه السهولة؟ ألم تفكري لمرة واحدة عن مقدار المعاناة والألم الذي تعرض لها يوميًا حتى يمنع لعنته من أذيتك؟" تقدمت جلنار نحوها لتبتعد الأخرى بخطواتها..

"لقد منعك الاقتراب منه منذ البداية لأنه يخاف أذية أيًا يكن من سيقترب منه، وبالرغم من ذلك أخذك الغرور والثقة وأصررتِ على البقاء معه إثباتًا لنفسك أن بإمكانك فعل كل ما تريدين، تاركة على عاتقه ضرورة إخفاء الأمر وحمايتك منه.." 

وقفت في وجهها ولأول مرة شعرت فينسيا نفسها واقفة بلا أي دفاعات، شعرت بنفسها صغيرة جدًا تحت نظرات جلنار التي تحولت فجأة لأخرى ناقمة تستصغرها بكل وضوح.

"أفكرتي قدر المعانات التي مر بها؟ قدر الألم الذي اعتاد المرور به وحده؟ محاولاته المستميته في حمايتك حتى دون وقوعه في حبك، وجودك في حياته كان كافيًا له ليتقبل الأمر ويلعب دور المضحي وحده ولكن كل ما فعلته أنت هو التفكير بنفسك، حتى الرمق الأخير لم تفكري في أتريوس لمرة واحدة، كل ما همك هو نفسك ولكن أتعلمين أكثر ما يثير اشمئزازي منذ البداية؟.."

تقدمت خطوة منها لتتراجع الأخرى خطوة وهي تحدق بعينين جلنار التي بدأت تزداد حدة وغضبًا أثار الفزع داخلها..

"أنتِ لا تلومين نفسك للهرب فينسيا، أنت تتهربين من لوم نفسك لسبب آخر، فالهروب منه شيء، وتبليغ السلطات عنه شيء".

توقفت أنفاسها وشعرت وكأن كلمات جلنار تلتف حول عنقها، في هذه اللحظة لم تكن جلنار تبدو كفتاة لطيفة وغريبة، بدت كحقيقة مرعبة هربت منها لسنين ولكنها واقفة تواجهها الآن بأعين قرمزية لامعة في هذا الظلام.

"الرجل الذي تحمل استعمالك له كتمرد على عائلتك، حذرك منذ البداية ولكنه وجد الراحة في بقائك، سمح لك بالبقاء معه، حارب نفسه ولعنته حتى -ليس فقط لا يؤذكِ- بل ليمنع عنك التعامل مع حقيقته، لم تتوقفي لثانية وتفكري به عندما ركضت لتبليغ السلطات عنه.."

انحنت جلنار وهمست بغضب مكبوت بصعوبة تحدق بعينها "لم تتوقفي لثانية قبل أن تقدمي على محاولة إنهاء حياته".

كانت دموع فينسيا تلوث وجهها بالكامل دون توقف وبالرغم من ذلك لم تجد القدرة على إخراج صوت واحد ففي هذه اللحظة لم تعرف أيهما أكثر فزعًا، قراءة جلنار لها ككتاب مفتوح أم تبدل جلنار الكامل وكأن تلك الفتاة التي تعاملت معها طيلة اليوم لم تكن سوى قناع مزيف.

كانت أسنان جلنار تصطك ببعضها البعض وهي تحاول السيطرة على غضبها بشدة، لقد كانت على استعداد بتجاهل كل شيء، حتى مع رغبتها الدفينة في قتل فينسيا بعد معرفتها بفعلتها لكنها قررت أن هذا ماضِ أتريوس وحده.

ولكن الحد الذي وصلت له هذه المرأة حتى تبرئ نفسها من الذنب غير آبهة بأي أحد آخر كان القشة الأخيرة بالنسبة لجلنار.

"لم تكتفي بكل ما فعلته، بل وجدتِ الجراءة بعد كل هذا في المجيء والتبجح أمامي وأمام أتريوس حتى تثبتي لنفسك أنك لستِ مخطئة، لأي قدر من الانحطاط يمكن للإنسان أن يصل؟" كل جملة تقولها كانت كالحقيقة تصفع وجه فينسيا.

لعب دور الضحية كان درع تحمي نفسها به طيلة الوقت، كان يسمح لها دائمًا الهرب من أخطائها، وإلقاء اللوم على الآخرين، كان يغطي عنها حقيقتها القبيحة ولكن في هذه اللحظة حطمت جلنار درعها بالكامل تاركة إياها تتعامل مع حقيقة أنها ليست الضحية وليست الشخص الجيد في هذه القصة.

"توقفي" همست تحاول الهروب من نظرات جلنار، قبل أن تدفعها بعيدًا عنها مبتعدة للجهة الأخرى بخطوات متعثرة كغزال خائف يحدق به الشيطان بكل غضب.

"توقفي، أنا.. أنا لم أكن أقصد، كنت خائفة، أنا لست بهذا السوء" صاحت وقد انفجرت في البكاء بينما استندت على أحد الطاولات الخشبية تتتابع شهقاتها وجميع دموعها التي تساقطت فوق السطح الخشبي تحولت للون أقبح بفعل الغبار المتراكم فوق الطاولة.. لون دموع ناسب شخصية صاحبته.

"لستِ بهذا السوء؟" 

كانت قسوة جلنار وعدم مبالاتها الكاملة بنوبة الهلع التي تمر بها تزيد من خوفها، التفتت تنظر لجلنار التي حدقت بها بجفاء قبل ان تقول بنبرة ملأتها الكراهية..

"ألم تدركي ما فعلته؟" سألت مميلة رأسها تحاول السيطرة على غضبها "أتريدن أن أخبرك قدر فظاعة شخصيتك؟" ارتجف جسد فينسيا بشدة وشعرت بالفزع يسيطر عليها بالكامل عندما اختلفت الهالة بالكامل حول جسد جلنار..

لقد تساءلت طيلة اليوم كيف لفتاة لم تستشعر أي تهديد منها منذ أن خطت قدمها القصر أن تكون قائدة الفرسان، ولكن في هذه اللحظة عندما شعرت بالغرفة وكأنها تضيق حولها كجحيم حي بينما ثقل قوة جلنار سقط على جسدها فجأة دافعًا قدميها للارتجاف بجنون بينما تتمسك بالطاولة.

تقدمت جلنار منها بنظرات تحمل كل معنى الغضب والكره باصقة بتقزز "لم تكتفي مرة بمحاولة إيذائك، عدتِ مجددًا ولم تفكري لثانية قبل أن تكشفي حقيقته أمامي، مدركة كامل الإدراك أن مكانتي تمنحني القدرة على إعدامه فورًا وكل هذا لما.."

شعرت فينسيا أنها واقفة أمام الموت في هذه الثانية، وكأنها تحدق بعينه، ما شعرت به هذه اللحظة لا يقارن بما شعرته ليلة اكتشاف هوية أتريوس.

"لأجل نفسك، لأجل أن تخفي شدة سواد قلبك وحقارتك لذلك أتساءل الآن…" امتدت يدها ممسكة بفك فينسيا وبالرغم من أنها لم تشكل ضغطًا عليه إلا أن فينسيا شعرت بعظام فكها تكاد تتحطم تحت يديها.

"ما الذي علي فعله بلسان واشية لعينة مثلك حتى لا تتجرأ على فتح فمها بالهراء أمام شخص آخر" شعرت أن هذه لحظتها الأخير..

رغبة القتل القوية، عينها المفزعة وهي تحدق بروحها، عدم وجود أحدًا حولهما، كل شيء يشير أن جلنار بإمكانها قتلها بدم بارد هنا والآن دون أن يطرف لها جفن وبالنظر لعينها بدت كشخص قادر على الإقدام على خطوة كتلك.

"أتساءل حقًا.. ألسانك ما علي قطعه، أم رقبتك؟"

لم تجب ولم تجد حتى القوة لإخراج صوتها فالآن فقط أيقنت أنها لا تقف أمام جلنار..

بل تقف في مواجهة ابنة التوبازيوس.

"أهناك أحد آخر انزلق لسانك أمامه بهذا الأمر؟" لم تعرف كيف وجدت الجرأة لتحريك رأسها نافية لتأن بألم بسبب اشتدت قبضة جلنار حول فكها قائلة "فكري مجددًا، أكره الكاذبين ككرهي للواشين".

"ا..اقســ.. اقسم بذلك، لم أخبر أحدًا" صوتها خرج ضعيفًا مرتجفًا لتترك جلنار فكها وتنحني أمام وجهها هامسة بفحيح كفحيح الأفعى بينما تحدق بروحها..

"إن تجرأت حتى على ذكر الأمر أو التفكير به، سأجد طريقي لكِ لامارا فينسيا اركستوراي، وأقسم باسم الإله لأبيدنك أنتِ وعائلتك كاملة دون أن يطرف لي جفن، لا تفكري في الأمر منذ اليوم.. لا تذكريه، كل ما عليك معرفته أنك كنتِ واهمة، وأتريوس ليس إلا إلترانيوسي طبيعي.."

مال رأس جلنار قليلًا قائلة "أفهمتِ؟"

وقد كانت هذه الحركة تثير خوفها أكثر وأكثر فقد بدت بالفعل كشخص قادر على الإقدام على خسف قصرهم ثم نفض يدها ببرود والالتفات ذاهبة لذلك ابتلعت بصعوبة وأومأت برأسها أكثر من مرة..

"استعملي صوتك بحق الإله يا امرأة" أمرت لتتحرك شفتي فينسيا المرتجفين قائلة: "فـ..فهمت".

ظلت جلنار تحدق بعينها تستشف الصدق فيهما لكن يبدو أن لا حاجة لها بصدقها فالخوف في عينها وكأنها تحدق بهاوية مظلمة كان كفاية لجعلها تتأكد أن هذه المرأة ستغلق فمها للأبد.

ابتعدت عنها متمتة "جيد".

خطت خطوة بعيدة عنها وأخذت نفسًا عميقًا قبل أن تشعر فينسيا بكل شيء يختفي!

ثقل الجو، رغبة القتل، القوة والقدرة العظيمة كلها اختفت في هذه اللحظة وتبدلت تعابير جلنار في ثوانٍ لأخرى هادئة لطيفة مع ابتسامة صغيرة قبل أن تقول "ليلة هنيئة إذًا".

وتلتفت بكل بساطة لتخرج من المكان.

ظلت فيسينا تحدق بالظلام قبل أن تتخلى عنها قوتها وتسقط فوق ركبتيها أرضًا، أمسكت بصدرها تشعر بقلبها يكاد ينتزع من مكانه قبل أن تنفجر في نوبة هستيرية من البكاء.

….



لم تعرف جلنار كيف تمكنت من الخروج دون تحطيم رقبة فينسيا، بالكاد كان بإمكانها التعامل مع فعلتها في الماضي 

مقنعة نفسها أن الأمر لم يكن يخصها فصاحب الشأن بنفسه لم يكلف نفسه عناء لومها.


ولكن الوقوف في وجه جلنار بكل ثقة وخيانته للمرة الثانية! ذلك كان يفوق الحد.

لم يكن الأمر من منطلق الغيرة ولكن كانت تتساءل جلنار حقًا كيف انتهى الأمر بأتريوس مع امرأة كهذه؟ 

اُنتزعت بعيدًا عن أفكارها عندما لاحظت الظل في نهاية الممر لتتسع عينها بفزع.

هناك من كان يستمع منذ البداية!

دون أي تفكير وجدت جلنار ساقيها تنطلق كالريح نحو صاحب الظل قبل أن يختفي بين ممرات القصر ولم يكن الأمر صعبًا مقارنة بسرعة من تلاحقه. وقفت تحدق في نهاية الممر ولم يكن من الصعب التعرف على صاحب الظل الآن فبإمكانها تمييز ظهر واندر على بعد أميال.

"واندر!" 

تجمد جسد الأخيرة ولم تجد القوة حتى في الالتفات لمواجهة جلنار، تقدمت جلنار نحوها بخطى مترددة ولم تتمكن من التفكير في أي طريقة قد تسير بها هذه المواجهة.

"واندر لما أ.." قاطعتها واندر قائلة:

 "منذ متى؟".

حدقت جلنار بظهرها ولكن ليس لوقت طويل، التفتت واندر بأعين ملأتها الدموع تنظر لعيني جلنار بينما يرتجف قلبها بشدة خائفة من رؤية تلك النظرات مجددًا.

لم تنسى الليلة التي هرعت فينسيا للمنزل راكضة كالمجنونة، لم تعرف واندر أن مجيئها لمنزل أتريوس في هذه اللحظة لسهر ليلية هادئة مع فينسيا سيجعلها تشهد آخر لحظة هروبها، حتى اليوم كانت تتذكر تبدل نظرات فينسيا المبتسمة والهادئة لأخرى خائفة، كارهة وحاقدة.

لم تنسى تمسكها بيدها تتوسلها حتى تهدأ ولا تقدم على فعل أحمق، لكن لم تجد مجيبًا لتوسلاتها تلك الليلة.

كانت تخشى أن ترى تلك النظرات على وجه جلنار، ربما الأمر مع فينسيا كان صعبًا، لكن الإله يعلم أن طريقة تعلقها بجلنار كانت مختلفة كل الاختلاف.

ربما استطاعت كراهية فينسيا.

لكنها لن تتمكن أبدًا من كراهية جلنار ولم ترد أن تقف في موقف كهذا أمام الفتاة التي أرادت حمايتها منذ اليوم الأول الذي رأتها فيه..

"واندر، اهدأي أنا .." كانت واندر مشوشة كفاية وبالكاد تحملها قدميها لذلك لم تكن تسمع أي كلمة تقولها جلنار، تعلم أن هذه المرة قد تكون الأخيرة! ليس كما حدث سابقًا، هذه المرة من السهل أن تصدق السلطات وجود إريبوسي، هذه المرة ربما لن تحتاج جلنار لسلطات ويمكنها قتل أتريوس بيدها.

وهي تعرف ابنها جيدًا، تعلم أنه لن يقاومها ولو لثانية.

لذلك دون تفكير هبطت على ركبتيها أمام جلنار، لم تتمكن حتى من النظر لعينها، ولكنها أيضًا لن تسمح لدموعها بالسقوط حتى وإن اضطرت لتخلي عن كرامتها في هذه اللحظة، ستتخلى عنها بقوة، وستفعل كل ما يلزم، ستتوسل ألف مرة حتى لا يمس أبنها سوء.

"أنا أترجاك، لأجل كل شيء جيد رأيته في أتريوس، أرجوك جلنار، لا تقتلـ.." توقفت الكلمة وكأنها تخنقها أكثر لذلك ابتلعت غصتها وتابعت "لا تقتلي ابني جلـ…" لم تترك لها جلنار فرصة حتى لتكمل جملتها..

لم تكن حتى مدركة لما تفعله واندر في هذه اللحظة، كانت تحدق بها جاحظة العينين تحاول استيعاب انها على ركبتيها تتوسل -حرفيًا- وهذا دفع الفزع داخل جلنار.

هرعت بسرعة راكضة نحوها ممسكة بذراعيها تسحبها من فوق الأرضية بينما تنظر لعينيها بغضب وعدم تصديق صائحة "واندر بحق خالق الجحيم ما الذي تفعلينه؟ توقفي حالًا". تمسكت واندر بيد جلنار بشدة تنظر لعينها قائلة: "إنه رجل صالح جلنار، أعلم أن واجبك قتلهم ولكن أرجوك .."

"وانــــدر!".

أجفلت الأخيرة عندما صرخت جلنار في وجهها لتتوقف محدقة بها بذهول.

"توقفي! هذا يكفي، لما؟ لما تظنين أن امرأة مثلك عليها توسل فتاة مثلي، واندر لم أعاملك سوى كوالدتي منذ اليوم الأول لي هنا، لولاك ما كنت أصبحت ما أنا عليه لذا بأي حق تتوسلين لي بينما لك كامل الحق بطلب أيًا يكن ما تردين وصفع رأسي أن رفضت ذلك".

ظلت عيني واندر تحدق بها بصمت وذهول، كانت تحاول فهم جمل جلنار في هذه اللحظة، كانت تبحث عن تهديد أو كراهية أو غضب.

"توقفي عما تفعلينه، توقفي عن إخافتي، واندر التي أعرفها لا تحني رأسها قط، لذلك إياكِ توسلي ولو مرة"

قالت جلنار بانزعاج واضح وبدت حقًا حانقة.

"لماذا؟" نظرت لها جلنار تحاول فهم سؤالها لتكرر "لماذا؟ لماذا تتصرفين وكأن شيء لم يحدث؟ أنت تعرفين أن فينسيا لا تكذب صحيح؟" تنهدت جلنار قبل أن تومئ قائلة: "أعلم، أعرف كل شيء، أعلم هوية أتريوس وأعرف حقيقته".

بدت كلماتها كحلم في هذه اللحظة، وعندما بدأت تهدأ بدأ عقلها يفكر بشكل صحيح، بدأت تتذكر حوار جلنار وفينسيا كاملًا، بالرغم من انسحابها قبل نهايته ولكن بدت جلنار ساخطة على فينسيا أكثر من سخط أتريوس منها شخصيًا.

توقف عقلها للحظة مدركة أن جلنار كانت تدافع عن أتريوس منذ دقائق!

"من المستحيل ان يخبرك أتريوس" حاولت تجميع أفكارها ثم أردفت: "أسمعتنا عندما كنا نتحدث؟" زمت شفتيها قبل أن تومئ مجددًا وتقول: "ولكنني أعرف من قبلها بفترة" لم تتمكن واندر من النظر لشيء سوى عيني جلنار وكأنها تحاول التماس الحقيقة فيهما.

"لما لم.. لا أعلم، لما لم تقولِ شيئًا؟ أو تقدمي على فعل شيء؟" انسل نفسًا متعب من بين شفتيها قبل أن تسمح لنفسها بالجلوس فوق ركبتيها امام واندر..

"ما الذي كان علي فعله واندر؟ قتله؟ إرساله لسجن؟ إخباره الحقيقة؟ إريبوسي أم لا، لازال هو اتريوس بالنسبة لي، إن كان شخصًا سيئًا فكان يملك مئات الفرص لقتلي أو قتل أي واحد من الفرسان فلست أنا وحدي من يشهد على قوته وقدارته، لكن لم يفعل يومًا حتى بالرغم من كراهيته لنا جميعًا".

ضحكت في النهاية على مزحتها ولكن ضحكتها تقلصت عندما لاحظت ان واندر لم تبتسم حتى وظلت تحدق في وجه جلنار بصمت.

"لن أقدم على أذية أتريوس يومًا، ولن أسمح لأحدهم بأذيته، أرجوك اطمئني! إنه أتريوس في النهاية، إن أردت صفعت رأسه وركلت مـ.." توقفت عن المزاح واتسعت عينها عندما لاحظت دموع واندر التي بدأت تنهمر بغزارة فوق وجنتيها المكتنزتين.

"أعتذر، لم أقصد صفعه بسبب كونه إريبوسي، كنت فقط أمازحك، أحاول إيضاح أنني لست بهذا الضعف للخوف منه، لم أقـ.." توقفت عن محاولاتها المرتبكة لجعل واندر تهدأ في اللحظة التي اقتربت منها واندر محتضنة جسدها بقوة.

"شكرًا لك.." همست متمسكة بقميص جلنار المتفاجئة قبل أن تردف: "شكرًا لأنك خرجتي في طريقه، شكرًا للإله لوجود شخص مثلك في هذا العالم".

لم تعرف جلنار ما التصرف المناسب حقًا لشدة ارتباكها لكنها كانت تعرف أن واندر تحتاج لم يهدئها ليس إلا، لذلك ربتت على ظهرها قائلة: "لا بأس، أعلم أنكما مررتما بالكثير" كانت تلك أفضل مواساة سمعتها واندر منذ وقت طويل، اللحظة التي تشعر أن شخص آخر بإمكانه أخيرًا تفهم رحلتك الشاقة، خوفك وهربك وألمك..

لقد كانت تدرك فظاعة ما مر كلاهما به، كان بإمكان واندر الآن الارتياح قليلًا للمرة الأولى منذ وقت طويل.

"أعتذر، لقد مر بكل هذا بسببي، أنا من أقنعته بالزواج من فينسيا، لكنها كانت لطيفة جدًا ومراعية، كانت متمسكة به، ظننت أنه حتى وإن لم يحبها هو فحبها هي كافٍ حتى يعيش في بعض السلام أخيرًا، لم أعرف أنني جلبت على رأسه خيبة أخرى" ظلت جلنار تربت على ظهرها وتستمتع إليها حتى النهاية قبل أن تقول: "لقد فعلتِ ما رأيته مناسبًأ لأجله، لقد فعلتها قلقًا عليه، وأتريوس لم يلومك يومًا لذلك توقفي عن لوم نفسك".

ابتعدت عنها تنظر لها بكل جدية وأضافت "لكن واندر.. أتريوس لا يجب عليه أن يعرف" انعقد حاجبيها قبل أن تمسح دموعها بهدوء لتفسر جلنار "ستخفي عنه أمر معرفتي بهويته" اتسعت عينها وعارضت بسرعة "لما؟ أتعلمين كم يعذبه إخفاء الأمر عنك؟ أتعلمين مقدار الثقل الذي سيزاح عن صدره عندما يعرف؟".

حركت جلنار رأسها نافية وقالت: "لا واندر، ربما تظنين أن هذا ما سيحدث لكنني أعرفه جيدًا، سيتجنبي، ربما سنعود لنقطة ما قبل الصفر، خصوصًا في أوقات متوترة كهذه، ليس في حاجة لشيء آخر يشغل به نفسه، صدقيني إن عرف أتريوس فلن يتصرف معي مجددًا كما يفعل الآن، ربما يختفي حتى محاولة لتجنبي".

أرادت الاعتراض وبشدة ولكن بدا كلامها منطقيًا، هذا بالفعل يبدو تمامًا كشيء قد يفعله أتريوس.

"إذًا ماذا؟ سنخفي عنه الأمر حتى النهاية؟" هربت عين جلنار بعيدًا عنها للحظة لتتنهد قائلة ببعض الضيق "لا، لكن لنخفي الامر فقط الآن، حتى أجد اللحظة المناسبة".

في الواقع في هذه اللحظة كانت واندر مكتفية بمعرفة جلنار وتقبلها للأمر، بدا الأمر وكأنها تحلم والاستيقاظ هو اسوأ كوابيسها لكنها لم تستيقظ..

في النهاية ساعدتها جلنار على النهوض ورافقتها حتى غرفتها بينما تحاول ممازحتها كلما مر الصمت بينهما حتى تخفف من حدة الموقف على أعصاب المرأة المسكينة، فربما كادت تصاب بنوبة قلبية لمرتين في هذا اليوم.

أما واندر على الرغم من أن الخوف والفزع أرهقها حقًا إلا أن هذه اللحظة كانت تعرف أنها ستتذكرها لباقي حياتها، ستتذكر من تكون جلنار حقًا وأي امرأة كانت. لآخر أنفاسها، أدركت أنها ستكون ممتنة ومدينة لهذه الفتاة.

تأكدت جلنار من وضع واندر في فراشها ولم تكد المسكينة تضع رأسها على الوسادة حتى غطت في نوم عميق دفع جلنار لشعور بالشفقة على حالها.

أغلقت باب غرفتها بهدوء ثم وقفت في منتصف الممر تشعر أخيرًا بالإرهاق قد تمكن منها، ولكن لسوء حظها ضربت اشعة الشمس التي أشرقت عينها من خلال النافذة بجوارها.

"تبًا" شتمت بين أنفاسها فقد أرادت حقًا نيل قسطًا من الراحة بعد كل هذه الأحداث، ولكن يبدو ان النوم يعاكسها حقًا.

تنهدت وتحركت في اتجاه غرفتها لعلها تتمكن من إغلاق عينها لبعض الوقت ولكن في اللحظة التي لمست يدها المقبض تجمد جسدها وشعرت وكأن ضغطًا قويًا سقط على جسدها.

هذا الطاقة المرعبة لم تكن عادية ولسبب ما كان بإمكانها التخمين مصدرها..

دون تكفير وجدت نفسها تنطلق راكضة لحديقة القصر الخلفية بينما تدعو الرب أن يكون الجميع قد تجنب الذهاب لها بالفعل.

كانت الخادمات اللاتي استيقظن منذ الصباح الباكر يحدق بجلنار بهذول بينما تركض في ممرات القصر بقميص نوم لا يقيها حتى من نسمات الهواء الخفيفة، لكنها لم تهتم ولم تلاحظ حتى بل صاحت في وجه كل خادمة ترها ألا تسمح للأخريات بالذهاب لخلف القصر أبدًا مما بدأ يثير الخوف بينهم.

انطلقت قدميها تسابق الريح بينما اتسخ خفيها بفعل الطين والتربة بشكل سيء، وقف الحرس فورًا ما إن أصبحت على مرمى بصرهم وحدق بها كل واحدة بارتباك وذهول "سيدتي لا يـ.." قاطعته بسرعة قائلة: "أدخل أحد أو خرج لهذه المنطقة؟"

نظر لزميله باستغراب قبل أن ينظر لها مجددًا قائلًا: "ما الذي تتحدثين عـ.." قاطعته صارخة في وجهه "أسمحت بدخول أحد لهناك؟" اتسعت عينه وقد شعر بجدية الموقف ليجيب: "لا، لم أفعل سيدتي".

أرادت التنفس براحة لكنها لم تجد فرصة لذلك عندما تدخل زميله قائلًا "في الواقع.." اتسعت عينها تعرف التالي كما فعل زميله "الأميرة أركستوراي.. أمرتني بذلك، لم أستطع مخالفة أومراها أ.." لم تنتظر منه إكمال جملته ودفعته بسرعة راكضة للمنطقة الخلفية.

رأها أندريس الذي خرج لتوه من القصر الرئيسي ليندفع نحو مساعديه باستغراب وقلق ما إن لاحظ الفزع على وجهيهما.

كانت جلنار تلهث وتتنفس بصعوبة بينما عينها تمسح المكان بسرعة. ذاك الشعور المشؤوم يزداد كلما اقتربت من المكان، اتجهت عينها لشجرة الضخمة لتتسع بفزع عندما رأتها ذابلة بالكامل وسوداء كقطعة من الفحم.

ركضت بكل ما تملك من قوة نحو الجهة الأخرى لتشعر بقلبها يكاد يتوقف من الخوف عندما قابلها المشهد أمامها..

الحياة في المكان بالكامل كانت قد اختفت، الحشائش ذابلة متيبسة، مخلوقات صغيرة ومختلفة ملقاة في كل مكان لا حياة فيها وفي منتصف المكان كانت طاقة سوداء تتجمع كالغبار الأسود تلتف حول بعضها وعلى بعض خطوات منها وقفت فينسيا بصعوبة وقد تطاير شعرها مع ثوب نومها بفعل تيارات الهواء القوية في المكان.

بدت متجمدة غير قادرة على الحركة بينما ذلك الغبار بدأ يكبر ويتضخم وما إن لمست ذرة واحدة منه يد فينسيا صرخت بألم وقد سُحبت يدها بشدة داخله.

وقفت في مكانها تجمع قوتها كلها حتى تحاول سحب يدها وهي تشعر بها تكاد تتحطم وكأن أحد أمسك بها ضاغطًا على كل عظمة وعضلة فيها ساحبًا الحياة منها.

في ثانية وجدت جسدها يُدفع بعيدًا ويدها التي عانت في سحبها انفلتت بسهولة والتفت حولها طاقة صفراء غريبة تحمي ذراعها بالكامل.

واقعة فوق الأرضية ارتفعت عينها تنظر لجلنار التي وقفت حائلًا بيهما وبين البوابة، عينها صفراء بالكامل بينما جميع عروق جسدها صفراء مشعة  وكف يدها اليمنى عالق داخل البوابة.

شيء فشيء أخذت البوابة تكبر ثم تتقلص بشكل غريب، وغبرها الأسود بدأت تلتف من حوله شرارات وموجات طاقة صفراء مصدرها جلنار التي ضغطت على كل عضلة في جسدها متحملة الألم الفظيع وحاولت دفع جميع الطاقة التي تشعر بها تندفع داخلها نحو البوابة غير مدركة ما الذي تفعله.

طاقة جلنار كانت كبيرة، أشبه بالخلل الذي يحاول سحر البوابة فهمه والتأقلم عليه حتى تمتصه.

ووسط كل هذا بدأت الحركة العشوائية للطاقة تتشكل لجلنار، كان الغبار يتوزع كدائرة عشوائية والمنطقة في المنتصف أصبحت نوعًا ما واضحة، بدت كمرآة أبعدها مشوهة ولكنها لم تكن تعكس جلنار بل كانت تعكس غرفة أخرى.

بدت كقاعة فارغة ضخمة احتل الظلام جميع جوانبها ولكن لم يجذب نظر جلنار سوى شيء واحد، الشخص الواقف في المنتصف وقد ولى لها ظهره.

وفي لحظة بدا وكأن ذلك الغريب شعر بوجود طاقة البوابة معه في ذات المكان مما دفعه  التفت لترى جلنار وجهه للمرة الأولى..

لم ترى عينين شديدتي السواد كما كانت عيني هذا الرجل فارع الطول. أعين ميتة لا مشاعر فيها، لا تحمل أي نوعًا من العاطفة أو حتى الآدمية، منطفئة لا روح بها.

ولكنها حدقت بجلنار وكأنها أمامه تمامًا، شفيته الحادتين انفرجتا بشكل بسيط وكأنه لم يتوقع رؤيتها تمامًا كما لم تتوقع هي هذا اللقاء.

شعره الأسود كسواد الليل تبعثر حول وجهه ذو البشرة البيضاء الباهتة بفعل تيارات الهواء التي بدأت تضربه. وفكه الحاد المنقبض ارتخى لثوانٍ وهو يحدق بها بين أهداب عينه الكثيفة بكسل.

امتدت ذراعه باسطًا كف يده امام جلنار ولم يفصل بين يدهما سوى البوابة قبل أن يقول بصوت هادئ رخيم:

"لقد كنت في انتظارك، جلنار روسيل".

لم تفهم جلنار ما الذي حدث حينها ولم تفهم حتى ما حدث بعدها فكل ما تعرفه أن يدها أُنتزعت بشدة بعيدًا عن طاقة البوابة التي كانت تسحب قوتها قبل أن تجد ذراعين ملتفتين حولها بإحكام وحُجبت عنها الرؤية بالكامل..

ظلت هي بأعين جاحظة متسعة تحاول إدراك كل ما يجري.. بينما كان أتريوس يحدق بها بفزع وحقيقة واحدة تضربه.

كان المكان حولهما كمهرجان جنوني، صراخ ملأ المكان، عشرات الجنود ركضوا محاوطين جسد فينسيا التي امسك بها شقيقها وتمسكت به بهلع تحاول إبعاد نفسها عن المكان وهي تحدق بكل من أتريوس وجلنار.

ثونار التي ظهرت مع أوكتيفيان ركضت بأقصى ما تملك من قوة مع كتاب تعاويذ في يدها بينما تصرخ بتعويذة قوية في محاولة لكبح قوة البوابة.

كان الجميع في حالة من الفوضى.

بينما ظل محتضنًا جسد جلنار بقوة وكأنه سيفقدها في أية لحظة غير مبالي بأي سحر أسود قد يصيب جسده أو يقتله حتى في هذه اللحظة.

كل ما يدركه أن رؤيتها واقفة محدقة في تلك البوابة كالمنومة بينما أخذ السحر يتدفق خلال شرايينها وعروق يدها يكاد 

يصل لأعلى ذراعها أفقده صوابه.

لم يرى سواها في هذه اللحظة ولم يهتم سوى بصنع حائل بينهما وبين تلك القوة.

حتى وإن كان ذاك الحائل هو جسده.

"اسباكرو بتروماس.." 

صرخت بها ثونار للمرة الثالثة وبها كان ختام هذا المشهد الفوضوي، فقد تمكنت من إغلاق البوابة ليبدأ الجو الذي تبدل حاله يعود لوضعه الطبيعي لتسقط ثونار فوق ركبتيها لاهثة وقد خارت قواها لشدة فزعها ولقوة تعويذتها بينما هرع أوكتيفيان بسرعة يتفقد سلامة أفراد أركستوراي كواجبه كفارس لكنه لم يستطع ابعاد عينه عن أتريوس وجلنار يدعو الإله أن يكون كلاهما سالمًا.

ابتعد أتريوس شيء فشيء عن جلنار يتفحصها بعينه إن كان قد أُصيبت أم لا بينما حدقت هي به برأس فارغ وأعين تائهة.

كان يدرك حقيقة واحدة وشعوره بقلبه يكاد يُتنزع من صدره..

فينسيا كانت محقة... عالمه بالكامل سينهار إذا مسها سوء.

لقد انتهى أمره!

وفي المقابل كانت جلنار تبادله النظرات وفكرة واحدة تطرق رأسها وهي على يقين منها..

لقد قابلت ملك الإريبوس وسيد الظلام لأول مرة وجهًا لوجه الآن.

لقد قابلت لوكيان باتريخ للتو.

*****************************************************

مش عارفه أدخل عليكم بقلب جامد ولا بخجل وامشي باستحياء؟

طبعا وقبل كل شيء، عيدكم مبارك وكل عام وانت بالف مليون خير يارب.

ثانيًا الفصل 30 الف كلمه.. بالظبط كده، يعني لو بني آدم الشيطان وسوسله وقاله اكتب ان الفصل قصير، اتمنى يكتبلي عنوانه مع التعليق عشان هعمل كام زيارة خفيفة ان شاء الله.

الفصل طول جداااا ده شيء واضح.

متفهمة انزعاجكم.. لا هجومكم، لكن بشكل عام مش بحب أعلق الصراحة تجنبًا لأي خلافات، لكن لإيضاح كام صورة، فأنا امتحناتي انتهت يوم 31 /5 ، ويوم 4 و 5 سته امتحنت مرتين حاجه اسمها امتحانات تعويضيه عشان لو درجاتي اقل في امتحان معين دي فرصه أعليها.

ثم دخلت في دوامة عشان محتاجه احجز واسافر لأهلي قبل العيد والمغتربين عارفين ان حجز التذاكر خاصة الغير مباشرة صعب وبياخد وقت ومجهود، وسفري كان يوم 10 عشان كده كل وقتي كان شبه رايح على تجهزات السفر ووصلت يوم 11 لاهلي..

ورغم كل ده والله اي وقت فراغ كنت بقعد اكتب فيه حتى المطار قضيت وقت الانتظار بكتب لحد قبل اقلاع طيرتي بنص ساعه وقمت زي المجنونه اجري الحق الطيارة 😂

كنت حابه اخلص الفصل وانزله قبل معاد الطياره عشان كنت عارفه لما اجي هنشغل جدا هنا مع اهلي.


*صورة لإثبات الواقعة*

وبعدها طبعا وصلت لاهلي انشغلت بيهم ومرضت شويه بسبب تغير الجو وانشغلنا نجهز للعيد وأهو وصلنا للنهردة..

والمفروض الفصل كان ينزل الصبح والله لكن نومة العيد سحبت معايا اويييييي.

فكل ده بقوله ليه؟؟

مش محتاجه أوي أبرر الصراحة لكن احترامًا لكل شخص استنى واحترامًا لكل حد متفهم جدًا ظروفي حتى وانا مش قادره انزل عنها حاجه او افسر في وقتها تأخيري.

هل بتضايق من انزعاجكم من التأخير؟ لا نهائي لكن الاتهمات بالإهمال والتسيب ووو ده مش من حق حد، حط لأخيك الف عذر، أنا أه بتأخر عن مواعيدي لكن أخري بيكون التنزيل ثاني يوم او بعدها بكام ساعة لكن لما توصل لدرجة دي فأكيد غصب عني.

وكنت بتمنى الناس الي اتهمت في لحظة غضب تفتكر التزامي بمواعيد التنزيل قبل اختباراتي وقبل ظروفي دي كلها أيام ما الفصول كانت بتنزل شبه يوميًا.

وبالنسب لنقطة أني بحدد يوم أو موعد ومش بلتزم.

فلو رجعتوا لكلامي أنا قلت في الأول ان هحااااول يومين في الاسبوع، هحاااااول وخصوصا في فترة امتحاناتي هيكون صعب فطبيعي يحصل تأخير في الجدول لاني قلت بكل وضوح هحاول مش أكيد التنزيل ثابت.

ولكن بعضكم بيقرأ ويفهم الي هو حابه.

والي قال ليه بحدد موعد من البدايه وان انزل بدون تحديد مواعيد فهم هم نفس الناس الي طلبت من الأول أصلًا أحدد مواعيد لتنزيل فأنا مش عارفه والله أنتم ايه الي يريحكم بالظبط؟

افتكروا ان الكتابة مش سهلة ولو انتي ككاتبة مثلًا عندك مهارة ماشاء الله في انك تكتبي فصلك بسرعة وسهولة فأنا بياخد مني وقت ومجهود كبير خاصة أني راجعة بعد أربع سنين انقطاع، وكل الفصول الي كتباها وقت فترة انقطاع الشغف مش راضيه عنها نهائي وبحاول قدر الإمكان احسن منها واضيف ليها عشان الفصل ينزل وهو على الاقل راضية عنه.

الفصل ده مثلا مكنش بالمنظر ده نهائي ولو حد قرأه قبلها هيحس أن مستوى الفصل نازل وحرفيًا وميتقرأش، كمية الحاجات الي انضافت واتحذفت اخدت مني وقت، الفصل كان في حدود ال 8000 كلمة بس وكان بالنسبة ليا مش مناسب انزله والله.

فيعتبر كأني كتبت الفصل كله من أول وجديد

حتى شخصية أندريس انضافت بعدين مكنتش موجوده ولا مخطط أني اكتبها بس حسيت وجوده ضروري عشان مقدرش اجاي على بنتي بس، لازم أتريوس يولع شويه..

لكن في النهاية..

انا شخصية الالتزام عندها صعب جدااا، انا ممكن احيانا اقعد قدام اللاب لساعات مش عارفه اكتب وبحس ان صعب جدااا انظم وقتي ومهامي، فالشيء الي قد يبدو ليك سهل وعادي لشخص تاني صدقني قد يكون اصعب مهمة في حياته والله ولكن بحاول قدر الإمكان أفضل بذات الالتزام والانتظام حتى لو اختل شوية.

فاتمنى للمرة المليون تفهمكم.

وحقيقي عمري ما كرهت حماسكم للرواية وانتظاركم حتى لو شكل ضغط فهو الي بيحمسني احاول ارجع مستواها عشان يكون زي ما كانت قبل ما يتوقف نزولها.

بالنسبة لمواعيد التنزيل، فحسيت أنه أريح أني ألغيها تمامًا ومتى ما جهز الفصل نزل عشان حماسكم.

يعني في أحسن الأحاول هيكون فصل في الاسبوع ان شاء الله ان قدرت لان حاليًا بحاول اقضي وقت أكتر مع اهلي، وبالنسبة لمعاد نزوله هقلكم عليه على حساباتي قبل نزوله بيوم مثلا بشرط يكون الفصل مكتوب وجاهز عشان محدش يستنى.

ممكن أخد اكتر من اسبوع عشان تكونوا فاهمين لكن هحااول يكون في الاسبوع على الاقل فصل.

وبالمناسبة الفصل فعلا مكنتش أقدر اقسمه وحسيت كل سطر فيه ضروري يتكتب لانه مهم لتحريك الأحداث مستقبلًا وعشان نحط نقطة عند ماضِ أتريوس ونكمل بعد كده في مستقبله.

فكان لازم كل حاجه تكون واضحة ولازم أوضح شخصية فينسيا الي دخلت جديد في الفصل ده لان ظهورها مش هيكمل معانا لكده الفصل طول اوي.

شكرا لصبركم على الانتظار وعلى قراءة كل ده.

لوف يو نفر نفر

بايي



تعليقات

  1. لقد هرمناااااا😭❤️❤️❤️❤️❤️❤️

    ردحذف
  2. لحظة إدراك أني مش مستعدة للحظة دي🥲🥲

    ردحذف
  3. خايفة اقرأه و يخلص 🥲

    ردحذف
  4. اخيرااااا لقد هرمنا ❤️❤️❤️🤭

    ردحذف
  5. سادس تعليق ، اخييييييرررا بلش العيد 😭😭

    ردحذف
  6. يالله احساس جميل ❤❤

    ردحذف
  7. يااعلييي كلللووشششش العيد صار عيدين اليله عيد الشيعه كل عام وانتو بخير ياحلوين

    ردحذف
  8. الله متشكريييين اويي يا اسراء

    ردحذف
  9. انا سعيد والكل سعيد 🌹

    ردحذف
  10. فصل صدمات بامتياز 😭💜

    ردحذف
  11. صدمات ورا بعضها من تؤام بنجامين لأكتشافه لهوية أي لزواج اتريوس لصدمة اتريوس بالحب لمعرفة واندر لمقابلة ملك الظلام المز 😭😭😭 فعلاً الفصل طوووويل بس احنا متحمسين و طماعين 😂💔 كل فصل يستحق الأنتظار و اكثر 🤍

    ردحذف
  12. روعة روعة روعة الفصل المنتظر وتوضح ماضي أتريوس، لحظة الصراحة بيناتهم وخصوصا المواجهة بين فينيسيا وجلنار كانت نااااااار ، حقيقي قدرت جلنار توضح لها موقفها اتجاه اتريوس ، واندر المسكينة وماصرا فيها غاضتني كي ترجتها باش متقتلوش ، لكن حسبتها وكأنها ظنت سوءا بحلنار حقيقي الخوف والخطر على حياة اتريوس خلاها تنسى حقيقة جلنار وأيامها معاها الحمد لله زال سوء الفهم لعاقبة لتشجع أتريوس ومصارحتو بحقيقته

    ردحذف
  13. شكرا اسراء على مجهوداتك المبذولة فعلا الكتابة شغف وليس واجب ، قضاءك وقتا لكتابة الفصول والحرص على المستوى العالي من الحبكة والأفكار ليس بالأمر السهل ، نتفهم انشغالك وننتظر تخديثاتك ،استمتعي بصحبة أهلك واشبعي بمرافقتهم و عيدكم مبارك ودمتم في سعادة وعدهناء

    ردحذف
  14. غيرة أتريوس هي الافضل على الاطلاق 😭😭😭

    ردحذف
  15. فصل يسرسح القلب والروح ويشعل الحماااسس للفصول الجاية مذهل رهيب ابدعتي ولا يهمك اذا تأخرتي اعرف كاتبات ماينزلون اشهر وسنين اخذي راحتج ماعليج بأي احد هو صدك الرواية حييل مذهلة وتحمس الواحد يكملها بس لازم البعض يستحي من نفسه وهو يتهجم عليج لان مانزلتي (روايتك) انتي ¡¡¡ مو طبيعي

    ردحذف
  16. انا اتحشرت من ساعة ما نزل ولسة مخلصة دلوقتي😭

    ردحذف
  17. بجد احلى فصل في الرواية بدون مبالغة😭😭😭

    ردحذف
  18. مبيخلصش..
    الفصل مبيخلصش
    مش عايزاه يخلص و مش مكتفية بس بجد حلوو

    ردحذف
  19. ثلاثة ساعات ونص وانا اقراء 😂 بلا انقطاع ، تقولون جنون ولا مو جنون المهم اني انسجمت لدرجة ماحسيت بالوقت ولا اي شي ، بس اصرخ واقفز واصفق ، واعيط واشتم (فينسيا طبعا ) الفصل خررااافي بمعنى الكلمة مو قادرة اعبر اكثر بس الفصل برد قلبي كثيييير ، ولا جاب اي شي من توقعاتنا كالعادة😂

    ردحذف
  20. احنا مش بنحاول نضغط عليكي ولا نتهمك بالاهمال والتسيب بالعكس والله وانا كنت من الناس اللي قالت الفصل اللي فات انك من الافضل متحدديش معاد للتنزيل علشان ده هيسبب ضغط ليكي وكمان لو منزلتيش احنا هنحس بإحباط فالافضل انك تسيبيها مفتوحه وده اريح للطرفين وبعتذر منك نيابه عن اي حد اتهمك بأي حاجه احنا مقدرين ده والله يا اسراء كفايه انك متخلتيش عن الروايه وبتحاولي تكمليها بعد السنين دي فخدي وقت ومتضغطيش نفس بعدين احنا صبرنا سنين مش هنعرف نصبر كام يوم يعني

    ردحذف
  21. بس لازم اعلق بجد على فينيسا تطلع كانت مراته في الاخر!!!!!! يعني الولد كان متحوز لسنتين!!! ده انا حاسه اني اللي اتغفلت مش جلنار

    ردحذف
  22. خلصت. وعندي شويتين كلام هنشرهم في الفيسبوك.. مشتاقة جدا لميزة التعليق على الفقرات... 🤌

    عيدكم سعيد جميعا. ❤❤
    تسلمي اسراء على الفصل الرائع، وعيدك سعيد.❤❤
    يا ريت يا سرووء لو نستغل العطلة كدا ونحدد وقت كتابة محدد ونكتب وننشر في الاوقات المحددة من قبل، وكدا القريبا لي متفقين عليها تبقى قريبة بجد وما تتأخر... وعادي لو سبقت عادي جدا 😂

    الفصل عسلللل، ويستاهل السهرة لكن يا ريت تدعولي اني لما نجي نقوم، نقوم صح وما نبقى كحيوان كسلان ولا دب قطبي معرف شو 😂

    ردحذف
  23. هل سأتخطى ان فينيسا هي الاكس وايف لاتريوس ؟؟ ممكن لما يرجعوا للاترانيوس او يروحوا لكوكب ثاني

    ردحذف
  24. ❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️

    ردحذف
  25. احلى عيديه حمدلله على السلامه يا قلبي ♥️♥️♥️♥️♥️

    ردحذف
  26. صمنا وافطرنا على عسل🥺 شككراا يا إسراء اشكرك من قلبي عالتحفه هذي وبالنسبه للمواعيد يختي خذي راااحتك حتى لو في الشهر فصل اهم شي تكوني راضيه عليه ومايكون مأثر على حياتك ويومك بشكل سلبي وكل عام وانتي بخير يا احلى كاتبه

    ردحذف
  27. عيدك مبارك اسراء انا من فانز القديمين وكم بودي خبرك كمية الفرح وقت رجعتي تكملي نشر بعد فترة اربع سنين وبرجع قلك انا بحب كتاباتك مو بس هي الرواية وكل رواياتك كمان بتمنالك التوفيق والنجاح ونا على أمل تفكري تنشري التوبازيوس كرواية ورقية حتى اقدر احتفظ فيها تراث اولادي وولاد ولادي

    ردحذف
  28. الفصل نااار خرافي بجنن يستحق الانتظار فعلا
    شكرا كثير الك و خدي راحتك و استمتعي باجازتك بس حاولي ما تتأخري كثير كثير يعني
    و عيدك مبارك

    ردحذف
  29. أزال المؤلف هذا التعليق.

    ردحذف
  30. لو ده مكانش احلي فصل هيكون اي بجد❤️❤️❤️❤️
    فصل خف الاشتياق اللي كنا حاسين بيه والكثير من جلنار واتريوس 🥰❤️❤️❤️❤️
    ياخي قصة الرواية كل مره اقول مشهتقدر تبعد اكتر من كده وكل مره بنبرة بالتفاصيل والقصة اكتر حقيقي تحفة فنية❤️❤️❤️

    ردحذف
  31. مرره شكراً على الفصلل واضح تعبتي عليه كانن يجنن،
    الحين وش كانت تسوي ذيك الهبله عند البوابه ابي حد يصفقها
    واحس ان لوكيان حلو شوي😭😭

    ردحذف
  32. الفصل تحفففة يا إسراء حقيقي بقى من مفضلاتي اللي هحب أعيده كل شوية🔥❤️❤️❤️

    ردحذف
  33. هذه هي العيدية بالنسبالي - بما اني مش باكل لحمة و محدش عبرني بجنيه - حقيقي البارت تحفة فنية 💕💕

    ردحذف
  34. أزال المؤلف هذا التعليق.

    ردحذف
  35. حقيقي البارت روعة، بداية من احتمالية ان في توأم او اخ لبانجمين لحقيقة ايراكوس كنت حاسة بردو انه من صاميومين اصل العيلة دي كلهم خبيثين، ڤيوليت المسكينة زعلت عليها حاسه انها بس محتاجة تتعالج من مرض حقارة النبلاء و هتبقى عسولة عادي، نيجي بقى للاحداث اللي نستني بانجمين و ابراكوس، بجد كان عندي امل صغير ان فينيسا متكونش وحشة و نكون ظلمينها بس طلعت تستاهل كل الشتيمة اللي اتشتمتها بجد بكره النوعية دي من الناس اللي من كتر ما هي بتحس بالذنب و انها غلطانة بتعلق غلطها على الغير و تدور على كل التبريرات الممكنة علشان تفضل هي في دور الضحية، اتريوس كان مستفزني اووي بجد من انه بيتعامل معاها عادي و اللي هو انت ازاي اصلا طايق تبص في خلقتها دا انا لو كنت مكانك كان زماني فلقاها نصين بس علشان ابني قلبه ابيض و طيب و غلبان بيتعامل معاها عادي الكوبرا اللي ما تستاهل دي، فرحت فيها اووي بعد اللي جلنار عملته فيها حقيقي تستاهل و جامد من جلنار انها عرفت تسيطر على نفسها و متقتلهاش التستس المستفزة دي بجد يعني حرفيا وصلت بيها الحقارة انها توشي بيه مرتين، اللي هو يالحقيرة انت عاوزه تموتيه و خلاص، عارفة انها عملت كده كأخر حجة مزيفة تتمسك بيها علشان متطلعش غلطانة بس بجد كمية حقر فيها متتوصفش، خلينا نتكلم عن حب جلنار بقى بجد حقيقي كل مرة بتبهرني حبها لاتريوس بجد جميل اووي - طبعا مش ناسية انه خلالها تبكي و كنت عاوزة اجيبه من شعره ساعتها - و لكن حقيقي بتبهرني كل مرة جلنار بطمن فيها اتريوس و تحسسه بالامان بجد بحب الجزء دا من علاقتهم جدا حقيقي حبهم جميل اووي الحاجة الوحيدة العدلة اللي فينيسا عملتها هي انها خلت اتريوس يفهم مشاعره و يتأكد منها، و بجد واندر اثبتت حبها لاتريوس بشكل مثالي فكرة انها حاسة بالذنب علشان كانت السبب في الجوازة الفاشلة بس بجد انا بحبها و بحب حبها لاتريوس و خفها عليه، بالنسبة لاندريس حقيقي كان اضافة سكر خالص خاصة انه كان صاحب جوزفين حقيقي بفرح لما اعرف ان في ناس مدركة لحقيقة جوزفين و بتحبه بجد ، طبعا حقارة يوجين المعهودة بهارات الفصل بحب يوجين جدا لانه بيشعلل الاحداث ، نيجي بقى لثونار و جوزفين يا روحي حقيقي بحب ازاي ديما ثونار متفهمه جوزفين و اللي بيمر بيه و كل القسى اللي بيعيشه و ازاي بتحاول تساعده و غيرتها عليه من فينيسا ياربي بجد كانت سكر، نيجي بقى لغيرة اتريوس اللي هو يا روحي بجد بحبه لما بيغير بينسى الدنيا كلها، بس بجد اخر حاجة توقعتها انه يتجوز و لمدة سنتين بجد كانت صدمة يلا هنعتبرها محصلتش - سنسامحه لانه وسيم و غيرته تجنن - بالنسبة بقى لحوار البوابة فانا مفهمتش اووي النقطة بتاعت الظلام و السحر و الكلام دا اللي فهمته انهم دمجوا السحر الاسود مع قوة الظلام فظهر قوة جديدة او مش قوة جديدة يعني بس اتحاد قوة يعني انما لعنة الاريبوس بتزود قوة الاريبوس يارب مكنش عكيت الدنيا بس دا حسب ما انا فهمت، بعيدا عن كل دا جلنار شافت لوكيان بمووت دي اخر حاجة توقعتها كنت فاكره انها هتشوف الراجل النرجسي اللي بيعامل الناس كدمى تجارب بجد اكتر واحد مستنية موته غير لوكيان مش عاوزة لوكيان يموت اصلا حساه هيبقى معاه حق في الاخر و انه كان شخص طيب و هم اللي خرجوا اسوء ما فيه، المهم محتاجة بجد اعرف ماضي جوزفين علشان خلاص صبري نفذ، بالنسبة للمواعيد و التأخير فا بجد معاكي كل الحق من الاخر كده كل قارئ بيختار يتابع اللي بيحبه و مش مجبر خالص انه يستنى حاجة لكنه بيستنى لانه بيقى شايف ان الحاجة دي مستاهل و هو بيحبها فمش هيبقى عنده اي مشكلة يستنها دهر، و الكتاب من حقهم بردو ينزلوا رواياتهم في الوقت المسموح بشكل ميأثرش على حياتهم بشكل سلبي في الاخر دي روايتك تنزليها وقت متنزليها محدش ليه دعوة، في الختام عاوزة اقولك اني بحبك بالله يبنتي فرحانة انك قدرتي تنزلي تعيدي مع عيلتك يارب تقضي وقت كويس و في انتظار باقي الاحداث 💕💕

    ردحذف
  36. عمي راضيه لو فصل بالسنة… ايش هي حسابات اسراء ؟

    ردحذف
  37. ااااااا اخيرا اقدر اكتب تعليق اوف سعادة سعادة

    ردحذف
  38. انا حرفيا واقعة بحب مخ اسراء 😭💜 احب هذه الكاتبة جدا جدا ياربي يسعدها

    ردحذف
  39. احب هذه الرواية كثيرا واظن مستحيل انسى مشاعري اتجاهها طول حياتي .. اتمنى بالمستقبل لما تنتهي ان يحدث وتقدر اسراء ترجعها رواية ورقية ان شاء الله حرفيا سيكون افضل شيء بالكون

    ردحذف
  40. وصراحة كاتبتنا الجميلة معذورة .. يعني احس هذا الفصل والاحداث تستحق كل المدة التي انتظروا لأجلها 😭 نسيت اصلا طول المدة من كثرة استمتاعي بكل حرف

    ردحذف
  41. شكراااا ااا على الفصل وانشالله بنتضارك براحتك حبيبي اشوكت متنزلي

    ردحذف
  42. شكرا ليكي يا اسراء على الفصل الحلو ده و خذي وقتك احنا كده كده هنستناكي 🖤✨

    ردحذف
  43. البارت فخامة كالعادة🩷🩷🩷
    وبانتظار يلى بعده بأي وقت حتنزليه مش مهم المهم راحتك🫶🏼 -اكيد ما قصدي تبيض طناجر بس انا مثلا كان من فترة عندي التزامات كتيرة لدرجة بمسك التلفون ساعة بس, لهيك متفهمة وضعك 🫶🏼😂

    ردحذف
  44. أزال المؤلف هذا التعليق.

    ردحذف
  45. أزال المؤلف هذا التعليق.

    ردحذف
  46. اذا عندج بنترست حساب 17Saja

    ردحذف
  47. كل شوية ادخل اشوف الفصل اللي بعده نزل ولا لا من جمال الأحداث بجد 🥹💖

    ردحذف
  48. سالمين اشو نص الي يتابعون الروايه عراقيين وعبالي بس اني؟

    ردحذف
  49. يابه اذا بارت مره بلشهر گولو ليش هيچ محنطينه ☠️☠️

    ردحذف
    الردود
    1. وحق لله دخلت هيج اكتب +شني كبينه بالشهر بارت

      حذف
    2. شعجب محد يعلق بس اني وياچ؟

      حذف
    3. مادري يمكن متابعين انستا؟

      حذف
  50. شكلي واني منتظره احد يبادر بلتعليقات لأن صايره الأجواء مُتوتره ☠️☠️☠️

    ردحذف
    الردود
    1. بتعرفي متى الفصل القادم؟🥺😭

      حذف
    2. لا والله ياريت لو اعرف 💔

      حذف
  51. يا جماعه الي متابعين إسراء انستا بليز طمنونا

    ردحذف
  52. الـ انستا ماتنشر شي

    ردحذف
  53. شكرا على الفصل إسراء🩶
    حاولت افهم وجهت نظر فينيسيا و قلت ممكن مظلومه لكن لاا! لعند وصلت انها بلغت ع اتريوس و هربت، ياريت بلعها سحر الموجود عند الشجره، و بجد للآن افكر كيف رح يصير لأتريوس بعد ترجع جلنار للأرض😭😭

    ردحذف
  54. حاليا الساعة ٣ و انا صرلي يومين بس بقرأ فيها قرأتها قبل اربع سنين كانت افضل رواياتي حتى لما اختفت الرواية ضليت افكر فيها و اتزكرشخصياتها حتى كتبتهن ع ورقة مع قواهم عشان ما انسى و بس رجعت كان ولا احلى هدية وصلتني كنتي و ستبقي على رأس قائمة كاتباتي المبدعات و الهارجات عن المألوف شكرا لك على هذه الرواية التي قلبت عالم القراء❤️❤️❤️❤️❤️

    ردحذف
    الردود
    1. هو انا ازاى اجيب فصول الروايه كلها عشان مش عارفه

      حذف
  55. والله هازا مازين صار البارت كل شهر وممكن اكثر 🥲🥲🥲🥲انا حزينه جداً

    ردحذف
  56. خوماكو شي گبينه شني!؟

    ردحذف
  57. صراحة حوار تنزلي بارت وتختفي شهر دا زفت .. عارفين انك مشغولة ف حياتك الشخصية الحقيقية بس كقراء ليكي من حقنا ع الاقل تعبرينا بكل اسبوع بارت او كدا احنا حاليا اجازه حتى مش اختبارات ودراسة وكدا .. ومتقوليش مش من حق حد يتهمني بالتسيب والاهمال لان انتِ بتكتبي رواية خيالية ف مش هتنفع ولا تضر حد
    لا انتِ كاتبة وليكي متابعين ماشاء الله من 4 سنين مثلا وانا منهم فا احتراما لينا اننا انتظرناكي كل الفترة دي انك تنتظمي ف التنزيل ♥️

    ردحذف
  58. انا خلاص قررت بسحب اربع خمس شهور وارجع القى كم بارت يستحقو القراءه وعبال ماخلصهم يمدي مر شهر يكون البارت اللي بعدهم نزل فكره ولا مش فكره😂😂😂😂🫡

    ردحذف
  59. لا من صُدق قبينه 🥰💔

    ردحذف
  60. الكاتبة انا يتابعها من زمان هي من زمان كانت عم تعمل جهدها لتكمل الرواية ولحد الان ولكن ومن زمان وللان الواحد مابعرف بأي ظروف عم تمر فيها ف حتى لو تأخرت عادي ننتظر ونرجو انو تكون مرتاحة نفسيا ومافي ضغوطات عليها .. لوف يو كاتبة التوبازيوس❤️

    ردحذف
  61. ننتظرك بصبر ✌🏻🌸

    ردحذف
  62. هو هيبقي كل شهر بارت لي المعامله دي ي إسراء

    ردحذف
  63. اسراء متضغطيش نفسك وخدي وقتك احنا في كل الحالات هننتظرك💜

    ردحذف
  64. أزال المؤلف هذا التعليق.

    ردحذف
  65. من: قطعة اللغز المفقودة، إلى: الفصل المفقود. 😗🤌🏻🫂

    ردحذف
  66. هاا يمعودين طمنونه ميتين عدلين

    ردحذف
  67. الرواية تحفففه
    بس انا بالي مشغول على إسراء هي بخير

    ردحذف
    الردود
    1. بخير الحمد لله قالت انها مشغولة بس و محتاجة وقت أطول لحتى تخلص البارت و تنزلو

      حذف
    2. أزال المؤلف هذا التعليق.

      حذف
  68. أزال المؤلف هذا التعليق.

    ردحذف
  69. أزال المؤلف هذا التعليق.

    ردحذف
  70. تيم اللي لسا خلصوا فاينلز وتوهم شافوا الفصل لتس قووووو 💃🏻💃🏻💃🏻💃🏻

    ردحذف
  71. يلاا ياا اسراء راح تبدي المدرسسه بليييز

    ردحذف
  72. يلا يا سوسووووووووووووو🙂

    ردحذف
  73. داخله اكتب تعليق عشان اكون انا التعليق ال100😂😂😂👌🏻

    ردحذف
  74. الحين توقفت الروايه؟؟ احد يقولنا وش الجديد

    ردحذف
  75. أزال المؤلف هذا التعليق.

    ردحذف
  76. قرب يصير شهرين ميته حماس

    ردحذف
  77. اسراء مش شايفة أن انت كدا طولتى اوى انا عارف والله أن الموضوع مش سهل بس احنا حرفيا ابتدينا ننسى الفصول والاحداث ودا غير أن انت قولتى هتحاولى يكون فصل فى الأسبوع انا عارف ان انت قولتى كمان ممكن يبقى اكتر من اسبوع بس يعنى مش لدرجة شهرين احنا بردو مش عايزين نضغط عليكى بس احنا فعلا تعبنا والله من الانتظار وخصوصا أن انا قارئ جديد، فالرواية كلها كدا من بدايتها لنهايتها حماس بالنسبالى فإن انت تقطعى كدا مرة واحدة خلانى ابدا أفقد الشغف ف ارجوك بسررررررررررررررررررررررعة

    ردحذف
  78. طولتييييييييييي كثيررر

    ردحذف
  79. يعني الرواية ودعت خلص ولا كيف ؟؟

    ردحذف
  80. اسراء قالت ع الفيس من 3 ساعات إن فرح اختها بكرا ومش عارفة تتفرغ خالص للكتابة
    ممكن نديها كمان اسبوع ياشباب وان شاءالله ترجع 🤷🏻‍♀️

    ردحذف
  81. والله اجيت اتفقد احوال الكاتبة فقط لانه ما عندي وقت اقرا هاي الايام انصدمت بالتعليقات شادينها

    ردحذف
  82. اتمنى الكاتبة ما تهتم للتعليقات المتحمسين زيادة غالبا السبب هوه حبهم للرواية والله خير منك بتهتمي بالمتابعين وما بتتركيهم بدون اخبار ..اتمنى تستمري بالرواية متى ما قدرتي ومهما طولتي علينا عادي لانها تحفه اهم اشي تحسي انك مستمتعة بما تفعلين يا جميلة

    ردحذف
  83. مرحبا لس ما في فصل

    ردحذف
  84. أزال المؤلف هذا التعليق.

    ردحذف
  85. من كثر المرات اللي دخلت فيها المنصة عقلي حفظ الشكل الحالي للصفحة الرئيسية😓 و صرت خايفة يحصلي شي من هول الصدمة اذا دخلت فيوم و لقيت فصل جديد نازل 😵😵‍💫

    ردحذف
  86. ممكن تطمنونا على اسراء بدأت اخاف عليها طولت

    ردحذف
  87. اسراء وينك مغيبه يابنت

    ردحذف
  88. أزال المؤلف هذا التعليق.

    ردحذف
  89. انتو متأكدين ان اسراء حيه

    ردحذف
    الردود
    1. حية الحمد لله كانت مشغولة بس و عم تحاول تتفرغ للفصل

      حذف
    2. خفت عليها وعلى الروايه الحمدلله توها حيه

      حذف
  90. هاااااي اسراء ردي وطمينينا

    ردحذف
  91. بست اسراء انتي مشغوله

    ردحذف
  92. يجدعان والله هعيط حاسه هعيد الروايه عشان نسيت الاحداث

    ردحذف
  93. اسراء حاولي تنظمي وقتك من شان تتفرغي للكتابه ولو ساعه في اليوم احنا نستحق تعبنا واحنا ننتظر

    ردحذف
  94. جمعه طيبه عليكم جميعاً ينزل الفصل اليوم

    ردحذف
  95. بظن بعيد الرواية نظرا لعدم وجود شيء يجذبني للقراءة الايام دي رغم اني فاكره الاحداث كلها🙂

    ردحذف
    الردود
    1. حتى انا والله قد اني حفظتها من كثر مااعيد وازيد فيها ليت تنزل الفصول كلها مره واحده

      حذف
  96. وين الفصول راح اطالب بل فصول لأخر يوم في حياتي لاخر نفس احنا عطينا الاسبوع الذهبي لاسراء ماينتهي ابداً 😂

    ردحذف
  97. انا بدأت ايأس اسراء هياااااا نزلي يختي حتى صوره الفصل تطمئن 😇😇

    ردحذف
  98. اسراء قولي كم بنقعد منتظرين للفصل

    ردحذف
  99. اكيد قد كتبتي نص الفصل صح 😌

    ردحذف
  100. اسراء بليز اسرعي خفي يدك ☺️

    ردحذف
  101. اسرااااااء اين الفصل لا يكن ودعتي الروايه 😢😢😢😢

    ردحذف
  102. اسراء بسرعه لزوم تخلصي الروايه يلا 🙂🙃

    ردحذف
  103. اسراء بسرعه يلا حاولي تخلصي الروايه 😢

    ردحذف
  104. اصبري اصبري يا أنا 😖😖

    ردحذف
  105. اللهم ارزقني صبر ايوب يارب 😤

    ردحذف
  106. اسراء وين الفصل 😭😭

    ردحذف
    الردود
    1. تره ازعجتينا عيب يعني تصرفي بنضوج، الكاتبة قالت الفصل قريب مافي داعي تجي كل دقيقة تكتبي وين الفصل !!!

      حذف
    2. ازعجتك🤨 العفو من سمو حضرتك

      حذف
  107. ليش الكاتبة ماتنشر ب تطبيق معين وليش ما ترجع تنشر ع واتباد! 💔

    ردحذف
  108. من كتر كرهي الشديد للإنتظار كرهت الرواية كلها

    ردحذف
  109. انا متحمس اوى من ساعة ماعرفت أن الفصل قرب ينزل وكل شوية ادخل على الإنستا اشوفه نزل ولا لسة

    ردحذف
  110. اسراء نزلت استورى فيه صورة وهى بتكتب

    ردحذف
    الردود
    1. يارب قرب البعيد
      البعيد (الفصل )

      حذف
  111. ذكروني كم شهر صار لآخر فصل! قريب 3 اشهر!! ، للأسف تعبنا من الإنتظار حقا ً

    ردحذف
  112. حرفياً الفرحه مش سيعاني لما دخلت دلوقتي وعرفت ان إسراء رجعت تنزل الرواية من تاني، هستناها تنتهي واقراها.. وان شاء الله المرادي إسراء مش هتسبها غير لما تخلصها😂❤️
    ❤️ ❤️ ❤️ love you so much

    ردحذف
  113. متى تكتمل رواية 🥲

    ردحذف
  114. لو نزل فصل جديد رجعوني

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الفصل الأول | أقل من العادية

الفصل الثامن والأربعين | كالبشر